للشعب، للسلطة وللداخل النقابي : ثلاث رسائل في التجمع العمالي لاتحاد الشغل بالقصبة
نجح الاتحاد العام التونسي للشغل أمس السبت 2 مارس 2024 في تنظيم تجمع عمّالي بساحة الحكومة بالقصبة تحت عنوان «الحوار الاجتماعي، الحق النقابي، تطبيق الاتفاقيات، وتدهور القدرة الشرائية» وسط جدل كبير ومواقف متنافرة وإشارات عديدة صادرة عن عديد الأطراف قبل هذا الموعد الذي له دلالات خاصة ورسائل جوهرية لا يمكن التغاضي عنها.
إن الأمر لا يتعلق فقط بطرف اجتماعي صاحب دور تاريخي وطني واجتماعي، ولكن أيضا بسبب الوضع العام الذي تمرّ به البلاد وتواصل الأزمة المركّبة والمخاطر المحدقة وقلة الحيلة والحلول بيد منظومات الحكم المتعاقبة في سياق إقليمي ودولي أقل ما يقال فيه أنه خطير وينذر بالأسوإ.
الرسالة الأولى، والتي كانت متوقعة ومنتظرة خصوصا لمن يعرف تاريخ المنظمة وتاريخ تونس، هي أن الاتحاد العام، رغم كل شيء، يصنع الحدث وما يزال الرقم الأساسي في الشأن العام ببلادنا، يتشوّق الجميع لاكتشاف موقفه – بل المطالبة بالموقف والموقف المتقدّم وهذه من المفارقات في مجتمعنا – حتى والاتحاد في أسوإ حالاته كما يرى البعض، وما تزال له القدرة على التعبئة وعلى حشد منظوريه وطيف واسع من النشطاء المدنيين والسياسيين من التيارات اليسارية بالاساس المؤمنة بالعمل النقابي والنضال العمالي والصراع الطبقي والذين شكّلوا على مرّ العقود حاضنة المنظمة الشغيلة وعنصر قوة وثراء داخلها.
ولسنا نبالغ حين نقول أنها حالة وجدانية تلك التي تدفع بالتونسيين إلى التعاطف والتجاوب مع الاتحاد بقطع النظر عمّن يمسك بدواليبه وحالة التواصل مع السلطة.
وبالرجوع للتاريخ دائما، لم تنجح التعدّدية النقابية في تونس ولم تنجح السلطة في جميع المراحل وفي جميع المواجهات في شق المنظمة أو تدجينها أو رسم مربع تحركها وحتى عندما تم استقطاب القيادة في بعض اللحظات التاريخية، كانت القواعد والهياكل النقابية في مختلف المستويات الأخرى متشبّثة باستقلاليتها وبالنهج النضالي وقد رأينا ذلك بوضوح في الفترة بين 17 ديسمبر 2010 و14 جانفي 2011 على سبيل المثال.
الرسالة الثانية هي الصادرة عن الأمين العام نور الدين الطبوبي الموجود في وضع لا يحسد عليه وقد ظهر في المنصة مرفوقا بكل إخوته في قيادة المنظمة وقد حفّزهم وذكّرهم بان ضريبة النضال ليست هيّنة وأن النقابيين يجب أن يكونوا على استعداد للتضحية وتحمّل المسؤولية حتى وإن أدّى ذلك الى السجن.
وبقدر الحدّة في بعض مقاطع الخطاب الموجّه للحكومة التي التأم التجمع العمّالي بسبب محدودية أدائها وتفاعلها ورفضها للحوار، بقدر التأكيد على الانفتاح وعلى الاستعداد للجلوس وللبتّ في كل الخيارات التي من شأنها تجنيب البلاد الاحتقان والمواجهة والتشويش على المشهد السياسي بشكل عام حيث لا يمكن ان يكون هناك حق نقابي في ظل غياب الحقوق المدنية والسياسية على حد تعبير الطبوبي الذي ذكّر الحكومة أيضا بأن تونس تمرّ بمنعرجات خطيرة ومرحلة صعبة تتطلب الحكمة و«لكن الحكمة وبعد النظر لم تلتقطها السلطة السياسية ورأتها ضعفا من الاتحاد».
وأمام هذا الوضع كشف الأمين العام أن هيئة إدارية وطنية ستنعقد خلال الأسبوع المقبل لتحديد الخيارات التي ستذهب فيها المنظمة الشغيلة للدفاع عن منظوريها وفرض، أو الإقناع بضرورة العودة إلى الحوار الاجتماعي، وتكريس الحق النقابي، وتحميل السلطة مسؤولية تطبيق الاتفاقيات المبرمة في الفترات الماضية على قاعدة استمرار الدولة واحترام التزاماتها وفق القانون الدولي والمحلي الى جانب تدارك الأوضاع المعيشية للتونسيين والبحث عن حلول لوقف النزيف وتدهور القدرة الشرائية..
دائما صلب هذه الرسالة الثانية، ليس أمام حكومة السيد أحمد الحشاني حلول كثيرة لتنفيذ السياسات العامة للدولة التي يضبطها رئيس الجمهورية قيس سعيد، ومثلما اكتشف الرجل خلال زيارته الأخيرة الى فرنسا على سبيل المثال ان الحل هو في التواصل مع رجال الأعمال والمستثمرين والأعراف ومنظمتهم المهنية، فإن أقوم المسالك كما كتبنا من قبل هي في العودة الى الحوار الاجتماعي في تونس، ومع الطرفين أي الأجراء وممثلهم الاتحاد العام التونسي للشغل، والأعراف والمعبّر عنهم هو الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية.
والمسؤولية ملقاة بقوة على عاتق السلطة لتوفير الأرضية لإجراء الحوار الاجتماعي وإنجاحه، وهذا ليس بدعة أو منّة أو هو بالأمر الصعب أو المستحيل فلنا تقاليدنا وتجربتنا وقد تقدّمنا أشواطا كبيرة حتى في مأسسة هذا الحوار وبالتالي لا شيء يبرّر الهروب إلى الأمام.
وللتذكير فقط فالسلم الاجتماعي والاستقرار السياسي أيضا في الحالة التونسية تحديدا وفي ظل واقع وخصوصية التجربة الحزبية ومنظومات الحكم المتعاقبة ببلادنا، لا حاضن ولا ضامن له سوى منظمة عمالية قوية قبالة سلطة قوية أيضا والمقصود ليس القوة الردعية والقمعية وإنما الحجة والحكمة والقدرة على التصور والانجاز والمتابعة وهي الشروط والمتطلبات الدنيا للاضطلاع بأعباء الحكم.
والأمل، أو لنقل الحكمة في أن تتلقّف الحكومة ومن ورائها السلطة هذه الرسالة خصوصا وأن الأمين العام أشار في أكثر من موقع في خطابه الى رئيس الجمهورية والى كونه مرجع النظر وصاحب الصلاحيات المهمّة.
أما الرسالة الثالثة فهي للداخل النقابي ولمنظمة حشاد كما يسمّيها النقابيون، فكثير من العلامات أظهرت أمس أن الاتحاد ليس في أحسن أحواله رغم المنجز.
لقد بدا وكأنه محاصر من الخارج ، وهذا عايشناه سواء في علاقة بالإيقافات والملفات القضائية المفتوحة تجاه بعض النقابيين أو في الحملات العنيفة في الفضاء الافتراضي وفي بعض وسائل الإعلام أيضا، وبدا مكبّلا أيضا في الداخل، لذلك اعتبرنا ان نجاح الاجتماع عدديا وتنظيميا في حد ذاته نجاح كبير يجب البناء عليه.
ولم يكن خافيا أمس، غياب الحماس الذي كان يطبع التجمعات العمالية في السابق فالحناجر كانت لا تكلّ من ترديد الشعارات قبل وأثناء وبعد خطاب القيادة.
ولمن يعرف المشهد السياسي والنقابي تسجيل ضعف حضور طيف من المحسوبين على اليسار والمحسوبين في نفس الوقت على السلطة، وهذا ليس عيبا في تقديرنا وليس مصدر حرج، حتى وإن خال هؤلاء أن حضورهم محرج لهم بما أن الخطاب والشعارات والتجمع في حد ذاته هو ضد السلطة حسب فهمهم الخاطئ فنحن أمام نضال مدني سلمي لطرف اجتماعي قانوني راعى كل الظروف من أجل حماية تحركه الجماهيري كبرمجته يوم سبت لاجتناب تعطيل العمل وفي مكان أيضا لا يعيق حركة المواطنين وغير ذلك من الاعتبارات..
فئة ثانية أيضا فضّلت عدم الحضور على ما يبدو واعتبرت ان ما تفعله قيادة المنظمة هو هروب الى الأمام وإطالة لأمد أزمة داخلية تعود جذورها الى المؤتمر الأخير وما شابه من جدل بخصوص تعديل النظام الداخلي والعودة على مبدإ جمع الولايات وتنقيح الفصل 20 وغيره وقد اشار اليهم الامين العام والحكمة هنا في أن لا يكتفي بالإشارة وإنما في التفكير وفي إطلاق حوار داخلي تحت خيمة الاتحاد لترتيب البيت الداخلي وقطع الطريق أمام كل محاولة لتخريبه من الداخل أو حصاره من الخارج.
صحيح أن حملات مسعورة تستهدف المنظمة الشغيلة وأن جميع منظومات الحكم سعت وتسعى الى تهميش الاتحاد وكل الكيانات المدنية والسياسية والمهنية وإدخالها الى بيت الطاعة، لذلك لا مناص من تنقية المناخ داخل الاتحاد والقيام بالمراجعات الضرورية ليستعيد بريقه ودوره ويحافظ على سمعته ومنزلته في وجدان التونسيين الذين بقدر حبهم له بقدر عنفهم إزاءه كلما شعروا أو أوحى لهم البعض، وللأسف فلبعض النقابيين احيانا نقائص وسلبيات في الأداء وفي السلوك وفي المثالية وفي النضالية التي انبنت عليها خيمة التونسيين.
في ذكرى جريمة غرّة أكتوبر 1985 بحمام الشط.. بين تونس والكيان الصهيوني دم.. وحقّ
في الليلة الفاصلة بين 30 سبتمبر وغرة أكتوبر 1985، اتخذ الكيان الصهيوني قرارا بتصفية القياد…