تعطّلت أشغالها لأسباب مختلفة ومتشابهة : متى تُستأنف الأشغال بالمشاريع العملاقة والحضائر المعطّلة؟
شهدت تونس في الفترة الأخيرة حرصا متزايدا على تثبيت أموال الدولة وعقاراتها وممتلكاتها وتثمين كل عائداتها وكل ما يعود لها، وذلك بحرص من رئيس الجمهورية ومن كل أجهزة الدولة التي شرعت في احصاء أيضا المشاريع المعطلة، التي انطلقت فيها الأشغال وتوقفت لأسباب مختلفة، خاصة تلك المتعلقة بانجازات لفائدة المؤسسات العمومية.
بعض التقارير تتحدث عن أن هناك آلاف المشاريع التي انطلقت فيها الأشغال، وبلغت مستويات متفاوتة من الانجاز لكنها تعطلت لسبب أو لآخر، وأن هناك مشاريع بلغت فيها مدة التعطيل خمسة عشر سنة كاملة وفيها مئات من المشاريع التي وقع نسيانها تقريبا أو وقع تجاوزها إلى بدائل أخرى بعد اليأس من استئناف العمل عليها.
العارفون أيضا بخفايا المشاريع المعطلة تحدثوا عن تداخل كبير بين الاطراف المعنية، سواء المقاولون او الوزارات المعنية بالمؤسسات التي يقع انجازها أو اصلاحها، وخاصة وزارة المالية، التي تتحدث تقارير عديدة عن رفضها في عديد المرات دفع المترتب عنها للمقاولين ومكاتب الدراسات وكل المشمولين بالدفوعات.
اضافة الى ذلك لا يمكن تناسي السبب الاهم في هذه التعطيلات وهو ندرة وغلاء أسعار مواد البناء، بكل أنواعها ودون استثناء، ما جعل المقاول الذي يستلم اللزمة ويشرع في البناء، وتتوقف الاشغال لسبب او لآخر، وعندما يعود يجد ان التكاليف ستتضاعف تقريبا، ان لم يكن أكثر من الضعف، بسبب غلاء الحديد وغلاء الاسمنت والرمل وأجور اليد العاملة ومتطلبات الخشب والبلور والسيراميك وكل مستلزمات الاشغال.
مع التذكير وأن مشاريع عملاقة تهم الدولة بدرجة أولى، متوقفة حاليا، وعلى رأسها الملعب الاولمبي بالمنزه الذي زاره رئيس الدولة مؤخرا، والذي يعرف عديد المشاكل في اتمام انجازه، وتتداخل فيه عديد الصعوبات، وهو نفس الامر بالنسبة الى مشروع عملاق آخر هو مطار النفيضة وميناؤها للمياه العميقة الذي شُرع في تنفيذه منذ قرابة العقدين من الزمن، دون ان ننسى توسعة مطار تونس قرطاج وميناء بنزرت ومشروع تبرورة بصفاقس وقنطرة جربة والطريق السيارة عبر القيروان الى الرقاب وغيرها من المشاريع العملاقة التي وقعت برمجتها منذ سنوات طويلة، لكن تعطلت اشغالها لأسباب مختلفة ومتعددة وان كانت متشابهة.
السيدة سارة الزعفراني وزيرة التجهيز والاسكان، وخلال زيارتها نهاية الاسبوع الى ولاية القصرين، استنكرت تعطّل مشاريع عمومية لمدة قالت انها تتجاوز 10 سنوات و15 سنة معتبرة ان ذلك غير معقول.
وأكدت الوزيرة «أن الوزارة لن تقبل بمزيد من التعطيلات ولن تكتفي بالفرجة» مشددة على «وجوب انجاز المشاريع العمومية في الآجال المنصوص عليها وبالجودة المطلوبة».
وأكدت على ضرورة أن «تلتزم شركات المقاولة بمواعيد انتهاء أشغال المشاريع» مبرزة ان «الوزارة ستضطر إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة تجاهها في حال تجاوزها الآجال المتفق عليها».
وقالت الزعفراني «لابد من عودة ثقافة العمل واحترام آجال انتهاء المشاريع العمومية مع توفير الجودة وتطبيق القانون …من غير المقبول ان تبقى مشاريع معطلة بين 10 سنوات و15 سنة …تم فسخ العقود المبرمة مع المقاولين غير القادرين على إنجاز المشاريع العمومية المتعهدين بها…المقاولات التي تعطل المشاريع العمومية ستسحب منها المصادقة والترخيص» وفق تصريح إعلامي لها.
صحيح أن الحزم مطلوب من الجهاز الحكومي، لكن الردع وحده لا يكفي، لأنه من الضروري ان لا ننسى ان أغلب المشاريع تعطلت لعدم قدرة المالية العمومية على الايفاء بالتزاماتها المالية للمقاولين والمتعهدين، وبالتالي الاكتفاء بفسخ العقود وتسليط الغرامات والعقوبات ليس حلا جذريا بقدر ما هو حل مؤقت يتضرر منه المقاول والعمال ولا تحصل الدولة على المبتغى من هذه الأشغال.
وبالتزامن مع الحرص الرئاسي والحكومي على استئناف الأشغال في المشاريع المعطّلة، لا بد من استغلال الفرصة لبعث الروح في مشاريع عملاقة أخرى كثيرا ما يقع الحديث عنها دون الشروع عمليا في تنفيذها وتوفير الأموال المرصودة لها، والبحث عن شركاء آخرين وبدائل استثمارية جديدة، خاصة في ما يتعلق مثلا بمشروع سماء دبي، ومدينة بوخاطر والمرفأ المالي والقطار السريع، وغيرها من المشاريع التي آن الأوان للشروع في انجازها، حتى لا تذهب أموال الدولة في المزيد من المناكفات والانتظارات والتعطيلات.
متى تعي الهياكل أننا بتنا في أمسّ الحاجة لهكذا رؤية: من أجل نموذج فلاحي ملائم للتغيرات المناخية ومخاطر ندرة المياه
رغم توالي سنوات الجفاف، ورغم تحوّل المياه في بلادنا تدريجيا الى عملة نادرة، لا تزال كثير …