2024-02-28

التباطؤ في ملف الصلح الجزائي : من يتحمّل المسؤولية؟

عاد رئيس الجمهورية قيس سعيد الى إشكالية التباطؤ في ملف الصلح الجزائي من جديد والأكيد ان هذا الموضوع ما يزال يراوح مكانه منذ فترة ورغم أنه أحد أعمدة المشروع الرئاسي في المجال الاقتصادي إلا انه لم يحقق حتى الآن ما هو منتظر منه.
ويبدو أن الأسباب كثيرة فهناك تلكّؤ غير مفهوم ومصدره أيضا غير معلوم. فاللجنة الأولى التي تم تكليفها بهذا الموضوع لم تقم بالدور الموكول لها وظلت لمدة أشهر دون انجاز يذكر.
والآن يدعو رئيس الجمهورية قيس سعيد مرة أخرى الى ضرورة التسريع في تكوين لجنة الصلح الجزائي وذلك لدى لقائه بكل من رئيس الحكومة السيد أحمد الحشاني ووزيرة العدل السيدة ليلى جفال ووزيرة المالية السيدة سهام البوغديري نمصية.
وعلينا هنا الإقرار بأن ملف الصلح الجزائي الذي يقوم على فكرة إعادة الأموال المنهوبة داخليا وخارجيا الى الشعب التونسي بطرق قانونية سليمة وعلى مبدإ المصالحة ، لن يحل قطعا المشاكل المالية والاقتصادية ولكنه يمكن ان يكون منطلقا لمرحلة جديدة في تونس تقطع مع الكثير من الملفات العالقة في المجال الاقتصادي بالتحديد.
وكما هو معلوم يراهن رئيس الجمهورية قيس سعيد كثيرا على هذا الملف باعتباره ركيزة أساسية من ركائز مشروعه الاقتصادي الى جانب الشركات الأهلية ولذلك لا يخفي حرصه الشديد على متابعته والحث على الإسراع بانطلاقته.
ومن المهم التذكير هنا، وفي إحالة على أهمية هذا الموضوع، بأنّ ملفات الصلح الجزائي ستتولى اللجنة المنتظرة النظر فيها والتدقيق في تفاصيلها وتتحمل مسؤوليتها كاملة في الأمر وسيتم لاحقا عرضها على مجلس الأمن القومي الذي سيتولى إقرار مبلغ الصلح المقترح أو يتولى الترفيع فيه إذا رأى ذلك أو ان يرفضه تماما إذا اقتضى الأمر ذلك. وكل هذا وفق ما جاء به نص القانون المنظم لهذه العملية والذي جاء على إثر تنقيح المرسوم الذي تم بمقتضاه إنشاء لجنة الصلح الجزائي.
ولاشك ان التسريع بتكليف لجنة الصلح الجزائي أمر في غاية الأهمية خاصة بالنظر الى المناخات السائدة اليوم خاصة في المجال الاقتصادي مع انكماش واضح وتخوفات وتوجس من قبل بعض رجال الأعمال الى جانب وجود بعضهم في السجن بمقتضى عقوبات زجرية جراء تورطهم في فساد مالي. وهو ما يمكن ان يتم البت فيه باعتماد الصلح الجزائي لإعادة الأموال المنهوبة وإنعاش ميزانية الدولة من ناحية ثم فتح المجال أمام أصحاب الأعمال للمساهمة الفاعلة في الدورة الاقتصادية.
وفي هذا السياق بدا رئيس الجمهورية صريحا وواضحا وهو يؤكد مرة أخرى وهو متوجّها بكلماته الى رجال الأعمال أن من يريد أن ينخرط في هذا المسار التصالحي وأن يعيد إلى الدولة الأموال التي نهبها بشكل قانوني وتكون كاملة غير منقوصة وفق ما تحدده التشريعات فالأكيد أن أبواب الصلح مشرعة أمامه وقطعا لا مصلحة لأحد في سجنه أو حرمانه من العمل بحرية ومن تنمية ثروته.
أما من اختار المراوغة والتهرب من دفع ما عليه بالقانون فهو بالتأكيد سيلاحق قانونيا وسيمثل أمام القضاء لينال العقوبة الجزائية التي يستحقها ويتحمل مسؤولية الاختيار الذي مضى فيه.
هنا نحتاج ان نتوقف عند نقطتين الأولى تتعلق بأصحاب المال والأعمال الذين ثبت ضلوعهم في فساد مالي أقرّه القضاء بوضوح وبعد تثبت وتحريات دقيقة وهؤلاء مدعوون الى الالتحاق بالصلح الجزائي لأنه الملاذ الوحيد لهم ولا يجب ان يراهنوا على الإفلات من العقاب كما جرت العادة في حكومات سابقة والتي تعاملت مع بعض رجال الأعمال بمنطق «عدم المحاسبة» لدواعي سياسية وانتخابية تمثلت خاصة في تمويل الأحزاب ومؤتمراتها والحملات الانتخابية وهذا ملف يطول شرحه اتصل بالمسار الانتقالي برمته. اما النقطة الثانية فهي تخص رجال الاعمال الذين يعملون في كنف القانون ولا علاقة لهم بالفساد المالي لا قبل 14 جانفي 2011 ولا خلال العشرية الماضية فهم مدعوون الى التحلي بالشجاعة ومباشرة أعمالهم دون توجس او خيفة وعلى الدولة طمأنتهم بخطاب مباشر وعبر التخفيف من الإجراءات التي عفا عنها الزمن.
والحقيقة ان مسؤولية الفاعل السياسي اليوم كبيرة في إعادة الثقة الى رأس المال الوطني وعدم شيطنته للقيام بتحفيز الاستثمار المباشر ولإرسال رسائل طمأنة أيضا الى المستثمرين الأجانب عبر تنقية الأجواء وتسهيل الإجراءات المكبّلة للاقتصاد الوطني.
وأيضا علينا ان ننبّه الى سلوك بعض العاملين في الإدارة التونسية وممارساتهم التي طالها «الصدأ» والتي تتحكم عبر قوانين بالية في الاقتصاد الوطني وتسهل عمليات الفساد التي لا يمكن ان تنتهي إلا بقطع دابر هذه الظواهر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

إلى مراكز النفوذ في الغرب وتحديدا فرنسا بعد أن سقطت أقنعتها: تونس ليست ملفا حقوقيا..!

من المعلوم ان علاقة تونس بالآخر الغربي متعددة الأبعاد والتقاطعات بين النخب الغربية والفرنس…