متى تنتهي معضلة العمل البلدي والخدمات العامة؟ الشؤون المحلية في حدّها الأدنى..!
كثيرون سيجادلون بأن الأشغال البلدية مستمرة ولم تتوقف وأن المهام اليومية، سواء جمع القمامة أو انجاز المعاملات الادارية قد استمرا ولم ينقطعا يوما، وان البلدية سواء كانت منحلة أو منتخبة أو معيّنة لم تبخل على المواطن بالخدمة، ولم تقصّر في حق المتساكنين.
لكن المشكل ليس في أداء الخدمة ولا في تقديم الأوراق والمستندات والتواقيع اللازمة لكل معاملة ادارية بل في العقلية التي تكرّست وأصبحت مسلّمة لا نقاش فيها، والتي مفادها ان دور البلدية هو جمع الفضلات واستخراج الوثائق.
في حين ان هذا المفهوم أصبح من المفاهيم البالية في العالم، بل وأصبح من المضحكات في المدن العصرية، لان للبلديات هناك أدوارا أخرى، أرقى بكثير، ودورها فعّال وحاسم في ازدهار البلدان وبناء الحضارة ودعم الثقافة وتطور الانتاج والاقتصاد.
صحيح أن العمل البلدي عاش هزّات عنيفة في تونس في السنوات الاخيرة، وعرف تطورات دراماتيكية لم يعرفها نظراؤه في البلدان الاخرى، خاصة محنة الحلّ والعزل التي عرفتها كل البلديات تقريبا ما بعد 14 جانفي، والارهاصات التي عاشتها اثر ذلك سواء مع النيابات الخصوصية أو حتى بعدها في بلديات الصراع الحزبي التي أرهقت الخدمة البلدية وخلقت أنواعا من التسيب والمحسوبية والاهمال والانفلات لم تعرفه بلديات تونس حتى زمن الاستعمار الفرنسي وحكم البايات.
واليوم، وفي ظل الوضع الاستثنائي الذي تعيشه البلديات المنحلة قانونيا والتي تواصل عملها رسميا، فان واقع العمل البلدي بقي يراوح في منطقة الحد الادنى، أي أن المواطن لا يتمتع بمزايا العمل البلدي ولا يفقد في نفس الوقت حضور هذه الهياكل الضرورية لاستمرار الحياة خاصة في العاصمة والمدن الكبرى.
ومع تحول البلديات الى ظاهرة عامة تشمل كل القرى والأرياف وحتى التجمعات الصغيرة جدا، واستيلاءها على مهام الهياكل الاخرى في تلك الربوع، كالمعتمديات والعمادات وحتى الولاية والحرس الوطني ووزارة التجهيز وغيرها فإنّ العبء قد زاد عليها في الوقت الذي تراجعت فيه مداخيلها، وازدادت مصاريفها بانضمام عشرات الآلاف من العمال الجدد الى مراكز اشتغالها، ونقص ساعات العمل، وقلة الانضباط والتسيب وامتناع الكثيرين عن أداء المعاليم الموظفة لصالح البلديات، مما جعلها في الاغلب الأعم بلديات «خاسرة» وتشتغل عبر الاقتراض ومساعدات الدولة.
هذه الاوضاع المستجدة في العشرية الاخيرة، خلقت بلديات شبه عاجزة تقريبا، وجعل كل نشاطها محصورا في الحد الادنى دون اي اجتهاد أو اضافة، ودون ان تكرس أي مجهود إضافي للتنوير مثلا أو الانشطة الثقافية والرياضية أو التعشيب أو الزينة وغيرها من المناشط التي يُفترض انها في صلب العمل البلدي، لكن للأسف انحصر دورها فقط في استخراج الوثائق وجمع أكداس القمامة.
صحيح ان الوضع الحالي سيقع تجاوزه بعد بضعة أشهر من الان، لكن السؤال هو هل ستغير المجالس البلدية التي سيقع انتخابها في الاستحقاق القادم، عقلية العمل البلدي وهل ستحدث ثورة مفاهيمية في هذا المجال الذي أرهقته عقود من التواكل والتسيب واختلاط المهام وندرة الوعي بالمشروع البلدي الحقيقي القائم على ضرورة التنظم من أجل التقدم وليس من أجل الدورة القادمة أو من أجل «تدبير الراس» أو من أجل الترضيات والوساطات و«الاكتاف» وعقلية الحد الادنى من الخدمات لضمان البقاء؟.
ان تونس اليوم في أمسّ الحاجة لعمل بلدي واع واستراتيجي ويهدف بالخصوص الى الارتقاء بالمدن والقرى التونسية، والخروج بها الى عالم من النظافة والرفاهية، عالم يحلو فيه العيش كما يقال، لا الى مجالس منتخبة همها الوحيد تصفية حساباتها مع المجالس السابقة وان تظهر أنها تشتغل أكثر أو تستهلك أقل، فهذه العقلية لا يمكن ان تبني بلدانا ولا يمكن ان تتقدم بأوطان وشعوب.
ان البلديات اليوم في حاجة ماسّة الى فلسفة جديدة، فلسفة أعمق بكثير من فلسفة «الزبلة والخرّوبة» التي تربّت عليها أجيال من البلديين الذين لم يتقنوا للأسف إلاّ مفردات وأدبيات «أرجع غدوة ومانيش فاضي وموش وقتو» وهي الادبيات التي أضرّت بالعمل البلدي.
مهرجان السينما المتوسطية بشنني «الأرض أنا، الفيلم أنا.. إنا باقون على العهد»: تطور كبير وحضور مؤثّر وفاعل للمخرج السوري سموءل سخية
استطاع المدير الفني لمهرجان السينما المتوسطية بشنني في الدورة 19 المخرج السوري سموءل سخية …