لقاءات ثلاثية كل ثلاثة أشهر : نحو تشكيل محور تونسي جزائري ليبي لمواجهة التحديات الاقتصادية والأمنية
كان لرئيس الجمهورية قيس سعيد ومضيّفه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون ورئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد يونس المنفي بالجزائر لقاء ثلاثي. وجاء ذلك على هامش قمة البلدان المصدرة للغاز التي انعقدت قبل نهاية الأسبوع الفارط بالجزائر .وخلال هذا الاجتماع اتفق الرؤساء الثلاثة على عقد لقاء مغاربي ثلاثي كل ثلاثة أشهر. كما تم الاتفاق على أن تحتضن تونس أولى هذه الاجتماعات بعد شهر رمضان.
وحسب بلاغ لرئاسة الجمهورية الجزائرية فان هذه الاجتماعات تقررت اثر تدارس الأوضاع السائدة في المنطقة المغاربية، وهي ترمي إلى تكثيف جهود البلدان الثلاثة وتوحيدها لمواجهة التحديات الاقتصادية والأمنية بما يعود على شعوبها بالإيجاب.
واجابة على سؤال «الصحافة اليوم» حول توقيت هذا التحرك الثلاثي وما سيحققه من نفع أوضح المحلل السياسي الجمعي القاسمي أن هذا التحرك التونسي الجزائري وان جاء متأخرا لمعالجة تطورات الملف الليبي فانه يبقى تحركا مهما. كما أن التطورات الجديدة الجيوسياسية والإستراتيجية التي تشمل المنطقة دعت إلى أن تكون هناك لقاءات ثلاثية دورية كل ثلاثة أشهر بحضور رئيس المجلس الأعلى الليبي.
وتتمثل هذه التطورات أساسا في المبادرة المغربية الأطلسية التي أطلقها المغرب والتي تتعلق بإدماج دول الساحل والصحراء الأربعة بوركينافاسو والنيجر ومالي والتشاد في العجلة التنموية الإفريقية وتمكينها من منفذ بحري. وهذه المبادرة من شانها تغيير المشهد الجيواستراتيجي في إفريقيا وسيقلص بالضرورة من التهديدات الأمنية التي تؤرق ليبيا والجزائر وتونس باعتبار أن اغلب المهاجرين غير النظاميين المتواجدين في تونس ينحدرون من تلك الدول.
وعبر محدثنا عن اعتقاده بأن هذا اللقاء الثلاثي المتفق عليه هو تحرك سياسي يأتي في الوقت بدل الضائع وله أبعاد للرد على المبادرة المغربية المذكورة لا أكثر. وبالتالي الإشكال اليوم حسب تقديره يكمن في المتغيرات الجيوسياسية في المنطقة باعتبار المبادرة الاطلسية للمغرب والتوتر السائد حاليا بين الجزائر ومالي، ما أدى إلى مثل هذا التحرك خاصة وان ليبيا يبدو أنها أبدت استعدادها للانخراط في هذه المبادرة والجزائر تريد أن يكون لها دور في صلب هذه التطورات فلم تجد غير تونس لتتحرك معها في هذا الإطار.
وحول ما إذا كانت هذه المبادرة تشير إلى تشكيل تحالف جديد على حساب الاتحاد المغاربي، أكد الجمعي القاسمي أن الاتحاد المغاربي انتهى بحكم توتر العلاقات الجزائرية المغربية وتضارب المصالح في إطار دول هذا الاتحاد. ومع ذلك فان أقصى ما يمكن الحديث عنه داخل هذا التحالف الجديد هو خلق مناطق تجارة حرة وذلك أمر مطلوب ويستحق الإشادة باعتبار أن هذه البلدان ترنو إلى التكامل الاقتصادي. وعبر المتحدث عن أمله في أن يكون للمبادرة الثلاثية لفتح قنوات الحوار الدوري في أعلى مستوى كل ثلاثة أشهر إيقاع اقتصادي في سياق تحقيق التكامل المنشود.
وخلافا لما ذهب إليه الجمعي القاسمي فان المحلل السياسي المنذر ثابت يرى أن اللقاءات الدورية الثلاثية بين الرؤساء الثلاثة تتعلق بتشكيل محور قد ينوب عن الاتحاد المغاربي نظرا للجمود الذي أصاب هذا الاتحاد واعتبارا للتشنجات الأخيرة بين الجزائر والمغرب وبين هذا القطر وتونس. والنتيجة الأولى والمباشرة لهذا التقارب الذي اعلن في الجزائر على هامش قمة الدول المصدرة للغاز هو عزل المغرب في المنطقة. فهذا الثالوث الذي يتوسط عمليا المغرب العربي وشمال إفريقيا يمثل عمقا استراتيجيا وعمقا اقتصاديا في علاقة بالفلاحة، كما انه بتوحيد سياساته والسياسات الأمنية والاقتصادية سيكوّن حلفا وازنا في المنطقة وفي علاقة بالاتحاد الأوروبي.
واعتبر محدثنا أن تواجد تونس داخل هذا الحلف سيعيد حضورها في الملف الليبي وسيعيد تموقعها فيه، خاصة وان العلاقة بين البلدين لا يمكن أن تكون إلا علاقة إستراتيجية وذات مستقبل وكذلك علاقة تشابك وتماس جغرافي.
وبالتالي أكد المنذر ثابت على مصلحة تونس صلب هذا الحلف الذي من أولى أولوياته الملف الاقتصادي والتنموي والأمني. ليضيف أن ما يجمع بين تونس والجزائر هو محاولة إحياء حركة عدم الانحياز والموازنة بين الأطراف الشريكة وهذا في حد ذاته معطى هام. وتونس في هذه الموازنة تفتقد إلى وزن قد تمنحه إياها الجزائر. ومع ذلك فان حضور تونس لا يستهان به لأن قلب تونس للتحالفات سيضرّ بوضع الأمن القومي الجزائري. يعني أن بلادنا حسب المتحدث تعتبر محددة في تطور الأوضاع الإقليمية وهي ليست تابعة بل هي من ترجح كفة هذا الطرف ويمكن أن تكون المحددة لتطور التخاطب في المنطقة.
وأكد محدثنا على أهمية استغلال هذا التحالف تنمويا واقتصاديا خاصة وان ليبيا تمثل سوقا مفتوحة للاستثمار والتشغيل، كما يمكن لبلادنا أن تكون منصة لإعادة إعمار هذا القطر وان تنسج تكاملا اقتصاديا بينها وبينه وبينها وبين الجزائر. وبالمناسبة شدد المتحدث على ضرورة عدم إغفال أن تونس بلد عبور بالنسبة إلى الغاز والبترول الجزائري. وبالتالي هناك مصلحة جزائرية هامة مع تونس في مستوى تزويد السوق الأوروبية بالغاز باعتبار الامتياز الجغرافي الذي يمنحها ورقة هامة في العلاقات الثنائية مع الجزائر وفي العلاقات الثلاثية. ليخلص المنذر ثابت إلى أن بلادنا في كل ذلك تترجم قربها إلى الجزائر وليبيا خلافا للمغرب، نظرا إلى أن اقتصادياتنا مع هذا القطر متماثلة ومتنافسة في حين مع الجزائر وليبيا متكاملة.
من أجل توفير مناخ أفضل لتعزيز جاذبية بلادنا كوجهة استثمارية واعدة : منشور حكومي لدفع إنجاز المشاريع الاستثمارية العمومية والخاصة
تنفيذا لمخرجات المجلس الوزاري المنعقد بتاريخ 29 أكتوبر 2024 أصدرت رئاسة الحكومة أمس الأول …