2024-02-13

كريستالينا جورجيفا تفنّد ما يروّج حول غلق تونس أبوابها أمام صندوق النقد الدولي : هل هي دعوة ضمنية إلى تجديد المفاوضات وتعديل شروط الصندوق؟

خلافا لما يروّج له بأن أبواب تونس أغلقت أمام صندوق النقد الدولي جاء تصريح كريستالينا جورجيفا مديرة صندوق النقد الدولي ليفند هذه المزاعم ويؤكد العكس حيث قالت في مقابلة مع «العربية بزنس» نشرتها على موقعها أمس الاثنين على هامش المنتدى المالي العربي المنعقد بدبي وتناقلها عدد من وسائل الإعلام الوطنية والعربية «ان رئيس الحكومة أحمد الحشاني أكد لها أن أبواب تونس مفتوحة أمام صندوق النقد الدولي…».
وجاء تأكيد الحشاني حسب تصريح مديرة صندوق النقد الدولي في لقاء جمعهما خلال مشاركته في الدورة 54 للمنتدى الاقتصادي والاجتماعي الذي انتظم بدافوس من 16 الى 18 جانفي الفارط.
كما ذهبت بدورها كريستالينا جورجيفا الى الترحيب بمواصلة صندوق النقد الدولي دعم بلادنا في هذه المرحلة الصعبة في علاقة بالأزمة الاقتصادية والمالية وارتفاع نسبة التضخم، «في حالة اتخاذ تونس قرارها بالذهاب أبعد من النصائح المتعلقة بالسياسات…».

ونلاحظ وبوضوح من خلال تصريح كريستالينا جورجيفا أن صندوق النقد الدولي يرحب بمواصلة دعم وإسناد تونس من أجل الخروج من الأزمة المالية والاقتصادية التي تعيش على وقعها البلاد منذ سنوات لكن بشرط اقراره الذهاب أبعد من النصائح المتعلقة بالسياسات وهو ما يعني أن جورجيفا تدعو ضمنيا إلى عودة المفاوضات بين حكومة الحشاني والصندوق والخروج باتفاق نهائي يخرج البلاد من أزمتها.
إن إصرار صندوق النقد الدولي على مواصلة دعم بلادنا واستعراض فحوى لقاء مديرة الصندوق مع رئيس الحكومة على هامش انعقاد المنتدى المالي العربي المنعقد بدبي يدفعنا إلى طرح أكثر من سؤال من قبيل لماذا ما يزال يصرّ الصندوق على مواصلة دعم تونس وماهي مصلحته من ذلك؟ وهل تراجع الصندوق عن شروطه في علاقة برفع الدعم عن عدد من المواد الأساسية والطاقة وبموقفه من المؤسسات العمومية؟
كما يتزامن تصريح مديرة صندوق النقد الدولي حول تونس مع توخي بلادنا تمشي التعويل على الذات والشروع في إصلاح المؤسسات والمنشآت العمومية والذي تؤكده تصريحات أعلى هرم السلطة والزيارات الأخيرة لعدد من المؤسسات العمومية والتوصية بإصلاحها وإنقاذها والرفع من مردوديتها باعتبارها ثروة من ثروات البلاد. الشيء الذي يرفضه الصندوق ويتنافى وشروطه التي قدمها مسبقا من أجل تقديم الدعم المالي لتونس والتي لقيت رفضا قاطعا من رئيس الجمهورية قيس سعيد خاصة في علاقة برفع الدعم عن المواد الأساسية والطاقة للحفاظ على السلم الأهلية وعلى استقلالية القرار الوطني والسيادة الوطنية.
ونعتقد أن إدلاء كريستالينا جورجيفا بفحوى المقابلة التي جرت بينها وبين رئيس الحكومة أحمد الحشاني إلى الإعلام في هذا التوقيت بالذات غير بريئة أو في أفضل الحالات هي مقصودة بهدف إعادة ملف تونس وصندوق النقد الدولي إلى الواجهة على المستوى العربي ومحاولة الدفع نحو إيجاد أرضية للتلاقي مجددا ومناقشة برنامج يحظى بموافقة الطرفين ويبقي على الصورة الاعتبارية للصندوق ولدوره المالي والاقتصادي في رسم سياسات الدول وخاصة التي تشكو صعوبات أو تلك النامية أو في طريق النمو.

فالأزمة التي تمر بها بلادنا على مستوى المالية العمومية أو في المجال الاقتصادي وضعف الاستثمار وارتفاع نسبة التضخم والتي يتوقع الصندوق أن تصل هذه السنة إلى 9.8 % وأن تبلغ نسبة النمو 1.9 % والتي وصفها الصندوق بـ «الأبطأ» من المتوسط في المنطقة، لن تدفع في كل الأحوال بلادنا إلى الارتماء في «أحضان الصندوق» والقبول بشروطه وإملاءاته التي تمس بالسلم الاجتماعية وبالطبقة المتوسطة وبالعائلات محدودة الدخل.
ورغم إعلان مجلس صندوق النقد الدولي مؤخرا إدراج تونس ضمن القائمة السلبية في سابقة هي الأولى منذ انضمام بلادنا إلى هذه المؤسسة المالية الدولية سنة 1958 ويأتي ذلك اثر تأخر استكمال تونس وممثلي الصندوق بموجب المادة الرابعة المتعلقة بمراجعة الأداء، فان بلادنا لها من الخيارات ما يغنيها عن المساعدة المالية لصندوق النقد الدولي في حال مواصلة إدارته التمسك بشروطه المسبقة.
وتكمن هذه الخيارات من خلال دعم الدبلوماسية الاقتصادية وتمثيلياتنا في الخارج واستنباط طرق تمويل أخرى.. وهو ما شرعت فيه بلادنا فعليا من خلال مصادقة مجلس نواب الشعب يوم 6 فيفري 2024 على مشروع قانون يتعلق بالترخيص للبنك المركزي التونسي لمنح تسهيلات لفائدة الخزينة العامة للبلاد التونسية وبداية تركيز بلادنا منذ فترة على التوجّه إلى الشرق ودعم شراكاتها مع دول القارة الآسيوية وخاصة مع جمهورية الصين الشعبية وروسيا الاتحادية فضلا عن سعيها الى دعم التعاون مع أغلب الدول العربية ودول الخليج وشركائها التقليديين في الاتحاد الأوروبي بهدف مزيد جلب الاستثمار ودفع التنمية والنهوض بالاقتصاد الوطني ودفع التصدير في إطار المصلحة المشتركة بعيدا عن سياسة التداين الارتجالية وغير المدروسة وسياسة وضع اليد والارتهان ورهن البلاد والأجيال القادمة لعقود أخرى من الزمن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

هجرة المهندسين التونسيين : ظاهرة خطيرة تستدعي حلولا عاجلة

لا يختلف اثنان اليوم حول ارتفاع ظاهرة هجرة المهندسين في السنوات الأخيرة وما تمثله من خطورة…