2024-01-13

لم تتمكن من تجاوز صعوباتها المالية : ديون المؤسسات العمومية ترتفع بنسبة 17 % في ستة أشهر

سجلت ديون الشركات العمومية ارتفاعا وفق ما جاء في تقرير نشرته وزارة المالية حول الدين العام. ودائما وفقد ذات المصدر، احتلت شركة نقل تونس صدارة ترتيب قائمة الشركات العمومية الأكثر مديونية بنحو 308.5 مليون دينار، فيما بلغت ديون شركة الخطوط التونسية حوالي 60.8 مليون دينار وديون الشركة التونسية لصناعة الفولاذ قرابة 59.5 مليون دينار اما ديون الشركة التونسية للكهرباء والغاز فقد بلغت 47.9 مليون دينار.
ولئن أقر هذا التقرير بان أسباب هذه الزيادة تعود إلى الصعوبات المالية التي تواجهها الكثير من الشركات العمومية جراء تذبذب الوضع الاقتصادي الوطني والعالمي على حد سواء والمتمثل بالأساس في ارتفاع التضخم وارتفاع اسعار العديد من المنتجات المستوردة من الأسواق العالمية وخاصة أسعار الوقود والطاقة التي ساهمت بشكل مباشر في ارتفاع تكاليف الإنتاج، الا ان المتابع الشأن الاقتصادي يدرك أن أسباب هذا الارتفاع تعود أيضا إلى سياسة الحكومات السابقة في إدارة أزمة هذه الديون وحلحلتها.
في حقيقة الأمر، لا يختلف إثنين في تشخيص أزمة هذه المؤسسات التي بدأت قبل الثورة وتعمقت أكثر بعدها وتراجت بذلك مردوديتها الاقتصادية وعوض أن تكون شركات رابحة توفر لخزينة الدولة موارد مالية، أصبحت هذه الأخيرة عبئا على خزينة الدولة ومن واجب الدولة استخلاص ديونها وضمان ديمومتها.

طيلة السنوات الأخيرة، لطالما مثل وضع هذه المؤسسات موضوع نقاش سواء في المنابر الإعلامية أو الاجتماعات السياسية وعيا من كل الأطراف بأهمية هذا القطاع والاتفاق على أن ازمة المؤسسات العمومية التونسية تعود أيضا إلى تشابك ملفات الفساد وان معالجة ازمة هذه المؤسسات أصبح أمرا يفرض نفسه. الأمر الذي اقره البنك الافريقي في دراسة له بعنوان «الافاق الاقتصادية الافريقية لسنة 2023» وأوضح فيه أن ديون هذه المؤسسات تجاه الدولة بلغت 2021 9,6 مليار دينار تونسي وتحدث عنه مرارا صندوق النقد الدولي مطالبا باتخاذ إصلاحات جذرية لوضع هذه المؤسسات ولمَ لا خوصصتها لتكون أكثر مردودية اقتصادية.

إن المتمعن في أرقام ديون في حجم ديون هذه المؤسسات العمومية، يدرك بوضوح أن الصعوبات المالية التي تمر بها هذه المؤسسات ليست طارئة ولا ظرفية بل هي حصيلة طبيعية لخلل هيكلي تعاني منه منذ سنوات، لان اختلال التوازنات المالية للمؤسسات العمومية يعود إلى سوء ادارتها التي غابت عنها الحوكمة الرشيدة اضافة الى الفساد والمحسوبية وغياب ثقافة العمل وثقل الاجراءات والقيود الادارية. وعلى ما يبدوا ان الحكومة الحالية واعية بعمق أزمة هذه المؤسسات العمومية التي طالما تحدث عنها رئيس الجمهورية قيس سعيد معلنا عدم التفويت فيها او خوصصتها لأنها ركيزة وجود الدولة والاقتصاد الوطني ايضا.

وعموما ان أزمة هذه المؤسسات أزمة قديمة جديدة لان كل الحكومات كانت واعية بهذه الوضعية منذ 2011، وبحكم عدم القدرة على اتخاذ حلول للنهوض بها زادت مديونية المؤسسات العمومية (111 مؤسسة) وأصبحت بمثابة «كرة الثلج» ترتفع من سنة إلى أخرى، حيث تشير المؤشرات المعلن عنها في تقرير سابق حول المنشآت العمومية أعدته وزارة المالية أن حجم الديون ارتفع بنسبة 8.2 في المائة في الفترة الممتدة بين 2018 و2020 وبلغت مديونية العمومية إلى 6.5 مليار دينار في 2020 مقابل مديونية بـ6 مليار دينار سنة 2019. وفي تلك الفترة، مثل العجز المالي لثلاث مؤسسات فقط ما يقارب 71 في المائة من هذه الحجم الإجمالي الديون بقيمة جملية تناهز 350 مليون دينار، حيث بلغت ديون الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية 180 مليون دينار وشركة نقل تونس 107 ملايين دينار والخطوط التونسية 64 مليون دينار.

وقد شجع اهتمام رئيس الجمهورية ومتابعه لازمة هذه المؤسسات السلط المعنية بتبني سياسة الإصلاح تنطلق بضبط قائمة أولية للمؤسسات العمومية الناشطة وتوظيف مكاتب تدقيق خارجية لتدقيق موازناتها وحساباتها ثم في مرحلة ثانية إعداد برنامج لتسوية الديون بين الدولة والمؤسسات العمومية وتصفية الديون المتقاطعة حسب القطاعات إضافة إلى إعداد برنامج متكامل لاعادة هيكلة المؤسسات العمومية وتحسين حوكمتها عبر مراجعة الاطار القانوني والتنظيمي لانه «من غير الممكن ان تبقى الدولة تسدد ديون المؤسسات العمومية على حساب الاستثمار والاستثمارات الاجتماعية ويجب ان تكون مصدر إيرادات للدولة وليس العكس» حسب ما صرح به وزير الاقتصاد والتخطيط السابق، سمير سعيد، يوم 29 جويلية 2023 تحت قبة مجلس النواب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

التحالف العالمي للكفاءات التونسيـة: تحويلات التونسيين بالخارج ساهمت في تسديد الدين الخارجي

أعلن رئيس مجلس الأعمال التونسي الافريقي أنيس الجزيري، عن تكوين «شبكة الجالية التونسية في ا…