2024-01-13

في زيارة رئيس الجمهورية إلى الديوان التونسي للتجارة : «الفساد» بالحجّة والدليل..!

تحمل زيارة رئيس الجمهورية قيس سعيد التي أداها أوّل أمس الخميس الى الديوان التونسي للتجارة بالعاصمة عديد الدلالات والرسائل بالتوازي مع ما تحمله هذه الزيارة من رمزية باعتبار الصبغة العمومية لهذه المؤسسة ودورها في ضمان «قوت التوانسة» وأمنهم الغذائي من خلال تعديل السوق وتأمين مختلف المواد الغذائية الأساسية وبقية الأدوار الموكولة للديوان.

وتتزامن هذه الزيارة مع تواصل فقدان بعض المواد الأساسية في الأسواق التونسية في مختلف مناطق البلاد وتململ اجتماعي متواصل بسبب تواصل ارتفاع الأسعار وندرة بعض المواد الأخرى مثل الأرز والسكر والقهوة والفارينة وغيرها.. وعودة تلك المشاهد من «الطوابير» ـ التي خلنا أنها انتهت نسبيا ـ أمام المخابز في أماكن متفرقة من ولايات الجمهورية.
وتأتي زيارة رئيس الدولة الى الديوان التونسي للتجارة وبلادنا شعبيا ورسميا من خلال مختلف الأجهزة والهياكل ومؤسسات الدولة تضع اللمسات الأخيرة استعدادا لاستقبال شهر رمضان المعظم في أوائل مارس المقبل ، وجميعنا نعلم جيّدا أن نسبة الاستهلاك ترتفع بنسبة كبيرة في هذا الشهر الكريم وتشهد البلاد حركية تجارية غير مسبوقة وهو ما يستدعي ضمان توفير أغلب المواد الأساسية وغيرها من المواد التي يحتاجها المواطن التونسي في معيشه اليومي وغيرها التي يقبل عليها أكثر والتي تدخل ضمن عاداته وتقاليده الغذائية في هذا الشهر الكريم، والتي تتطلب تحضيرات مسبقة وشاملة.

ونعتقد أن تزامن زيارة رئيس الجمهورية إلى الديوان مع مواصلة حربه على الفساد والاحتكار تهدف إلى بعث رسائل واضحة ومضمونة الوصول في شكل تحذير مباشر إلى المحتكرين والأشخاص الذين اعتادوا استغلال هذا الشهر العظيم لاحتكار بعض المواد الأساسية لتحقيق ندرتها في السوق بهدف الترفيع في أسعارها لاحقا وهو ما يتضارب والقانون التونسي ويهدد الأمن الغذائي والسلم الاجتماعية.
كما تعتبر هذه الزيارة بمثابة التحذير الأخير لكبار المسؤولين في الديوان التونسي للتجارة خاصة بعد الحملات السابقة التي تقودها أجهزة الدولة في إطار التصدي للاحتكار والمضاربة والمتاجرة بقوت الشعب التونسي من أجل تجويعه بهدف توتير المناخ الاجتماعي والتي سجّلت عديد الإيقافات من التجّار والموّزعين ومحتكري المواد الأساسية وحجز مواد أساسية مدعمة وآخرها حجز وزارة الداخلية على اثر عملية مداهمة يوم الأربعاء الفارط 2108 كلغ من السكر و6550 كلغ من مادة الفارينة المدعمة معدة للتوزيع خارج المسالك القانونية بجهة حدائق المنزه من ولاية أريانة وحجز 8000 كلغ من الفارينة المدعمة لدى إحدى المخابز بمنطقة التضامن وتحرير 9 محاضر اقتصادية مختلفة من أجل الإخلال بتراتيب الدعم وإخفاء بضاعة وذلك في إطار التصدي لظاهرة الاحتكار والمضاربة ومراقبة مسالك التوزيع.

كما أن استعراض رئيس الجمهورية خلال زيارته إلى الديوان التونسي للتجارة جملة من الأدلة والوثائق على سوء التصرف وتأكيده على وجود عديد التجاوزات في علاقة بالمهام الموكولة للديوان وتوفر مؤيدات تدين مسؤولين وموظفين من شأنه أن يضع حدا لحالة الفوضى وسوء التصرف بهذه المؤسسة العمومية والدفع نحو محاسبة المتورطين مع بعض اللوبيات والمحتكرين بهدف تعديل بوصلة هذه المؤسسة المؤتمنة على ضمان «قوت التونسيين» في إطار المهام الموكولة لها من قبيل تأمين حاجيات السوق الداخلية من بعض المواد الاستهلاكية الأساسية ذات الأسعار المتغيّرة (سكر، قهوة خضراء، شاي، أرز..) والتصرف في مخزون استراتيجي يغطي حاجيات 3 إلى 4 أشهر استهلاك من هذه المواد والمساهمة في تكوين وتمويل المخزونات التعديلية من بعض المواد الظرفية وإنجاز بعض الواردات ذات الصبغة الظرفية وغيرها.
وان تعددت الرسائل من هذه الزيارة وفي هذا التوقيت بالذات قبل فترة وجيزة من شهر رمضان المعظّم فان هناك رسالة بغاية الأهمية يجب أن يلتقطها المسؤولون والموظفون داخل الديوان التونسي للتجارة والمحتكرون واللوبيات التي تشتغل في المجال التجاري وخاصة كل ماهو متعلق بالمواد الغذائية والاساسية منها بالخصوص مفادها أنه لا مجال اليوم إلى مواصلة التلاعب بـ«قوت التوانسة» وتهديد أمنهم الغذائي سواء باعتماد احتكار السلع أو المضاربة أو الترفيع غير القانوني والمتعمّد في الأسعار.

وعلى الديوان التونسي للتجارة في هذا السياق أن يقوم بالدور الموكول له بتحمله لمسؤوليته القانونية والمجتمعية تجاه الدولة والشعب من خلال الانخراط في السياسة العامة للدولة التي تهدف إلى ضمان الأمن الغذائي لكافة التونسيين في كل شبر من وطننا العزيز وقيام كبار مسؤوليه وموظفيه بمهامهم بكل مسؤولية في إطار العدالة والقانون وبالنجاعة المطلوبة والعمل ضمن استراتيجية مضبوطة وشاملة انطلاقا من ضمان حوكمة جيّدة للديوان وصولا إلى حسن التحكم في السوق والتوزيع العادل للمواد الأساسية الغذائية في كل مناطق الجمهورية وأن يشتغل هذا المرفق العمومي وفق منطق خدمة الشعب والصالح العام لا خدمة اللوبيات والمحتكرين.
لقد كشف الرئيس في زيارته أوّل أمس الى الديوان التونسي للتجارة عن حجم كبير للفساد ولم يظلم في ذلك أحدا فقد كانت بين يديه كل الوثائق التي تدين عددا من كبار المسؤولين بالديوان.. فنحن في هذه الحال أمام «الفساد» بالحجّة والدليل…!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

هجرة المهندسين التونسيين : ظاهرة خطيرة تستدعي حلولا عاجلة

لا يختلف اثنان اليوم حول ارتفاع ظاهرة هجرة المهندسين في السنوات الأخيرة وما تمثله من خطورة…