خروج صادم أم نتيجة منطقية؟ : جيل ضعيف ومدرب دون فكر هجومي
ودّع المنتخب الوطني نهائيات كأس إفريقيا في الكوت ديفوار سريعا بعد ثلاث مباريات فقط، حيث قارب عدد المقابلات التي شارك فيها في هذه النسخة عدد المقابلات الودية التي خاضها تحسباً للمشاركة رقم 21 في سجله، التي انتهت على وقع مردود كارثي وأداء مُخيّب للآمال، ولكن هل كان الأمر مفاجئا؟
من الغباء توقع أكثر من هذه النتيجة وحتى لو تأهل المنتخب الوطني إلى الدور الثاني فإنه كان سيُغادر البطولة في ثمن النهائي لأن المنتخب الوطني هو أضعف المنتخبات في النسخة 34 من البطولة وهو الأسوأ فنياً قياسا بكل المشاركين، فبين كأس إفريقيا وكأس آسيا، كان المنتخب التونسي الأضعف فنيا بسبب الفكر الدفاعي المسيطر عليه، لأن المنتخب يلعب من أجل عدم قبول الأهداف.
ولكن منذ فترة شهدت النتائج تراجعا رهيبا والانتصارات التي تحققت لا تعكس حقيقة الوضع لأن المنتخب انتصر على منتخبات أضعف من التي شاركت في كأس إفريقيا بصعوبة كبيرة ولهذا يجب انتظار الأسوأ قريبا لأن المنتخب لا يمكنه أن يذهب بعيدا بمثل هذه التحضيرات والوضع العام المحيط به الذي يكشف عن حجم النقائص.
ورغم هذا فإن مغادرة البطولة رفقة 7 منتخبات أخرى يعتبر أمرا كارثياً ولكن هذه كرة القدم، فمنتخب الجزائر ودّع البطولة مع المنتخب الوطني بنفس عدد النقاط وأمام منتخبات أقل قوة، وهذا لا يعني أنهم لا يملكون لاعبين من أعلى طراز غير أن «الطبخة» كانت منقوصة وبالتالي حصلت النتائج الكارثية، وطبعا فإن خروج الجزائر منذ الدور الأول لا يعني قبول الأمر الواقع واعتبار خروج تونس أمرا عادياً، ولكن قياسا بقدرات الجزائر فإن وضع المنتخب الوطني كان أفضل.
جيل ضعيف
هذا الجيل هو الأضعف بلا شك من الناحية الفنية والذهنية، وخاصة من حيث ضعف الشخصية باعتبار عدم قدرة المنتخب على التعامل مع الوضعيات الصعبة التي يمكن أن يمرّ بها أي منتخب في العالم، حيث اتضح منذ البداية أن المنتخب ليس في أفضل حالاته وذلك منذ التحضيرات التي كانت سيئة، ولكنه جيل يفتقد إلى قلب هجوم ويفتقد إلى الشخصية ولاعب واحد فقط كان مستواه مقنعا وهو علي العابدي وبقية العناصر فشلت بشكل كبير للغاية ولا أحد منها كان قادراً على إقناع الجميع بحقيقة مستواه وأحقيته بالمشاركة في البطولة.
وعندما يلتقي جيل ضعيف بمدرب بفكر دفاعي تكون الحصيلة مشاركة كارثية، لأن المنتخب الوطني سبق له أن ودّع بطولات سابقة منذ الدور الأول ولكن منذ اعتماد النظام الجديد بتأهل 16 منتخبا إلى الدور الثاني لم يحصل هذا الأمر وهو ما يثبت حجم الكارثة في هذه المشاركة.
والأرقام تؤكد كل المعطيات السابقة، فالمنتخب التونسي سجل هدفا وحيدا في البطولة بفضل لاعب لم يكن مرشحاً للمشاركة في البطولة وبعد تمريرة من لاعب خسر مكانه الأساسي بين يوم وآخر دون سبب مقنع.
فالقادري فقد البوصلة في الفترة الماضية وكان ضعيفا في اختياراته ومرتبكا وما حصل مع سيف الدين الجزيري دليل قاطع على أن المدرب الوطني لم يكن واثقا من اختياراته وكان مرتكبا في إعداد القائمة وارتبك في اختيار التشكيلة وارتبك في إعداد المباريات ولم يكن محاطاً بمسؤولين في قيمة البطولة والحدث.
انتصار في آخر 9 مباريات
الخروج المدوي أمر منطقي قياسا بنتائج المشاركات التونسية الماضية والأرقام تؤكد ذلك، فالمنتخب التونسي خلال آخر 3 دورات انتصر في لقاء وحيد في الدور الأول كان على حساب موريتانيا وخسر 3 مقابلات وتعادل في 5 مقابلات وهي أرقام منتخب من الصف الثالث أو الرابع، ففي دورة 2019 تعادل في ثلاث مباريات في الدور الأول كانت أمام أنغولا ومالي وموريتانيا، وفي دورة 2022 خسر أمام مالي وغامبيا وانتصر على موريتانيا وفي دورة 2024 خسر أمام ناميبيا وتعادل مع مالي وجنوب إفريقيا، وهذا يعني أننا لم نفز على مالي في 3 دورات.
كما أن المنتخب الوطني لم يكن متقدماً في النتيجة خلال هذه النسخة في أي دقيقة ولم يبادر بالتالي بالتهديف وهي معطيات تثبت أن العودة سريعاً إلى تونس هي مسألة منطقية قياسا بمردود المنتخب، وكذلك قيمة الأسماء التي اختارها المدرب جلال القادري للمشاركة في النسخة 34، وهذه الأرقام تؤكد أن التراجع لا يهم هذه النسخة فقط والطريقة التي تأهل بها المنتخب الوطني إلى كأس العالم تؤكد أننا في وضع كارثي في غياب قلب هجوم قادر على حل المشاكل، وهي نقطة الضعف الأساسية في المنتخب الوطني الذي لا يملك لاعباً قادراً على صنع الفارق واستغلال الكرات التي يمكن أن تقلب النتائج في أي وقت.
والأزمة الهجومية ترافق المنتخبات الوطنية في السنوات الماضية، ولكن في هذه البطولة فإن الفكر الدفاعي الذي يسيطر على القادري هو الذي عمّق أزمة المنتخب الوطني في البطولة وما قاله نعيم السليتي يكشف جانبا من هذا الأمر عندما أشار إلى أن المنتخب الوطني سيطر عليه الفكر الدفاعي لمدربه ولم يكن قادرا على رفع مستواه وبالتالي فإن وجود مدرب له تطلعات لفرض أسلوب اللعب واعتماد الطريقة الهجومية قد يغير الواقع.
سيناريو متكرر
خلال كأس العالم ودّع المنتخب الوطني البطولة منذ الدور الأول بسبب هزيمة أمام أضعف منتخب في البطولة وهو أستراليا، مقابل انتصار على فرنسا وتعادل مع الدنمارك، وخلال كأس إفريقيا خسر أمام ناميبيا أضعف منتخبات البطولة، وبالتالي تكرّر السيناريو مرّتين وهذا يعكس الفكر الدفاعي الذي أصبح القادري سجينا له، فالمنتخب يلعب جيدا عندما يواجه منتخبات أقوى منه تترك له المساحات وعندما يتعلق الأمر بصنع اللعب لا يجد الحلول ويخسر المباريات وهذا ما حصل في هذه المشاركة، فالمنتخب الوطني ودّع البطولة من الباب الخلفي أو لنقل من الشباك الخلفي، دون أن يترك حسرة لدى الجماهير لأنه لم يكن يستحق مصيراً أفضل، والإشكال أن الأفق يبدو مظلما ومُحبطاً في الان نفسه.
بعد الخسارة الأخيرة : سانتوس يبحــــــــث عن حلـــول مختلفة
كانت اختيارات المدرب البرتغالي ألكسندر سانتوس مفاجئة نسبيا خلال المقابلة…