فيلم «وراء الجبل» لمحمد بن عطية : لعلّ شيئا ما فيما وراء الجبال بانتظاركم!
قدم محمد بن عطية فيلمه الثالث “وراء الجبل” بمدينة الثقافة في عرض خاص بالصحفيين صبيحة الخميس 11 جانفي 2024، بمناسبة بداية العروض التجارية.
ما الذي يبقى من مشاهدة الفيلم؟
تبقى المشاهد الطبيعية الرائعة الخلاّبة من غابات و جبال وهضاب وما يلفّها من سحر ومن جلال ( طبيعة عين دراهم). تبقى صور مفكّكة عن رجل استطاع أن يحققّ رغبته بالطيران وأن “يظهر اكتشافه المدهش” لابنه ولنفر قليل، قبل أن تنتهي حياته بالموت.
على عادته في فيلميه الطويلين ( “ نحبك هادي” 2016، و”ولدي” 2018) في تقديم قصّة في حدودها الدنيا، دون امتلاء بتفاصيل وإشارات تعمّق ما يرغب في قوله وتهب الفكرة التي يعمل عليها القوة والكثافة اللازمتين، يواصل محمد بن عطية في فيلمه الطويل الثالث في نفس هذا المنحى المبتسر.
نرى في البداية رجلا غاضبا، “رفيق “ (مجدي مستورة) يقفز فوق الطاولات في قاعة فسيحة ويكسر بعصا غليظة ما يوجد على المكاتب من أجهزة ومن أثاث. ثمّ نراه في السجن، يتسلّق الجدار ويقفز من النافذة، لتطلّ عليه الكاميرا من فوق مكوّما على الأرض عقب سقوطه.
بعد أربع سنوات يخرج من السجن، يختطف ابنه “ياسين “ (وليد بوشيوة ) في سيّارته ويخرج به إلى الخلاء. لا نعرف شيئا عنه وعن قصّة حياته باستثناء لقطات تذكّر سريعة من الجدال والخصام مع زوجته. يبدو متكتّما وغير راض عن حياته ولاشيء يشغله سوى إرادة الطيران.
يلتقي راعيا ( سامي بشارات ) في الخلاء، يستضيفه وابنه ياسين في ضريح قديم، لقضاء الليل. لا يبدو الأب مهوسا سوى برغبة واحدة: اثبات قدرته على الطيران لابنه.
عرف الابن ياسين أنّ أباه قادر على ذلك. كما شاهد الراعي، هذه “المعجزة “ تتجسّد أمامه، لذلك سيتخلى عن قطيعه ويتبعه صامتا مسحورا.
كامل الفيلم يدور حول هذه الاستحالة المتحققّة. لقضاء الليل في الدفء، يضطر هذا الأب الطائر مع ولده وتابعه الصامت المسحور به إلى طرق باب منزل في عزلة الغابة لزوجين من الطبقة الوسطى:” وجدي “ ( حلمي الدريدي) و”نجوى” ( سلمى الزغيدي) ، هما صورة عن حياة عائلية ممكنة تخلّى عنها، طوعا أو كرها، لا ندري ولا يقدّم الفيلم تفاصيل عن شعوره بالضيق وعدم الرضى المرتسم على ملامحه.
ما هو السيء في هذه الحياة التي تخلّى عنها؟ نعثر هنا على تفصيل، فالزوج وجدي قرّر الانتقال من المدينة إلى مكان معزول وسط غابة بحثا عن الهدوء من أجل زوجته نجوى المريضة مرضا نفسيا. ولده الأكبرأسامة ( وسام بلغراق) يبدو نجيبا وعارفا بقانون الجاذبية الذي يمسك بالبشر في الأرض ولا يسمح لهم بالطيران.
ربّما نحن هنا أمام وجهتي نظر: واقعيّة تمسك بالواقع، وأخرى شعرية تتطلّع إلى التعالي والسموّ.
ينجح الزوجان في تقييد الغريب وتابعه الراعي بعد أن وضعت الزوجة مخدّرا في شرابهما (من الأدوية التي تستعملها). وتنتهي أحداث الفيلم بنجاح الرجل القادر على الطيران في الافلات من القيود، وفي معاودة الطيران، وستنضاف الزوجة نجوى إلى شهود المعجزة، كأنّما هي دعوة لها للخلاص ممّا يجعلها مريضة.
لا ندري في أي سجلّ Registreينضوي الفيلم؟ السجلّ الواقعي بقيوده ومعضلاته ومفارقاته واشكالياته كأن يكون موضوعه مثلا استحالة العيش وتعثّره في تونس ما بعد الثورة! السجلّ النفسي والحفر في الظلال العميقة للشخصيات وجراحاتها! السجلّ الشعري كبديل ومرآة عن نثر الحياة!
من الواضح أنّ الأفق الجمالي للفيلم هو «الخارق» و«العجائبي» الذي يتحقّق. وتبدو فكرته بسيطة؛ بقدرتكم أن تجرّبوا الطيران، ولعلّ شيئا ما فيما وراء الجبال بانتظاركم!
ولأنكم تستطيعون الطيران، فإن الكلفة ستكون باهظة: الموت.
ولكن أيّ موت هذا؟ موت صورة لفرد مريض بالعنف المُضمر في مجتمع مريض؟ موت أفكار وتصوّرات ؟
لا ندري. يتركنا الفيلم على ظمإ. و كان يمكن بإشارات وايحاءات مختزلة، على غرار ما يتقنه مثلا عباس كياروستامي معلّم فنّ الاختصار والقصص الدنيا البسيطة في أفلامه، أن يقودنا إلى درب ما لعلّنا نعرف في أيّ أفق نحن، وأيّة جبال علينا أن نقطعها حتى نطلّ على ما وراءها.
ربّما أراد الفيلم أن يقول لنا أننا قد نحار حين ننجز “الخارق” ولا ندري ماذا نفعل بحلم كبير تحقّق، كأن يكون الثورة مثلا!
ربّما، وربّما نحن أمام “رغبة في انجاز فلم” كان يمكن أن يكتمل ويذهب بعيدا في أفق واضح بحبكة أمتن.
الدورة السابعة من تظاهرة “جو تونس” : تلتئم من 9 أكتوبر الى 9 نوفمبر
عقدت مؤسسة كمال الأزعر مؤخرا ندوة صحفية بأحد نزل المدينة العتيقة للإعلان عن فعاليات الدو…