2024-02-02

«الصحافة اليوم» ترصد المعاناة اليومية للمواطنين في وسائل النقل العمومي في العاصمة : الـــوضـــع كـــارثي فـــوق طـــاقـــة الإحـــتـــمـــال..!

الصحافة اليوم: ريبورتاج لطيفة بن عمارة
يعاني الكثير من التونسيين من مشكل النقل وسط العاصمة اثناء تنقلاتهم اليومية الى العمل او الدراسة او غيرها من الوجهات التي تعد اساسية لذلك تراهم يحاولون التوصل إلى حلول مختلفة علهم يظفرون بوسيلة نقل عمومية او خاصة توصلهم الى وجهتهم في الابان .

فالتنقل في العاصمة صار الى حد ما ضرورة تتطلب تضحيات هائلة حيث أن معاناة المواطن لاتقف عند عدم توفر وسائل النقل في اغلب الاوقات بل تتجاوزها الى مشاكل اخرى حتى مع وجود وسيلة نقل منها الاكتظاظ وتقادم الأسطول وهي أهم مشاكل قطاع النقل العمومي والنقل عموما فهذه المشاكل صارت ترهق المواطن والعاملين في القطاع على حد سواء، في غياب واضح لحلول ناجعة لتفادي الإشكال وتطوير القطاع.
و لمزيد تسليط الضوء على هذه المعاناة اليومية رصدت «الصحافة اليوم» آراء عدد من المواطنين الذين يستقلون النقل العمومي في جولة بالعاصمة .
تتضاعف معاناة المواطنين في وسائل النقل داخل تونس العاصمة والمناطق المحيطة بها، أو ما يعرف بِتونس الكبرى هذا الإقليم الذي يتألف من أربع ولايات هي تونس، ومنوبة، وبن عروس، وأريانة ويشكل أكبر تكتل في البلاد، حيث يضم 48 معتمدية ويزيد عدد سكانه عن 2.8 مليون نسمة.

اذ تقول علية الجماعي (معينة منزلية) حول معاناتها مع وسائل النقل أنها تتكبد يوميا الويلات للحاق بمقر عملها بالعوينة، حيث تتنقل على ثلاث مراحل من مقر سكناها ببوجعفر أريانة عبر حافلتين وميترو مشيرة الى أنها تغادر منزلها من الساعة الرابعة ونصف فجرا حتى تتمكن من اللحاق بالحافلة التي تنطلق على الساعة الخامسة، ولكنها في كثير من الاحيان لا تتمكن من الوصول في الوقت المحدد فتجبر على اعتماد النقل الجماعي الخاص الذي يكون سعره ارفع مقارنة بالحافلة .
من جهتها أكدت السيدة وسيلة العريبي (عاملة بمصنع ) ان معاناتها لاتقل عن غيرها من حرفاء النقل في العاصمة حيث تقضي اغلب اوقات يومها متنقلة او منتظرة وسائل النقل ودعت وزير النقل إلى توفير الحافلات العمومية «للزواولة» على حد تعبيرها وقالت وسيلة في حديثها لـ«الصحافة اليوم» انها لا تقدر على مجابهة غلاء تعريفة وسائل النقل الخاصة سواء كان الجماعي او التاكسي الخاص .وتحدثت بمرارة عن وضعها الاجتماعي فهي أم لأربعة أطفال كلهم يزاولون تعليمهم وزوجها من ذوي الاحتياجات الخصوصية ولا يمكنها أن تترك عملها لأنها العائل الوحيد. وتابعت محدثتنا أنها تذوق كل أنواع المعاناة في النقل العمومي من تأخير وغياب الحافلات إلى شدة الاكتظاظ مما يعرضها الى عديد المضايقات الى جانب الوقوف كامل فترة السفرات وهي التي تعاني الارهاق بسبب يوم عمل شاق داعية السلط المشرفة ومؤسسات الدولة إلى النظر بعين الرحمة للمواطنين الذين لا يملكون خيارا آخر للتنقل ويبقى النقل العمومي بكل مساوئه الوسيلة الوحيدة لهم في ظل ارتفاع كلفة وسائل النقل الخاصة وتدني المقدرة الشرائية للمواطن .

بالرغم من وجود وعي جماعي لدى المسؤولين في الدولة والفاعلين فيها بضرورة معالجة مشاكل النقل خاصة منه في العاصمة وهذا نلمسه من خلال مخططات واستراتيجيات لايجاد نقلة نوعية كاملة للنقل والتوجه نحو النقل الحديدي المتطور والنقل الذكي الا ان المواطن لا يمكنه الانتظار اكثر في هذه المعاناة اليومية و السلطات تدرك عجز أنظمة التنقل الحضري الحالية على العمل على النحو المنشود الذي يراعي حق المواطن وخاصة ذوو الامكانيات المحدودة ماديا في التنقل في ظروف حسنة تحفظ كرامتهم . وإلى حدود اليوم لم تفض أي من الخطط التي وضعتها الحكومات السابقة إلى نتيجة ناجعة وملموسة على أرض الواقع بالرغم من المحاولات المتعددة من جانب الدولة لوضع سياسات نقل طويلة الآجال وخطط لإعادة الهيكلية، ولكنها لم تتحقق سوى القليل على الأرض حتى الآن، وما تزال أنظمة النقل العام مستمرة في التدهور.

وهنا اعتبرت السيدة ذهبية بن ضياف مواطنة من طبلبة تتنقل يوميا من مقر سكناها إلى البحيرة عبر وسائل نقل عمومي مختلفة أن التنقل في العاصمة هو عبارة عن كابوس يومي للمواطن وعن تجربتها الخاصة فهي تقول انها تغادر منزلها أيضا على الساعة الخامسة فجرا للالتحاق بموعد الحافلة، ولكن في معظم الأحيان تضطر الى استعمال التاكسي الخاص والذي تتقاسم اجرته مع مواطنات اخريات خاصة اذا كانت الحافلة مكتظة جدا ولا يمكنها استيعاب اكثر عدد من المواطنين مشيرة الى ان الحافلة تسير في اغلب الاحيان والأبواب مفتوحة. وقالت ذهبية أنه في النقل العمومي «جهدك يا علاف» فمن ليس له القدرة على الدفع والركض لا يمكنه اللحاق بالحافلة. وهو نفس الشيء الذي أكدته منيرة الحاجي التي قالت لولا الحاجة وقلة ذات اليد لما استحملت هذه المعاناة اليومية التي تفقدنا كرامتنا مما يضاعف وضعنا ويجعلنا نشعر اننا من المنسيين في بلادنا. وتابعت منيرة بصوت تخنقه العبارات «الزوالي ليه ربي في ها البلاد» وقالت إن أبسط حقوق المواطن «لا نتمتع بها».
وقد أجمع المواطنون بأن النقل العمومي كارثي اضافة الى سوء المعاملة مع بعض الأعوان الذين لا يحسنون التعامل مع المواطن البسيط على حد تعبير البعض وكانه يتنقل بالمجان . وهنا أفاد المنجي النفاتي مواطن شاهدناه ينزل غاضبا من الحافلة رقم 28 على مستوى باب سعدون ليخبرنا بمعاناته اليومية وقال متشنجا يعاملوننا وكأننا عالة عليهم «نحن جزء من هذا الشعب وندفع ضرائب و نستقل وسائل النقل العمومي بتعريفة تضبطها الدولة وليس منة من أحد» مطالبا السلط المشرفة بتكوين بعض الأعوان على حسن التعامل مع المواطنين وخاصة كبار السن و النساء الذين يتعرضون يوميا لشتى أنواع المعاملة السيئة.

خطة وطنية للنهوض بالنقل العمومي!!

يتفق جميع المتدخلين في قطاع النقل على أن شركات النقل العمومي تعاني من مشاكل مالية ومعظمها إن لم نقل كلها غارقة في ديون بملايين الدينارات لا سيما بسبب ارتفاع تكاليف رواتب الموظفين مع موجة من التعيينات التي تلت الثورة الى جانب تراجع عائداتها المالية المتأتية من تذاكر النقل بسبب كثرة ظاهرة «الترسكية»وقلة الاعوان المراقبين وايضا نقص الوعي لدى المواطن وهذه المشاكل الهيكلية والإدارية والمالية العميقة التي يتسم بها نظام النقل العام كانت لها آثار وتداعيات دائمة على المواطنين الذين يذوقون الويلات يوميا في رحلة ذهابهم للعمل أو الدراسة وتكشف عن أزمة حقيقية ساهمت في ظهور عديد الظواهر الاجتماعية الأخرى بسبب الاكتظاظ على غرار السرقة والبراكاجات والعنف المسلط على الحرفاء وعلى أعوان النقل على حد سواء.

هذا ما أدى إلى امتداد الإشكالات من النقل العمومي العام إلى النقل العمومي الخاص مثل سيارات الأجرة الفردية أو الجماعية علاوة على ذلك، من الشائع أن تعمل سيارات الأجرة العادية كسيارات أجرة جماعية أو حتى المركبات الخاصة غير المسجلة لاستخدامها على هذا النحو خلال ساعات الذروة.
كل الأسباب السالف ذكرها بداية من اهتراء الأسطول مرورا بالاكتظاظ والتأخير وأعمال التخريب والعنف إضافة إلى البيع المشروط لسيارات التاكسي التي تنقل الحريف حسب الذوق وبُعد المسافة وتسمع دائما عبارة «ماكش في ثنيتي» تعمق معاناة سكان العاصمة وروادها من الولايات الأخرى المجاورة لقضاء شؤونهم فلا يجدون سوى ظروف قاسية في التنقل.
وبالرغم من وجود مجهودات للدولة التي لا يمكن أن ينكرها أحد إلا أنها ليست في حجم الأزمة وبحاجة لأكثر دعم أولا لمزيد تشخيص واقع النقل في تونس بالأرقام ووضع خطة وطنية قريبة المدى وأخرى بعيدة المدى من أجل حلحلة كل الإشكالات حلا جذريا بعيدا عن الحلول الترقيعية التي أثبتت عدم جدواها وفشلها سابقا.

ويبقي قطاع النقل من أبرز الميادين التي ما يزال يأمل التونسيون أن تتحقق فيه مطالبهم الثورية بالعدالة والحرية والكرامة ولأنه وبعد عقود من السياسات الحكومية ما تزال توجد مشاكل هيكلية وإدارية في قطاع النقل العمومي،أين مازالت الفئات الأكثر حرمانا تعيش أشد المعاناة.
ومثل عدم تكافؤ وسائل التنقل تحديا رئيسيا للعدالة الاجتماعية في تونس. ويبدو أن هناك وعيا متزايدا لدى المسؤولين الحكوميين بضرورة معالجة مسألة التنقل، ولا سيما إصلاح قطاع النقل العمومي في البلاد مع إدراكهم لعجز أنظمة التنقل الحضري الحالية على العمل على النحو المنشود في ظل غياب استراتيجية متماسكة للنقل والتنقل حتى الآن.
لا شك أن حل أزمة التنقل في تونس الكبرى اليوم والنقل العمومي بشكل عام أصبح أمرا ضروريا ويتطلب إجراءات ملموسة لأن الخطط المتتالية لقطاع النقل في تونس لم تسفر عن تغيير حقيقي يذكر ،وهذا يعني الجمع بين خطة عمل شاملة وطويلة الأجل ومكاسب سريعة تدعم الحرية والعدالة والكرامة في التنقل للمواطنين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

في انتظار القطع مع كل أشكال التشغيل الهش : المــــعــــانــــاة مــــســــتـــمـــرة ..!

يمثل ملف التشغيل تركة ثقيلة للحكومة الحالية ظلت عالقة منذ سنوات ولطالما  مثل نقطة ضغط «سيا…