2024-02-15

قراءة في تقرير المنتدى التونسي للحقوق الإقتصادية و الإجتماعية 2023 – 2024 : لهذه الأسباب تقلّصت الحركات الإحتجاجية..!

تحت عنوان «هل سيقضي شبح العزلة على المطالب الاقتصادية والاجتماعية» أصدر مؤخرا المنتدى التونسي للحقوق الاقتصاديّة والاجتماعية تقريره لسنة 2023 وشهر جانفي 2024 حول الاحتجاجات والتحركات المطلبية والذي بين أن سنة 2023 لم تكن كسابقاتها على مستوى التحركات الاحتجاجية حيث بلغ عدد الاحتجاجات 3432 أي حوالي نصف احتجاجات سنة 2022 في المقابل فإن شهر جانفي من سنة 2024 لم يعد بالشهر الذي يعرف بـ «الأكثر احتجاجا » حيث لم تتجاوز التحركات الاحتجاجية 168 تحرك.

وفي قراءة لهذه المؤشرات، أوضحت رحاب المبروكي عضو المرصد الاجتماعي بالمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية في تصريح لـ «الصحافة اليوم» ان نسق الاحتجاج في شهر جانفي 2024 سجل تراجعا بنسبة 67 بالمائة من حيث عدد الاحتجاجات التي بلغت 168 و ذلك نتيجة للعديد من الأسباب ومن أهمها أسباب هيكلية حيث ظلت المطالب هي نفسها وكذلك الشعارات وتضيف بأن الجهات الرسمية تملصت أيضا من الاتفاقيات مما جعل المحتجين تصيبهم حالة إحباط و«عزلة» ويشعرون بفقدان الثقة وخيبة أمل خاصة بعد إقدام السلطة على استقطاب قادة الحركات الاحتجاجية وتعيينهم في مناصب مهمة مما خلف نوعا من التشتت داخل الحركات التي فقدت جانبا من القيادة التي كان موكولا إليها المحافظة على مسار تمشيها ونضالاتها وهو ما أدى إلى تصدع هذه النضالات وغياب التضامن داخل الحركات وخير دليل على ذلك التشتت الذي حدث في صفوف عمال الحضائر والأساتذة والمعلمين النواب وخريجي التربية وخريجي التربية البدنية.
وبحسب ما جاء في قراءة محدثتنا فقد كانت أغلب التحركات ذات خلفية اقتصادية وأخرى اجتماعية مما يعكس في نظرها حالة التدهور في الخدمات المسداة للمواطنين واهتراء البنية التحتية كالاحتجاج على الحق في الماء وعلى النقل المدرسي والحق في الصحة وفي جودة التعليم مبينة بأن أبرز فاعل في هذه الاحتجاجات هم العمال حيث تتمحور جل مطالبهم حول الأجور وتحسين الوضعيات المهنية ومنهم على سبيل الذكر لا الحصر عمال الفسفاط والبستنة وعمال المصانع مشيرة إلى ان مشهد الحراك لشهر جانفي حافظ على نسقه التنازلي منذ العام الفارط وذلك نتيجة للعديد من الأسباب أبرزها تحول دوافع الاحتجاج من المطالبة بحقوق مفقودة إلى الاحتجاج للدفاع عن حقوق مكتسبة وشرعية لكنها مصادرة.

وأضافت المبروكي أن المطالبة بالحق في العيش الكريم وفقدان المواد الأساسية وتدهور البنية التحتية وتردي الخدمات الصحية وغياب التعليم الجيد الى جانب المطالبة أيضا بالعمل اللائق وصرف الأجور والحق في التشغيل كانت من أبرز عناوين التحركات الاحتجاجية خلال سنة 2023.
ولفتت من جهة أخرى الى انه وبالرغم من تراجع نسق الاحتجاجات ككل لسنة 2023 الا أن التحركات البيئية شهدت ارتفاعا في عددها لتصل إلى 463 تحرك أي ما يمثل 13,5 بالمائة من جملة التحركات مقارنة بسنة 2022 حيث لم تتجاوز نسبة التحركات البيئية الـ7 بالمائة مبرزة أن من بين أهم المطالب الحق في الماء وفي بيئة سليمة.
كما أكدت رحاب المبروكي أن فضاءات الاحتجاج لم تتغير ومازالت وسائل الإعلام تحتل المرتبة الأولى وهو ما يعكس قلة فاعلية الجهات الرسمية فبعد أن كانت هذه الوسائل هي التي تحتوي المحتجين أصبحت هي فضاء للاحتجاج هذا إضافة إلى الحضور المكثف للتلاميذ والأولياء في الاحتجاجات في المناطق الحضرية للمطالبة بظروف تعليم جيد و نقل مدرسي وهو ما كسر الصورة النمطية التي كانت تقتصر في السابق فقط على المناطق الريفية.

العنف

وفي قراءة لها حول مؤشرات العنف الخاصة بشهر جانفي 2024 أكدت رحاب المبروكي ان ولاية سوسة كانت في الصدارة نتيجة لتواتر حالات القتل فيها وقد كان من أبرز أشكاله الاعتداء مشيرة إلى أن أغلب حالات العنف أدت إلى القتل وتضيف «لقد رصدنا أيضا تفاقما في ظاهرة العنف المدرسي مع بروز أشكال جديدة تتمثل في ممارسة العنف من طرف الولي ضد المربي وهو ما يطرح إشكالا بخصوص دور الولي الذي تغير من دور معاضد لمجهود الإطار التربوي في بناء سلوك متوازن للتلميذ إلى طرف فاعل في حلقة العنف».

الانتحار

وبخصوص الانتحار أوضحت رحاب المبروكي انه تم تسجيل 11 حالة انتحار ومحاولة انتحار أغلبها في فئة الشباب في سن ما بين 16 و35 سنة وكان أغلبهم من الذكور مما يشير إلى التأثير الكبير الذي تخلفه المشاكل الاقتصادية والبطالة وصعوبة الاستقرار الاجتماعي على نفسياتهم مبينة أيضا أن نسبة 72 بالمائة من حالات الانتحار أدت إلى الوفاة ورغم تسجيل تراجع في عدد الحالات الا أن ولاية القيروان لم تهدأ فيها المعدلات ومازالت تنتشر فيها المحاولات التي تحولت من حالات معزولة وفردية إلى ظاهرة وهو ما يعود إلى العديد من الأسباب الاقتصادية والاجتماعية والنفسية وخاصة ارتفاع معدلات البطالة والفقر والهشاشة الاجتماعية مما يؤكد عجز المنوال التنموي عن الاستجابة لتطلعات المواطنين.
وتقول رحاب بانه حسب الرصد فان أغلب القائمين بفعل الانتحار ينتمون إلى اوساط ريفية تعاني من غياب المرافق الحياتية ما يساهم بشكل كبير في تنمية شعور الغبن والاحباط بداخلهم فيدفعهم نحو ارتكاب فكرة الانتحار التي تصبح ملاذهم الوحيد من كومة المشاكل والوحل.

الهجرة

وفي تعليق على مؤشرات الهجرة الخاصة بشهر جانفي 2024 أفادت إسلام الغربي المختصة في علم الاجتماع وعضو المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية قسم الهجرة في تصريح لـ «الصحافة اليوم» ان تونس مازالت تعتمد على المعالجة الأمنية للحد من تدفقات الهجرة وتتوخى نفس التمشي الذي فرضه عليها الاتحاد الأوروبي وظلت بالتالي إلى اليوم تلعب دور الحارس لحدوده مشيرة الى ان حركات الهجرة لم تهدأ كالمعتاد خلال شهر جانفي 2024 رغم العوامل المناخية المتقلبة التي تتميز بها هذه الفترة من السنة.
وبينت محدثتنا بأن شهر جانفي سجل تراجعا طفيفا في عدد الواصلين بنسبة 32 بالمائة وذلك بوصول 258 مهاجر إلى الأراضي الإيطالية مقابل 341 خلال جانفي 2023 وذلك نتيجة للعوامل المناخية وأيضا نتيجة للمقاربة الأمنية التي تمكنت من التصدي للعديد من محاولات الاجتياز حيث تم إحباط 76 عملية اجتياز خلال شهر جانفي 2024 ومنع 1630 مهاجر منهم 79 بالمائة من جنسيات غير تونسية و20،56 بالمائة من جنسيات تونسية كما نجد فيهم 187 ذكور و15 نساء و 56 من الأطفال، 24 دون مرافقة و 32 مع مرافقة.
كما أفادت المختصة في علم الاجتماع بأن المؤشرات تشير إلى أن الظاهرة ستشهد تصخما في الأرقام خلال سنة 2024 أي سيتم تسجيل نفس أرقام سنتي 2022 و2023 اللتين شهدتا تدفقات كبيرة وذلك نتيجة للعديد من الدوافع التي مازالت تشجع على الهجرة غير النظامية وفي مقدمتها العوامل الاقتصادية والنفسية وأيضا العائلية حيث تبين محدثتنا بأن العائلة ما تزال تحث أبناءها على الهجرة وتدفعهم نحو مغادرة البلاد مضيفة بأن نجاح فرد من الأسرة في الوصول إلى الأراضي الإيطالية سيكون دافعا لبقية الأفراد للمغامرة.
كما بينت اسلام الغربي بأن الصورة النمطية والاعتيادية للهجرة تغيرت ولم تعد الطبقات المفقرة والعاطلون عن العمل هم فقط المعنيون بركوب المخاطر فقد أصبح هناك اليوم أفراد من الطبقة المرموقة ومن المثقفين وأصحاب الشهائد العليا يسعون أيضا نحو الهجرة غير النظامية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

بات يعصف بثوابت القيم والأخلاق : أيّ حدود.. وأيّ حلول.. لظاهرة التنمّر؟

كغيره من الظواهر الهدامة التي باتت تنخر المجتمع أصبح التنمر يتفاقم بشكل ملفت للنظر وينتشر …