من المؤكد أن الإعلان عن الاجتماع الثلاثي الذي سيكون بشكل دوري بين تونس وليبيا والجزائر أو النواة الصلبة لاتحاد المغرب العربي يشكل حدثا كبيرا ليس على مستوى العلاقات البينية فحسب بل على المستوى المغاربي إجمالا.
هنا نحن أمام تحول مهم لا تخطئه العين على مستوى إقليمنا المغاربي الذي يعيش على وقع الكثير من العواصف أهمها «المحنة الليبية» التي ألقت بظلالها على كل بلدان المنطقة وتحديدا البلدين المجاورين تونس والجزائر.
وفي هذا السياق يتحدث العديد من المتابعين عن كثب للشأن المغاربي ومن العارفين بخفايا السياسة في هذه المنطقة عن إمكانية بروز كيان جديد تكون البلدان الثلاثة التي أقرت الاجتماع الدوري أبرز مكوناته مع احتمال قوي لالتحاق موريتانيا به.
والهدف هو إعادة الروح إلى اتحاد المغرب العربي الذي يعيش سباتا شتويا منذ فترة طويلة لكن دون المغرب الأقصى بعد أن اختار هذا البلد توجهات سياسية واقتصادية متناقضة مع باقي البلدان وفي ظل تنامي التصعيد بينه وبين الجزائر إلى حد الوصول إلى القطيعة التي ربما تكون بلا رجعة ومع وجود جفاء مع تونس بدأت ملامحه تظهر منذ فترة وما فتئت الهوة تتعمق ولا يبرز أفق لرتقها في المدى المنظور.

والأكيد أن المنطقة المغاربية تحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى رأب الصدع. فالأوضاع الراهنة في إقليمنا تتطلب مزيد التنسيق من أجل الخروج من مأزق لعبة الأمم والتي هي قطعا في أتونه في هذه المرحلة.
فالوضع في ليبيا هو مربط الفرس خاصة مع تصاعد التوتر بين حكومتي الشرق والغرب ومع تنامي نفوذ اللاعبين الدوليين في هذا البلد ولا تبدو الآفاق واضحة في المدى المنظور مع إذكاء التوتر بين الفرقاء من قبل الفاعلين الدوليين.
واللافت أن البلدين الجارين تونس والجزائر لم يلعبا حتى اللحظة الدور المركزي في التهدئة وإعادة الأمور إلى نصابها لعدة عوامل من بينها أن الأطراف الليبية ما تزال غير مطمئنة لهذين البلدين.
هذا بالإضافة إلى أن الفرقاء في ليبيا تربطهم علائق بمراكز النفوذ العربية والغربية ربما أكثر من علاقتهم بالعواصم المغاربية وهو ما يفسر الكثير من الوقائع التي جدت في الآونة الأخيرة ومن بينها إلغاء الاجتماع الذي تم إقراره بين نواب ليبيين في تونس دون استشارة أو حتى إعلام السلطات التونسية بهذا اللقاء الذي سيتم على أراضيها.

وهنا من المهم أن نستحضر الأدوار التي تلعبها بعض العواصم الغربية بشكل مباشر أو غير مباشر سواء عبر المواقف السياسية المعلنة أو من خلال وسائل الإعلام وحتى بعض النشاط الأكاديمي والذي يهدف إلى إذكاء نار الفتن في المنطقة المغاربية والاشتغال على التناقضات والاختلافات السياسية بينها وكذلك على المصالح الاقتصادية المتضاربة والمنافسة الشرسة في بعض القطاعات الخدماتية على سبيل الذكر والحصر.
بل إن الوضع بلغ حد إذكاء النعرات الجهوية والقبلية أو ما يسمى سوسيولوجيا «الظاهرة الانقسامية» أي العودة إلى الخصائص العرقية والإثنية لمنطقة المغرب العربي كما اشتغل عليها علماء الاجتماع والانثروبولوجيا منذ أواخر القرن التاسع عشر أو بالأحرى مع بداية مرحلة الاستعمار إلى حدود الثمانينات من القرن العشرين ومتابعة مظاهر الاختلاف القائمة في صلبها ومحاولة إحياء ما يمكن أن نسمّيه بالمخيال العرقي والمناطقي والجهوي وحتى المذهبي.
والمؤسف أن هذا يتم تقديمه في قالب أكاديمي يتم تمويله من دوائر مشبوهة لخدمة أجندات الانقسامية في المنطقة والتي تختزل الفكر الكولونيالي.
والخطير أن هناك معطيات تفيد بوجود فرق علمية تشتغل على كل بلد مغاربي على حدة ثم تقدم نتائج البحوث التي تلبس قناعا علميا في وسائل إعلام ومنابر أكاديمية لخدمة هذا الغرض.
ومن خلال هذه الاعتبارات التي ذكرناها يمكن المراهنة على ولادة كيان جديد قوي لا تشقه خلافات ولا تشوبه توترات يمضي بعيدا لتحقيق توازنات إستراتيجية واستقرار سياسي في المنطقة ويحقق ضمانات للنهوض الاقتصادي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

التشغيل في تونس : «أم المعارك» التي لا بدّ من خوضها

لا شك ان احد الرهانات المطروحة على تونس اليوم هو التشغيل بكل ما يعنيه هذا الملف من تعقيد  …