مع اقتراب شهر رمضان وذروة الاستهلاك: المواد الأساسية تعود للنُدرة والاحتجاب..!
رغم الحديث المتفائل من مسؤولي الحكومة ووزارة الاقتصاد عن توفر المواد الأساسية في الأسواق وعودة الأسعار الى رشدها وإن بشكل نسبي، الا ان ذلك لا ينفي عودة شبح الندرة والفقدان من جديد، خاصة مع اقتراب شهر الصوم، وما يعنيه من ذروة في استهلاك المواد الأساسية وضرورة توفرها في توقيت محدد، وما يترتب على ذلك من مضاعفة في المعروض وتقوية في مسالك التوزيع.
ورغم ان الاسابيع الاخيرة شهدت عودة شبه كاملة لمادة الخبز والعجين، وانخفضت تدريجيا طوابير المنتظرين أمام المخابز، الا انها عودة لا تبدو مكتملة حسب شهادات المواطنين، وحسب ما لاحظناه في العاصمة، فأحيانا يتواجد الخبز حتى عند اصحاب المحلات التجارية وبكميات كبيرة، وأحيانا تعود الطوابير فجأة أمام المخابز ويعود التقنين في تسليم الدقيق حسب طاقة الانتاج وحسب المنطقة وحسب أوقات محددة من الليل والنهار.
الا ان مواد استهلاكية أخرى لا تقل أهمية عن الخبز، بدأت تشكل شبحا مخيفا لدى العائلات التونسية خاصة الحليب والسكر، وما يمكن ان يعنيه فقدانهما في شهر الصوم المبارك، وهو ما يولّد عادة نوعا من اللهفة لدى الناس الذين يريدون ان يسارعوا الى تخزين ما يمكن تخزينه خوفا من الانقطاع.
مروّجو مادة السكر، سواء في الفضاءات الكبرى أو المحلات التجارية يشتكون منذ أكثر من اسبوع من انعدام هذه المادة بشكل تام، سواء لدى ديوان التجارة أو الموزعين الرئيسيين أو حتى في الموانئ، وقد بدأ فقدانها ايضا في شهر رمضان يسيطر على كثير من اصحاب المقاهي والمطاعم وصانعي الحلويات والعائلات أيضا، خاصة وانها من المواد الاساسية التي لا يمكن الاستغناء عنها في رمضان.
هذا الانقطاع المفاجئ لمادة السكر جعل أسعارها ترتفع بشكل مهول في السوق السوداء، وبات البعض يتحدث حتى عن سعر أربعة دنانير للكيلو الواحد الذي من المفترض انه لا يتجاوز الدينار وخمسمائة مليم في أقصى الحالات، كما بات آخرون يتحدثون عن انواع غريبة من السكر تغزو السوق، وهي أنواع لا يعرف أحد مدى تأثيرها على صحة الانسان، خاصة الاطفال والمرضى ولا يعرف أحد أيضا مصدرها ولا ضمانات جودتها.
أما في ما يتعلق بالمادة الأساسية الثالثة فهي الحليب، والذي يعتبر وجبة رئيسية لكل العائلات تقريبا بدون استثناء، اضافة الى ضرورته القصوى لأصحاب المقاهي والمطاعم وحتى للمؤسسات الرسمية كالمدارس والمعاهد والثكنات والسجون، اي أنه الطبق الرئيسي في كل وجبة، ومع ذلك عاد للتذبذب والغياب المفاجئ أحيانا والحضور المحتشم أحيانا أخرى.
المستشار الاقتصادي بالاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري، فتحي بن خليفة، قال أمس في تصريح اعلامي أن اأزمة الحليب متواصلة ولم تنفرجب، ودعا إلى افتح ملف منظومة الألبان نظرا لأهميتها القصوى في البلادب.
وأرجع، بن خليفة، توفر الحليب هذه الفترة إلى اتزامن ذلك مع ذروة الإنتاج، حيث تنتج تونس حاليا 1.8 مليون لتر يومياب، مشيرًا إلى أنهّ اخلال شهر رمضان سيكون الحليب متوفراب. لكن لا ضمانات على ذلك حسب الموزعين والباعة، فما يمكن توفره اليوم يمكن ان يُفتقد غدا، والمادة التي تخرج من مواقع الانتاج لا تكفي كل الشرائح الاجتماعية ولا تصل الى كل المستهلكين.
وهو ما يجعل من تدخل الدولة أمرا ضروريا، وحين نقول تدخل الدولة يعني ديوان التجارة الذي عليه ان يبحث عن موارد جديدة لتعويض النقص، لأن التعلل بتوفر الإنتاج المحلي أو ضعفه في مواسم معينة، لا يمكنه أن يسدّ الفراغ الموجود في السوق، ولا يمكنه أن يقنع المواطن المحتاج إلى الحليب والسكر والخبز والدقيق.
متى تعي الهياكل أننا بتنا في أمسّ الحاجة لهكذا رؤية: من أجل نموذج فلاحي ملائم للتغيرات المناخية ومخاطر ندرة المياه
رغم توالي سنوات الجفاف، ورغم تحوّل المياه في بلادنا تدريجيا الى عملة نادرة، لا تزال كثير …