تونس بوابة «إفريقية»… ذلك الموقع الاستراتيجي الذي ربط ضفتي المتوسط وأسهم في نشاط تجاري واقتصادي مطّرد بين القارتين الأوروبية والإفريقية… خلقت لنفسها إشعاعا على أكثر من مستوى جعل منها رقعة يرنو الجميع إلى ربط علاقات تعاون وشراكة معها وبعد أن أضاعت نوعا من بريقها وإشعاعها في سنوات مابعد الثورة كما أنها أخفقت في الإمساك بخيوط ملفات إقليمية لها فيها كلمة الفصل على مستوى الجوار والأمن الاستراتيجي لتونس على غرار الملف الليبي تعود تونس مجددا لواجهة الحراك الديبلوماسي على مستوى إقليمي ودولي.
اليوم وخلافا لتلك الحقبة من الضبابية والتململ في كسب رهان الحراك الديبلوماسي وربط مواقف تونس بمواقف محاور إقليمية يرى بعض المتابعين أن تونس تحررت من هذه «التبعية» واختارت نحت مواقفها بعيدا عن مواقف بعض الأطراف الفاعلة الإقليمية مستندة على المحافظة مصالح تونس الفضلى مع جيرانها وحلفائها الاستراتيجيين التقليديين وغيرهم.

حيث لا يختلف إثنان اليوم أن تونس التي لطالما ارتبطت بعلاقات استراتيجية خاصة مع دول القارة الأوروبية تعمل على تنويع شراكاتها وتعاونها الاستراتيجي مع أقطاب عالمية جديدة من باب الإضافات وتوسيع قاعدة الشراكة وليس من باب التعويض والإلغاء فتونس لا تروم إلغاء شراكاتها التقليدية بقدر بحثها عن شراكات وقنوات تعاون جديدة ومثمرة تعيد لها إشعاعها الدولي والإقليمي والذي خبا في السنوات الأخيرة كما أكد ذلك وزير الخارجية الأسبق أحمد ونيس..
وقد تعمّق انفتاح تونس منذ فترة على المعسكر الشرقي بزيارات كبار مسؤولي دول مثل الصين وروسيا وكوريا الجنوبية…وكلها قنوات لمستقبل شراكات واعدة مع هذه الاقتصاديات الكبرى.
ومن جهة أخرى استعادت تونس موقعها في مسار حل الملف الليبي الذي تبحث عديد الأطراف عن موطئ قدم لها في ليبيا بحثا عن تموقع يعزز نفوذها فيها وفي منطقة شمال إفريقيا ولا يفوتنا أن ننوّه بالدور الذي لعبته تونس في السنوات الأولى للصراع داخل الجارة ليبيا وما نجم عن هذا الصراع من تدفق غير مسبوق للنازحين والمهاجرين والفارين من أهوال الحرب، ولمزيد توضيح الرؤية بخصوص الأوضاع داخل ليبيا وبلوغ حالة استقرار دائمة و استكمال المسار السياسي بتنظيم انتخابات تحظى بقبول جميع الأطراف تشارك تونس يوم 5 فيفري المقبل في قمة لبحث القضية الليبية في الكونغو برازافيل وذلك تمهيدا لمؤتمر المصالحة الوطنية الذي ستحتضنه مدينة سرت شهر أفريل المقبل.

وستشارك تونس في هذه القمة إلى جانب دول الجوار الليبي ومن المنتظر أن تتوجه بتوصيات حول آفاق المصالحة والتوصل إلى حل ليبي ليبي لهذه الأزمة.
وأوضح وزير الخارجية الكونغولي في تصريح له عقب لقائه بقصر قرطاج مع رئيس الجمهورية قيس سعيد الأسبوع الفارط أن وجوده في تونس يأتي استجابة لضرورة التشاور حول القضايا الساخنة التي تهم القارة الأفريقية وخاصة الوضع في ليبيا مشددا على أن تونس اضطلعت بدور كبير في هذا الصدد من خلال استقبال اللاجئين الليبيين والمسؤولين الدوليين منهم المبعوث الأممي عبدالله باتيلي ودبلوماسيون آخرون.
كما لم تهادن تونس في موقفها حول الأحداث الأخيرة في قطاع غزة وفي فلسطين المحتلة حيث صدحت بموقف واضح وصريح يدعم القضية الفلسطينية ويدعم الحق الفلسطيني في استرجاع أرضه وينادي بوقف العدوان الغاشم الذي يتعرض له الفلسطينيون في قطاع غزة وكل المدن الفلسطينية المحتلة.
يتضح أنه بعد سنوات من الضبابية والارتجال في الواجهة الديبلوماسية أخذت تونس تخط طريق العودة إلى واجهة التحرك الديبلوماسي والاقتصادي حول عديد الملفات واسترجاع صوتها المؤثر في مجريات الأحداث الإقليمية والدولية كما كان إبان سنوات الاستقلال مع الحفاظ على العلاقات المتميزة مع جميع الأطراف والقوى الكبرى بكل ندية وتشاركية مثمرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

النائب عزالدين التايب لـ»الصحافة اليوم»: زيارة رئيس البرلمان الجزائري لتونس سيكون لها بعد اقتصادي هام

يؤدي رئيس المجلس الشعبي الوطني الجزائري إبراهيم بوغالي زيارة رسمية إلى تونس على رأس وفد بر…