2024-01-28

المكتب الجامعي يستمر في سياسة الهروب إلى الوراء : الـرحـيـل الـجماعي مطـلب ملحّ لا يـقـبل الـتردد والتأخير

رغم أن الجميع كان متأكدا من أن المدرب جلال القادري لم يعد على رأس المنتخب الوطني لكرة القدم، خاصة وأنه أكد رحيله منذ يوم الأربعاء الماضي وتحديدا بعد الخروج «المهين» من منافسات «الكان» موضحا أن رحيله يعتبرا أمرا بديهيا بما أنه لم يحقق الأهداف المرسومة وفق العقد المبرم بينه وبين الجامعة التونسية ببلوغ المربع الذهبي، إلا أن المكتب الجامعي ارتأى أن يدلي بدلوه في هذا الملف، ليصدر بلاغا مساء الجمعة أكد من خلاله إنهاء مهام جلال القادري وكافة معاونيه وكل أعضاء الإطار الفني والمعدين البدنيين، والسبب في ذلك «سوء المردود والخروج من الدور الأول وعدم تحقيق الأهداف التعاقدية المتفق عليها»..

وهذا القرار يبدو بمثابة ذر رماد على الأعين، بما أن مرحلة القادري ولّت وانتهت دون رجعة منذ يوم الأربعاء الماضي، والكل كان ينتظر قرارات أخرى أو تقديم تبريرات معقولة ومنطقية لتفسير أسباب هذا الفشل الذريع في المسابقة القارية.

لكن يبدو أن المكتب الجامعي اختار الحل الأسهل ليعلّق «شماعة الفشل» على الإطار الفني لوحده، والأجدى أنه كان يتعين على من أصدر هذا البلاغ أن يقدم تبريرات ومعطيات إضافية تسببت في حصول هذه النكسة التي لا يتحملها الإطار الفني لوحده، بل هي مسؤولية مشتركة من جميع الأطراف سواء كانوا لاعبين أو فنيين أو مكتب جامعي يعتبره الكل أنه يتحمل الجزء الأكبر من هذه المسؤولية في الفشل الذريع بما أن الإبقاء على القادري في منصبه وتعيينه في وقت سابق كان يفرض بالضرورة التقييم المستمر للنتائج وتوفير كل أسباب النجاح في مراحل مختلفة.

مسؤولية تاريخية

أما اليوم فإن واقع الحال يقتضي بأن يكون أعضاء المكتب الجامعي أكثر جرأة وشعورا بالمسؤولية، فما حصل في هذا «الكان» وفي أغلب الدورات الأخيرة، يعطي الدليل على أن كرة القدم التونسية لم تحقق أي نجاحات ملموسة، بل هي في تراجع مستمر والأدلة على ذلك كثيرة ومتعددة، فرغم أن المنتخب التونسي تأهل في مناسبتين إلى كأس العالم  إلا أنه لم يحصد سوى الفشل، ورغم أنه شارك أيضا في عدد كبير للغاية من دورات كأس إفريقيا إلا أنه لم يفلح في إسعاد الجماهير التونسية، أما نتائج الأندية التونسية فإنها عرفت تقهقرا وتراجعا غير مسبوق بشكل مستمر على امتداد السنوات الأخيرة، ولولا بعض النجاحات التي تحققت من قبل الترجي الرياضي في مناسبتين والنجم الساحلي في مناسبة لكنا خارج المدار الإفريقي وبعيدا عن دائرة المنافسة طيلة أكثر من عشرة سنوات لم نلمس خلالها أي تحسن أو تطور واضح على مستوى التكوين أو المنشآت الرياضية.

بل إن مستوى البطولة التونسية تراجع منذ ما يزيد عن عشرة أعوام بشكل واضح وجلي للغاية، وغلبت على المنافسات أجواء مشحونة ومتشنجة ومعارك «طاحنة» بين المكتب الجامعي وبعض الأندية.

هذه البطولة المحلية لم تكن مؤهلة لإنجاب جيل جديد من اللاعبين المتميزين وبالكاد يبرز عنصر أو اثنين، وكان من الطبيعي وفق هذا الواقع المرير والمتردي والمشاكل المتراكمة أن يستمر التراجع الرهيب للكرة التونسية وهو ما انعكس سلبا على نتائج المنتخب التونسي.

مجرد مسكنات

ربما «يتبجح» المكتب الجامعي بتحقيق بعض المكاسب المالية والرياضية خلال السنوات الأخيرة، والحديث هنا يتعلق بالتأكيد على أن الجامعة حققت أرباحا طائلة بسبب مشاركة المنتخب الوطني في دورتي كأس العالم الأخيرتين، كما وقع أيضا الحديث على أن النتائج المسجلة سواء في المونديال الأخير أو في كأس إفريقيا سنة 2019 عندما بلغ «نسور قرطاج» الدور نصف النهائي من المسابقة، لكن كل ما وقع سرده لا يعدو أن يكون مجرد مسكنات لا غير، في هذا السياق يمكن القول إنه كان يتعين البحث عن مدرب كفء ومؤهل بشكل كبير للغاية لفتح طريق التألق والتطور أمام المنتخب الوطني، وليس تثبيت مدرب جعلته «الصدفة» على رأس المنتخب الوطني بمجرد فوز مفاجئ على المنتخب النيجيري في «كان» 2021، كان حرّي على القائمين على شؤون الكرة التونسية التعاقد مع مدرب قدير حتى لو كلّف ذلك دفع مبالغ مالية كبيرة، وهو أمر لا يخلّ بميزانية الجامعة التي طالما تغنّت بتحقيق مكاسب مالية كبيرة.

لقد كان أيضا من الأولى الالتفات بشكل جدي وحازم لمناقشة المشاكل المالية والإدارية الخانقة التي كبّلت أغلب الأندية وجعلتها رهينة عقوبات مستمرة تفرضها عليها الفيفا، لكن التعويل على المسكنات التي لا تقضي على أصل الداء جعل الكرة التونسية فاشلة وغير قادرة على النهو ض والتقدم إلى الأمام.

وفي ظل اعتماد سياسة «الهروب» إلى الأمام فإن أغلب المنتخبات الإفريقية تقدمت وتطورت وبات المنتخب التونسي صيدا سهلا لها، ففي دورة 2019 التي بلغنا خلالها الدور نصف النهائي، بلغ المنتخب الوطني الدور ثمن النهائي بشق الأنفس بعد أن أنهى الدور الأول بثلاثة تعادلات، وفي دورة 2021 انهزم منتخبنا في مباراتين لكنه أسعف بالحصول على مركز ثالث مؤهل للدور الموالي بعد فوز وحيد، وفي المقابل تثبت كل الأرقام والمعطيات أن منتخبنا الوطني اكتفى بهذا الفوز اليتيم في تسع مباريات كاملة خاضها خلال الدور الأول في الدورات الثلاث الأخيرة من «الكان»، لكن الأقسى من ذلك أنه تعادل وخسر ضد منتخبات مغمورة على غرار أنغولا وموريتانيا وغامبيا وناميبيا، فهل يتحمل القادري لوحده مسؤولية هذه النتائج الهزيلة؟؟.

التغيير اليوم وليس غدا

اليوم وبعد تقييم موضوعي وعقلاني، لم يعد بالإمكان استمرار العمل بنفس الطريقة والنهج غير الواضح، فدرجة التوتر بلغت أقصى  مراحلها، والسقوط المستمر أوصلنا إلى القاع، وحان الوقت لضجّ جرعة «أوكسيجين»، لكن هذا الأمر لن يتحقق إلا عبر تجديد «أوصال» المكتب الجامعي والاستئناس بكفاءات ومسؤولين جدد، لقد حان وقت التغيير الذي لا يجب أن يتعطل أكثر، حانت لحظة الاعتراف بالفشل وهذا الاعتراف لا يمكن إلا أن يكون عبر الاستقالة الجماعية لكل أعضاء هذا المكتب الجامعي والإعلان عن موعد ثابت لعقد جلسة انتخابية في الإبان.. الإصلاح والتغيير أمران ثابتان واتخاذ القرار المناسب رغم أنه قد يكون متأخرا أفضل بكثير من المكوث في الخلف ثم الإمعان في الاستمرار في سياسة «الهروب» إلى أبعد نقطة في الوراء المظلم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

غدا مواجهة شبيبة العمران : خلفة أبرز الغائبين.. وعودة مرتــــــقبة للـعيادي

تكتسي المباراة المنتظرة يوم غد ضد شبيبة العمران أهمية كبيرة بالنسبة إلى الملعب التونسي الذ…