يبدو أن فرنسا تتجه إلى تعديل أوتارها على مستوى علاقاتها الدبلوماسية دوليا أو مغاربيا وهو ما يعنينا بالتحديد هنا. وذلك بعد أن أظهر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون فشلا ذريعا في عديد الملفات خاصة الموقف من الحرب الدائرة في غزة والذي ألقى بظلاله على صورة فرنسا «الديغولية» بالإضافة إلى الخسائر التي تكبدها في بعض البلدان الإفريقية حيث فقدت فرنسا مراكز نفوذ كثيرة وتراجع دورها السياسي ومكانتها الاقتصادية بل حتى اللغة الفرنسية خسرت أمام نظيرتها الإنقليزية في بعض البلدان الفرنكوفونية تاريخيا.

ومن الواضح الآن أن ماكرون يخوض معركة جديدة مجالها الفضاء المغاربي هذه المرة من أجل حفظ ماء الوجه من ناحية بعض الخسارات الكبرى التي تكبدها في أكثر من سياق.
وإذا نظرنا اليوم إلى منطقة المغرب العربي التي مرت ذكرى تأسيس إتحادها في الأيام القليلة الفارطة فإننا نلمح جفاء بل وقطيعة على مستوى بعض بلدانها فهناك علاقات مقطوعة بين الجزائر والجار المغربي مع تصعيد سياسي وإعلامي لا تخطئه العين. إلى جانب جفوة بين تونس والمغرب الأقصى منذ التيكاد وما حف بزيارة ممثل جبهة البوليساريو إلى تونس وهناك غياب ملحوظ للتمثيل الدبلوماسي على مستوى السفراء بين البلدين منذ فترة طويلة. كما لم نتابع حوارا أو وساطة لرأب الصدع بين البلدين حتى بعد أن قامت تونس بمبادرة عقب الزلزال العنيف الذي ضرب عديد المدن المغربية وأرسلت السلطات التونسية وقتها مساعدات لم يعرب الجانب المغربي عن الترحيب بها.
هذا بالإضافة إلى المحنة الليبية والصراع الدائر بين الغرب والشرق حول السلطة وطريقة إدارة البلاد مع تأجيل مقصود للانتخابات ومع وجود لاعبين كثر في المجال الليبي ومن بينهم فرنسا التي كان لها دور كبير في إسقاط نظام العقيد معمر القذافي واليوم يسيل لعابها من أجل الكعكة الليبية التي يتصارع الجميع من أجلها وتطمح أن تكون لاعبا مركزيا في المشهد الليبي سياسيا من خلف الستار واقتصاديا عبر نيل نصيب الأسد في إعادة الإعمار. والأكيد أن منطقة المغرب العربي تعيش هذه الأيام اعتمالات كبرى ولا يبدو المستعمر الفرنسي بعيدا عنها بل هو في قلبها.

ومن آخر التطورات التي حدثت مؤخرا زيارة العائلة المالكة المغربية إلى قصر الإليزيه والسعي إلى إذابة الجليد بين الطرفين خاصة بعد جفاء في العلاقة وتدعم هذا بزيارة وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه إلى الرباط أمس الاثنين 26 فيفري الجاري للقاء نظيره المغربي ناصر بوريطة. ويبدو أن الطرف الفرنسي يحاول السعي جاهدا إلى إعادة توثيق عرى علاقات التعاون سياسيا واقتصاديا مع المغرب الأقصى وفتح فصل جديد من توطيد العلائق مع البلدان المغاربية.
ولا تبدو الجزائر بعيدة عن هذا الخضم فهناك حديث عن بوادر انفراج على مستوى العلاقات بين الاليزيه والمرادية بعد توتر معلوم بين البلدين انطلاقا من عام 2019 وصل ذروته في بعض الفترات وآخرها مع ملف الناشطة الفرنكوجزائرية أميرة بوراوي.
ولكن مع انطلاقة العام الجديد جرت مياه كثيرة تحت الجسر ودبّت الحياة في العلاقة بين البلدين إثر اتصال هاتفي بين الرئيسين الجزائري عبد المجيد تبون والفرنسي ايمانويل ماكرون وبدا واضحا أن النية تتجه نحو تهدئة الأجواء وتجاوز التوتر الحاصل منذ سنوات والتعجيل بزيارة تبون إلى باريس التي تأجلت من قبل والتي ستكون نقلة حقيقية على مستوى العلاقات الثنائية.
وفي سياق متصل هناك حديث في الكواليس على أن تلعب موريتانيا دورا ما في رأب الصدع بين تونس والرباط وتجسير الفجوة القائمة حاليا بين البلدين.

ومن المتوقع أيضا أن تلعب نواكشوط دورا مهما أيضا في المسألة الليبية فهي الوسيط المرجح حتى الآن رغم أن تونس هي الأقرب لتقوم بهذا الدور وهذا موضوع آخر ربما يكون من المهم العودة إليه بإسهاب في سياق آخر.
وصفوة القول اليوم إن منطقتنا المغاربية تعيش إعتمالات كبرى ويبدو الدور الفرنسي كبيرا في كل هذا الخضم. ومن المهم أن تكون بلادنا مستفيدة من هذا الحراك سواء من خلال إعادة الوئام بينها وبين بعض الأشقاء أو من خلال الأدوار التي يمكن أن تلعبها في مؤسسة المغرب العربي التي ترأسها مع العلم أن هناك شغورا منذ سنتين في هذا المنصب ولم تقم السلطات التونسية بتعيين أمين عام على رأسها.
كما أن تونس من أكثر البلدان المؤهلة للقيام بوساطة في الملف الليبي أولا لطبيعة العلاقة بين البلدين وثانيا لأن عديد الفاعلين السياسيين الليبيين موجودون على الأراضي التونسية ويقومون بلقاءاتهم هنا.
والأكيد أن الأيام القادمة ستحمل الكثير من الجديد على مستوى منطقتنا المغاربية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

إلى مراكز النفوذ في الغرب وتحديدا فرنسا بعد أن سقطت أقنعتها: تونس ليست ملفا حقوقيا..!

من المعلوم ان علاقة تونس بالآخر الغربي متعددة الأبعاد والتقاطعات بين النخب الغربية والفرنس…