إذا كان من شيء يحق لنا ان نتوقف عنده في هذه السنة المفصلية من تاريخ تونس وبعد حوالي عقد ونصف من المخاض فإنه حتما الحجم الهائل للمخاطر والتهديدات التي واجهت بلادنا والمذهل حقا اننا تفادينا بجهد وصبر وجلد الكثير من المنزلقات التي وقع فيها غيرنا.
أقول هذا من وحي الكثير من الوقائع التي عايشناها طوال هذه الفترة ورغم ان الحصيلة اجتماعيا واقتصاديا لهذا المجال مخيبة للآمال ولم تشبع انتظاراتنا الشاهقة لكن التأمل أيضا في المخاطر التي تفاديناها يجعلنا ممتنون حقا رغم كل شيء.
والحقيقة أنّ هذه الأفكار وغيرها تخامرنا ونحن نستمع الى التصريح الأخير للناطق باسم وزارة الداخلية فاكر بوزغاية وهو يتحدث عن منجز أمني ينبغي ان يستوقفنا شئنا أم أبينا وهو تطهير المرتفعات الغربية التونسية من خفافيش الظلام الذين استوطنوها لمدة أعوام في اطار انفلات معلوم عشنا جميعا تبعاته ومازالت ارتداداته ممتدة الى اليوم.
فالواضح ان الأعداد الكبيرة من الجماعات الإرهابية انحسرت بشكل ملحوظ وهي التي تسللت الى سلاسل الجبال الممتدة من مرتفعات سيدي بوزيد وقفصة ثم القصرين ووصولا الى الكاف وجندوبة وتحديدا جبال الشعانبي وسمامة ومغيلة وغيرها في مرحلة ما بعد أحداث 14 جانفي 2011 بتواطؤ مباشر أو غير مباشر من بعض الأفراد.
وحسب ما ذكره بوزغاية مؤخرا لوكالة تونس إفريقيا للأنباء فإن القوات الأمنية والعسكرية قد تمكنت من القضاء على العناصر الإرهابية المتحصنة بالجبال ولم يبق منهم الى حدود السنة الماضية سوى 11 عنصرا بعد ان كانوا حوالي 117 ما بين سنتي 2014 و2016.
وتجدر الإشارة الى ان هذا التصريح المهم جاء في إطار إحياء ذكرى ملحمة بنقردان التي وأدت أحلام كل المراهنين على سقوط تونس في وحل الإرهاب وتأسيس موطئ قدم للجماعات المتطرفة على أرضها كما تم ذلك في بعض البلدان العربية سواء العراق وسوريا أو حتى ليبيا البلد المجاور. فقد أظهر الميدان لحمة عجيبة بين القوات المسلحة وأبناء الشعب التونسي الذي لفظ هؤلاء الإرهابيين وقوّض كل ما كانوا يشيّدونه في خيالهم. وبالتالي انتفت فرضية وجود حاضنة شعبية ممكنة لطيور الظلام في تونس.
وفي هذا التصريح ذاته تم التأكيد على القوات المسلحة التونسية عسكرية وأمنية التي تواصل جهودها من أجل تطهير آخر نقطة من المرتفعات الغربية من الإرهابيين. والقلة القليلة التي ما تزال قابعة في المغاور محاصرة بعد ان انهكت تماما تنتمي الى ما يعرف بـ«كتيبة عقبة بن نافع» المنضوية تحت لواء «تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي» أو بعض التابعين لما يسمى بـ«جند الخلافة».
ولعل من آخر العمليات النوعية التي تم الإعلان عنها هي تلك التي قامت بها القوات الخاصة للحرس الوطني ولواء القوات الخاصة للجيش الوطني مدعومة بوحدات جيش الطيران والتي نتج عنها القضاء على ثلاثة عناصر إرهابية بالغة الخطورة بعد عمل استخباراتي دقيق وتم رصد تحركاتهم ما بين جبال سيدي بوزيد والقصرين.
والأكيد ان استراتيجية العمل الأمني قد تغيرت وأصبحت أكثر نجاعة ودقة في السنوات الأخيرة بعد ان استردت المؤسسة الأمنية عافيتها وأصبحت اكثر قدرة وجاهزية وتجلى هذا في العمليات الاستباقية والعمليات النوعية التي يمكن اعتبارها من المنجز الأمني المهم في السنوات الأخيرة. وشكلت خطوات ثابتة في القضاء على الظاهرة الإرهابية وتقليم اظافر دعاة التطرف العنيف بقطع الامدادات المالية واللوجستية عليهم وبحصارهم وتسديد الضربات الموجعة لهم خاصة مع غياب حاضنة شعبية أو دعم سياسي.
وهنا سيكون من المهم التذكير بأن تونس عرفت ذروة تنامي الإرهاب في السنوات الممتدة ما بين 2012 و2015 فقد واجهت بلادنا ضربات إرهابية متعددة وكانت المعارك تدور في المرتفعات الغربية بشكل متقطع بين القوات المسلحة والارهابيين المتحصنين في الجبال وتابعنا وقائع تفجير ألغام وكمائن كثيرة راح ضحيتها العديد من الشهداء من أبناء المؤسستين الأمنية والعسكرية خاصة في جبل الشعانبي الى جانب مواجهات عنيفة مباشرة مع الارهابيين على غرار احداث قبلاط وسيدي علي بن عون.
خلاصة هذا أن تونس تجاوزت مرحلة صعبة من التحديات ومن الكرّ والفرّ مع الإرهاب ومع كل أشكال التحديات ويحق لنا ان نثمّن المنجز الذي تحقق أمنيا رغم الثمن الباهظ الذي دفع من دم الشهداء ولكن علينا ان نتوخى الحذر الدائم خاصة ونحن نعيش في سياق متوتر وفي سنة انتخابية مهمة وأعين الجميع داخليا وخارجيا على ما يحدث في تونس.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

إلى مراكز النفوذ في الغرب وتحديدا فرنسا بعد أن سقطت أقنعتها: تونس ليست ملفا حقوقيا..!

من المعلوم ان علاقة تونس بالآخر الغربي متعددة الأبعاد والتقاطعات بين النخب الغربية والفرنس…