سياسات حماية الطفولة في تونس : تنامي التهديدات وتراجع الحقوق..!
الانتهاكات ضد الطفولة في تونس لا تنتهي انتهاكات تبدأ من العنف داخل الأسرة وتعرض الأطفال إلى الضرب والإهانة وصولا إلى الفضاء المدرسي حيث الضغط النفسي والتنمّر والعنف داخل أسوار المؤسسات التربوية وفي محيطها. أما بالنسبة إلى الفضاء العام فحدث ولا حرج فالتهديدات اكبر من ان نحصرها. وأخيرا وليس آخرا تأتينا أخبار عن العنف داخل فضاء ترفيهي يؤمّه الأطفال للترويح عن النفس من أجواء الدراسة ويتطور الأمر ليصل القضاء ويصبح حديث المنابر الإعلامية حيث يؤكد البعض على ضرورة « تفهم الموقف» واعتبار ما حدث أمرا « طبيعيا» فاعتبار المربي أو المعلم أو المدرب الرياضي أو المؤطر الفني في مقام الأب أو الأم بالنسبة إلى الأطفال يتيح مساحة ليقوم بـ«تربيته» وهذا يقتضي تسليط عقوبات أحيانا ويمضي أصحاب هذا المنطق إلى التأكيد على انه ينبغي التساهل مع «القليل من العنف» إذا صدر عن المسؤول عن الطفل وتهوين هذا الأمر عملا بالمثل التونسي القائل « يكبر وينسى».
ولكن على طرفي نقيض من هذا الرأي تقف الغالبية العظمى الداعية إلى عدم تبرير العنف مهما كان مأتاه ومهما كانت دوافعه وخلفياته باعتبار أن مخاطره على الصحة النفسية والجسدية والعقلية كبيرة جدا ولا ينبغي التهوين منها تحت أي يافطة ونتائجه الاجتماعية وخيمة جدا.
هنا نحن أمام أحد أكبر التحديات المطروحة على سلطة الإشراف بشأن حماية الطفولة والسياسات المتبعة في مجال صون حقوق الطفل وتوفير كل الضمانات لنموه الجسدي والعقلي والنفسي في أطر سليمة.
وتقتضي المكاشفة القول بأن هناك تناميا كبيرا لظاهرة العنف ضد الأطفال والذي يبلغ ذروته مع القتل والاغتصاب.
والمفارقة العجيبة حقا أن هذه التهديدات مطروحة الآن في الفضاء الأسري وربما أكثر من أي يوم مضى. هذا الإطار الذي يفترض أنه يمنح الأمان والسكينة للطفل وهو الحضن الأول الذي يوفّر له الرعاية المادية والمعنوية.
لكن مع الأسف أصبحنا في الآونة الأخيرة نتابع وقائع قتل من قبل أباء وأمهات لأطفالهم لدواعي مختلفة وهناك اعتداءات جنسية من قبل الأقارب على الأطفال في ما يعرف بزنا المحارم.
هذا بالإضافة إلى ظاهرة تشغيل الأطفال التي تفاقمت بشكل كبير مع الأزمة الاقتصادية التي تمر بها بلادنا. وهو ما حدا ببعض الأولياء إلى إلقاء فلذات أكبادهم في سوق الشغل وهم بذلك يتعرضون إلى كل مظاهر الاستغلال.
أما بالنسبة إلى الانقطاع المدرسي فحدث ولا حرج أيضا فقد أصبح ظاهرة حقيقية بعد أن تجاوزنا مليون تلميذ متسرب من مقاعد الدراسة بعد أن أصبحت المؤسسة التربوية طاردة عدائية ولا تستطيع احتضان أبنائها وتوفير الفضاء الملائم لهم للتحصيل العلمي بشغف ومتعة.
ولعل الانقطاع المدرسي أحد الأسباب الرئيسية التي أدت إلى وقوع الأطفال ضحايا كل الانحرافات فقد أصبح بعضهم «وقودا» لحرب مافيا المخدرات. وبعضهم أصبح ضحية الهجرة غير النظامية سواء برفقة ذويهم وبمفردهم.
والحقيقة أن كل هذه الظواهر الخطيرة تشكل تهديدا لمستقبل تونس وعلى هذا الأساس ينبغي على السلطات المشرفة على مجال الطفولة إعداد خطط عملية مع استشارة الخبراء وأهل الاختصاص في مجالات التربية والتعليم والصحة والطفولة من اجل تغيير السياسات الكبرى في مجال الطفولة بما يتسق مع التغييرات الاجتماعية والاقتصادية التي تعيشها بلادنا منذ فترة وبما يتماشى مع التحولات التي يعيشها العالم إجمالا.
فلم يعد من الممكن مواجهة قضايا طفل اليوم بسياسات الأمس.
ولعله من المفيد التذكير هنا بأن تونس كانت رائدة في مجال حقوق الطفل بالمقارنة مع محيطها الإقليمي . فقد أصدرت تشريعا غير مسبوق في هذا الصدد وهو مجلة حماية حقوق الطفل وذلك بمقتضى قانون عدد 92 المؤرخ في 9 نوفمبر 1995. ثم دخلت حيز التنفيذ في 11 جانفي 1996.
وكانت تتضمن مجموعة من البنود التقدمية الرائدة والتي تهدف إلى النهوض بالطفولة وحماية الأطفال من كل أشكال التهديد والاستغلال.
هذا وتقر المجلة حق الطفل في التمتع بمختلف التدابير الوقائية سواء كانت اجتماعية أو صحية أو تعليمية والتي ترمي إلى حماية الأطفال من مختلف مظاهر الضرر والعنف والإساءة المعنوية أو الجنسية وكذلك الإهمال والتقصير.
عن الأمن العام بالبلاد : التصدّي للجريمة وضمان أمان المواطنين..
مما لا شك فيه ان منسوب العنف قد ارتفع بشكل غير مسبوق في تونس وهذا يعود لأسباب كثيرة سنفصل …