2024-03-05

مغالطات إعلامية» تكشف عن زيفها من تلقاء نفسها..: «M6».. حصريا تحت الطلب..!

إذا أردت أن تعرف ما معنى «اللوبي الساذج» بكل المقاييس وإذا أردت أن تدرك ما سمات الشعوذة والدجل في الإعلام فما عليك سوى متابعة ما جادت به قريحة جماعة أم6. من خلال التقرير الذي تم تقديمه تحت يافطة مغرية وهي «الحصري».
والأكيد أن الدعاية التي سبقت عرض هذا البرنامج كانت أكبر بكثير من فحواه والمضامين التي تم تقديمها خلاله وهو ما يصدق عليه المثل التونسي «الزغاريد أكثر من الكسكسي».
فعلى المستوى التقني مثلا ثمة تفكك واضح في الفقرات المبرمجة وعملية المونتاج لم تكن موفقة ولذلك بدت الأفكار متقطعة ولا رابط منطقي بها. وهذه أخطاء حرفية كنا نخال الإعلام الفرنسي لا يقع فيها.
ويمكننا القول دون تجنّ أو مجانبة للصواب إن هذا التقرير كان رديئا من الناحية التقنية أما بالنسبة إلى المضامين فهي لا تحمل «أسرارا» أو معطيات جديدة تمنحها صفة «الحصرية» التي وسمت بها. بل هي قديمة في أغلبها واعتمدت مواقع التواصل الاجتماعي كمرجعية عبر نشر بعض المتفرقات التي لا مصادر موثقة تدعمها.
إذن هذا المضمون على المستوى الإجمالي لكن السؤال الذي يطرح نفسه من المستفيد من هذا البرنامج ؟ ومن شاهده من الأساس؟
علينا بدءا التذكير بأن نسبة مشاهدة وسائل الإعلام الفرنسية من قبل الجمهور التونسي لا تتجاوز الخمسة بالمائة وفق إحصائيات رسمية . فالثقافة الفرنكوفونية تراجعت وكذلك مكانة اللغة الفرنسية في تونس خاصة لدى الأجيال الجديدة باعتبار المتغيرات الثقافية والحضارية والسياسية. وإذا أضفنا إلى كل هذا الموقف المخزي الذي اتخذته وسائل الإعلام الفرنسية كلها ودون تنسيب من حرب الإبادة التي شنها الكيان الصهيوني على الفلسطينيين حيث كان الاصطفاف واضحا خلف الصهاينة وانبرى للدفاع عنهم مغيّبا الصوت الآخر. وبالتالي فإن 7 أكتوبر اسقط ورقة التوت عن هذا الإعلام وكشف كل علله ولم يعد هناك مجال لتصديقه. وبالتالي فالأكيد أن نسب المتابعة تراجعت في الأشهر الأخيرة بالتأكيد أكثر من ذي قبل.
والواضح أن الأصداء التي تابعناها بعد بثه من قبل النخب التونسية سواء من المعارضة أو الموالاة كانت سلبية ووصفت البرنامج بالرديء وبالتالي فإن الرسالة التي أريد بثها من خلاله لم تتحقق على الأقل على مستوى الداخل التونسي.
ومن هنا تأتي سذاجة من قام بهذا اللوبي ومن وقف خلف هذا البرنامج الذي من الواضح انه مدفوع الأجر. والذي تم إعداده بشكل مستعجل.
وفي هذا السياق علينا أن نقرّ أننا لا نحتاج إلى تقرير في قناة فرنسية لندرك تفاصيل واقعنا فالمعيش اليومي للتونسيين صعب جدا والوضع الاقتصادي متدهور وبالتالي لسنا في انتظار هذا «الحصري» لإماطة اللثام عنه.
لكن ما هي الفائدة الحاصلة لأولئك الذين يقفون خلف إعداده وتنفيذه فالأكيد أنهم عادوا بخفي حنين فالتقرير لم يفصح عن البدائل الممكنة ولم يقدم إضاءة عن الشخصيات التي يمكن أن تصنع تغييرا في تونس.وظل الذين حرّكوا الأحداث من خلف الستار خارج الدائرة وبالتالي لم يستفيدوا شيئا.
أما الطرافة التي يمكن أن نرصدها هنا فهي أن سؤال العودة إلى الوراء كان بالغ السذاجة خاصة وهو يأتي من برنامج فرنسي بالتأكيد يعرف القائمون عليه ما حف بالثورة الفرنسية والانتكاسات التي عرفتها قبل أن يستتب الأمر. وعليه فإن المسار الانتقالي الذي عرفته تونس بعد 14 جانفي 2011 لم يكن سوى مخاض طبيعي وليس مرحلة مستقرة وفي هذا الخضم يمكن فهم وتحليل مرحلة حكم الإسلاميين في تونس والتيارات القريبة منهم وليس باعتبارهم نتاجا خالصا للديمقراطية. فلا ننسى أن مسار الانتقال الديمقراطي كان عسيرا ولعب فيه المال السياسي دورا محوريا وتأثير اللوبيات المالية والإعلامية داخليا وخارجيا.
ولا ينبغي بأي حال من الأحوال طرح فرضية أن الإسلام السياسي وفروعه هم من أسّس للديمقراطية كما أراد هذا التقرير أن يوهمنا ضمنيا.
ويبدو أن هذا كله سقط من حسابات من أعدّ ونفذ وقدّم هذا التقرير والذي يقرّ العارفون بالإعلام الفرنسي عن كثب أنه مدفوع الأجر بلا أدنى شك. بالنظر إلى السوابق التي تم رصدها في الإعلام الفرنسي عموما وفي هذه القناة خصوصا ومن قبل المساهمين في إعداد وإنتاج هذا التقرير.
والأكيد اليوم أن الذين راهنوا على أن تونس سترتعد من جراء هذا البرنامج قد خسروا الرهان أما الذين وضعوا بيضهم في سلّة الفرنسيين فحتميا كانوا هم الخاسر الأكبر وحسرتهم اليوم كبيرة. فمن راهن على أن يكون البرنامج سبيله للدعاية تمهيدا للاستحقاق الرئاسي القادم قد عاد مذموما مدحورا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

إلى مراكز النفوذ في الغرب وتحديدا فرنسا بعد أن سقطت أقنعتها: تونس ليست ملفا حقوقيا..!

من المعلوم ان علاقة تونس بالآخر الغربي متعددة الأبعاد والتقاطعات بين النخب الغربية والفرنس…