أكدنا في سياقات مختلفة على ان «الأمية» هي الخطر الحقيقي الذي يترصد البلاد التونسية وقد تكون سببا من أسباب فشلها وعدم قدرتها على الخروج سريعا من أزمتها المعقدة التي تعيشها منذ عقد ونيف أزمة سياسية واقتصادية واجتماعية وأخلاقية أيضا…
وهي خطر داهم ومخيف بما أنها المنتج أو المصدر المنتج لكل الظواهر التي يعاني منها المجتمع التونسي بداية من الجريمة العشوائية وقد تفشت وأصبحت تمرينا يوميا في شوارع البلاد التونسية واتخذت لها أشكالا وأساليب لا عهد لنا بها… اضافة الى انحرافات ومظاهر ثقيلة ومربكة للمجتمع والدولة على غرار المخدرات بأنواعها ترويجا واستهلاكا وقد تسربّت الى المدارس والمعاهد التونسية زائد «البراكاجات» في الليل التونسي وقد أصبح «ليلا صعبا» ومخيفا للمواطنين السلميين اضافة الى مظاهر مجتمعية هي ـ في الواقع ـ نتاج «تصلّب العقل البهيم» (يقابله العقل البهي) على غرار ما يسميه علماء الاجتماع «بالطلاق العشوائي» والعنف الاسري وهي كلها نتاج طبيعي لحالة الامية التي ضربت المجتمع التونسي وتحولت الى تشوّه عميق على جسده المريض حيث يبلغ عدد الأميين في تونس 2 مليون أمي من بينهم مليون أمّي تمّ تسجيلهم خلال العقد الأخير ما بعد الثورة بنسبة قدرت بـ٪17،9 وهذا رقم مفزع يمكن اعتباره انتكاسة كبرى وضربة موجعة في «مقتل الجسد التونسي» لذا اعتبرنا «الامية» الخطر الأكبر الذي يترصد البلاد بما أنها «المصدر المنتج» لكل مظاهر الانحراف المجتمعي ومن بين أسبابها «السقوط الكبير» الذي عرفته المنظومة التربوية خلال العشرية الأخيرة التي شهدت انتكاسة هيكلية عميقة نتجت عنها موجة تسرّب واسعة للتلاميذ منذ المرحلة الابتدائية وقد شهد التعليم خلال السنوات ما بعد الثورة مناخات طاردة دفعت الى بروز ظاهرة الانقطاع المبكّر بل «الهروب المبكّر» من المدرسة في اتجاه مصائر مختلفة… وهذه واحدة من «بركات الثورة التونسية» التي أنتجت خلال عقد واحد مليون أمّي انضافوا للمليون السابق… وهؤلاء هم الخطر الذي يمكن أن يهدم الجبال وأن يأكل الأخضر واليابس ما لم يتم الاستثمار في ما لديهم من «طاقات بديلة» خاصة وأنّ أغلبهم من الشباب المؤهّل لتلقي أشكال أخرى من التعلم اليدوي الصناعي أو الفلاحي حتى لا يتحوّلوا الى ثقل مربك للمجتمع والدولة المطالبة بأن لا تتركهم وأن لا تغفل عنهم.. فالفراغ مع الأمّية يمكن أن يصنع «كيمياء شديدة الانفجار»..

هذا الحشد الكبير من الأميين (2 مليون تونسي دون احتساب أميّة أصحاب الشهائد العليا) يمكن أيضا توجيهه واستثماره في «المهام القذرة» (ليسوا كلهم بطبيعة الحال) أو استغلاله «كحاضنة» لزرع الفتنة بين الناس ولارباك المجتمع باعتبارها حاضنة سريعة الاشتعال وسريعة الهيجان مهيّأة ذهنيا لتصديق كل شيء وكل ما تسمعه وكل ما يصل اليها عبر إعلام القيل والقال حتى وان كان الذي يصل اليها عبثيا وفضائحيا ومهزليا وغير منطقي ولا يمكن لعاقل ان يصدقه.. ولنضرب مثلا على ذلك..
أحد المحامين التونسيين كان من بين عتاة الاخوان في تونس يتجول بين المنابر الاذاعية ويروج لمهزلة بل مسخرة لا يمكن لأبله ان يصدقها ومع ذلك وجد آذانا صاغية ووجد متحاورين معه والأخطر من كل ذلك انه وجد حاضنة شاسعة صدقته وتولّت بدورها ترويج المسخرة اي المليوني أمي المتوزعين على «الأراضي الفايسبوكية»..

يقول المحامي الاخواني في تصريحاته الاذاعية الأخيرة بأن مواطنة تقدمت للقضاء وأفادت بوجود مؤامرة على أمن الدولة تتمثل في دخول رئيس وزراء الاحتلال الصهيوني تتانياهو مؤخرا الى تونس على متن غواصة جاءت من دولة الاحتلال بطبيعة الحال وأرست بميناء رادس بالضاحية الشمالية لتونس العاصمة ثم انتقلت الى ميناء بنزرت وقد عقد نتنياهو لقاءات مع شخصيات سياسية من المعارضة ـ على متن الغواصة بطبيعة الحال ـ من بينهم رئيس جبهة الخلاص الوطني أحمد نجيب الشابي والقيادي بحركة النهضة نور الدين البحيري وشخصية نسائية رفض ان يسميها وأكد هذا المحامي بانه تم الاستماع الى المواطنة والشخصية النسائية المهمة التي رفض ان يسميها والابحاث متواصلة على مستوى الفرقة الامنية المتعهدة بالبحث حسب تعبيره.. وبطبيعة الحال وكما جاء في الرواية والتي اصبحت روايات فإن الغواصة كانت تحمل الاسلحة ورجالا اشداء.
طيب لنعتبر انفسنا من بين الاغبياء المنتمين لـ2 مليون أمي ونسأل: حتى نفهم..
«نتنياهو» يدخل الى تونس قادما من «اسرائيل» على متن غواصة اخترقت البحار ووصلت الى ميناء رادس وهو على بعد امتار من القصر الرئاسي دون أن تتفطن لهذا «الاختراق البحري» جحافل الفرق الأمنية البحرية على سواحل تونس من أقصاها إلى أدناها وبكل أجهزتها الرقابية ولا الجيش البحري تفطن إلى «نتنياهو» وهو يتسرب تحت الماء.. ولا الجيوش البحرية الصديقة المجاورة ولا الاستعلامات ولا الاستخبارات… ما عدا هذه المواطنة التي تقدمت «بوشايتها» إلى السلطات الأمنية بعدما غادر نتنياهو البحار التونسية..؟؟
طيّب… نحن صدقنا المسخرة… وهذا يعني ـ وبالضرورة ـ أن كل الأجهزة العسكرية والأمنية البحرية والبرية والجوية متواطئة مع نتنياهو حتى يدخل ويخرج «كسمكة قرش أبيض شفاف كملح البحر»…

طبعا يعوّل المحامي الاخواني الذي روّج لهذه المسخرة وقدمها على أنها قضية تآمر جديدة على أمن الدولة على «المليونين» من أميّي تونس لتحويل هذه المسخرة إلى رواية ثم إلى روايات متعددة تتناقلها الألسن وعلى كل لسان زيادة وتهويل في الوقائع وبذلك تكون حديث الناس وحديث الاعلام الذي أخذ الواقعة مأخذ جدّ وروّج لها وأعاد انتاجها على أنها حقيقة وعلى أنها مهزلة من مهازل القضاء التونسي الذي يمارس «عدالته» بالسماع وبالانصات الى وشايات لا يمكن لعاقل أن يصدقها وبأن هذا القضاء بلا مصداقية بما أنه يعتقل الناس والمناضلين ويفتح الأبحاث الأمنية على أساس وشايات لا يصدقها غير الأبله..
المحامي الإخواني قدم الرواية على أنها قضية جديدة في التآمر على أمن الدولة ثم قال معلقا على أحداثها بأن الأمر بعيد عن المنطق.. هنا ترذيل للدولة ولمؤسساتها الأمنية والقضائية وهو هنا كذاك الذي «ينهى عن المنكر ويأتيه»..
أمّية فاحشة.. زائد نتنياهو في بطن الغوّاصة.. زائد «كيسنجر» الداعم الرسمي للمعارضة التونسية قبل وبعد وفاته.. زائد شخصية الإخواني المعتدل.. زائد إعلام القيل والقال.. كلها عناوين تصلح لكتابة سلسلة رمضانية هزلية فاشلة..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

مسرحية «التابعة» لتوفيق الجبالي في «التياترو» : روايـــة المنعطــف الأخــيـر.. أو «المسخ المعمـّم»!

«روح الفيلسوف في عقله… وروح الشاعر في قلبه… وروح الفنان في صوته… وروح ال…