في سنة جديدة تبدو صعبة بكل المقاييس : هل تتمكن حكومة الحشاني من كسب الرهان الاقتصادي..؟
تعمل منذ فترة حكومة الحشاني على الرفع من نسقها في اتجاه كسب الرهان الاقتصادي في سنة تدل مؤشراتها الأولى أنها «صعبة جدا» وتجد نفسها في مواجهة مباشرة وشاقة مع عدد من العراقيل والصعوبات سواء على المستوى الوطني أو الإقليمي والدولي ،خاصة بعد دخول تونس ولأول مرة في قائمة سلبية لصندوق النقد الدولي والذي سيعقّد عملية الولوج إلى التمويلات الخارجية – رغم أن بلادنا لم تعد تعوّل كثيرا على الصندوق وتمويلاته – ورفعت منذ فترة شعار التعويل على الذات وتنويع مصادر تعبئة الموارد المالية عوض اللجوء كلّيا إلى التمويلات الخارجية التي تكون غالبا مقيّدة بشروط. ولعّل مصادقة مجلس الوزراء الخميس الفارط على عدد من مشاريع القوانين والأوامر ذات الطابع الاقتصادي مؤشر على تسريع خطى حكومة الحشاني في اتجاه تركيز ترسانة تشريعية مشجّعة على الاستثمار وخلق التنمية و الترفيع من الإنتاج ومردودية المؤسسات.
وفي مقدمة هذه المشاريع نجد المصادقة على مشروع أمر يتعلق بإحداث الديوان الوطني للأعلاف وبضبط تنظيمه الإداري والمالي وطرق تسييره والذي يتمثل دوره أساسا في المساهمة في ضبط الإستراتيجية الوطنية والقطاعية للنهوض بالموارد العلفية وحوكمة التصرف فيها وإنتاج وتوريد وتوزيع الموارد العلفية والاتجار فيها وتكوين المخزونات الاحتياطية منها والقيام بكل التدخلات الضرورية لتعديل السوق والمساهمة في انجاز الدراسات الفنية والاقتصادية المتعلقة بمنظومة الأعلاف بما في ذلك تقديرات كلفة الإنتاج.
كما تعمل حكومة الحشاني في هذا الإطار أيضا إلى دفع إنتاجية المؤسسات من خلال مصادقتها على مشروع أمر يتعلق بإحداث وحدة تصرف حسب الأهداف بوزارة الصناعة والمناجم والطاقة لإنجاز البرنامج الوطني للنهوض بالجودة والإنتاجية وبضبط تنظيمها وطرق سيرها.
وتهدف هذه المساعي إلى تأسيس ترسانة تشريعية تكون قادرة على تحقيق الأهداف المرجوة منها وتحسين الاقتصاد وتنافسية المؤسسات والرفع من إنتاجيتها في ظرف اقتصادي صعب نتيجة ضعف المؤسسات على المستوى الوطني وتأثّـرها بالتغيّرات الإقليمية والدولية ونقص الاستثمارات الخارجية بتونس.
في المقابل تعمل مختلف المؤسسات التابعة للدولة على تشجيع المشاريع الناشئة والمؤسسات الصغرى والمتوسطة على غرار البنك التونسي للتضامن الذي انطلق مؤخرا في تمويل الدفعات الأولى من الشركات الأهلية حيث تولى في سنة 2023 المصادقة على تمويل 15 شركة أهلية بكلفة استثمارات تناهز 4 مليون دينار وتم توزيع دفعة أولى من هذه المصادقات في أواخر سنة 2023 لفائدة 7 شركات أهلية بقيمة استثمارات تناهز 1٫6 مليون دينار ومن المؤمل أن ترتفع وتيرة تمويل الشركات الأهلية خلال سنة 2024 وذلك بفضل تدعيم خط التمويل المحدث للغرض بـ 20 مليون دينار وتزايد الإقبال على تكوين هذه الشركات على الصعيدين المحلي والجهوي في مختلف القطاعات الاقتصادية.
إن هذه الخطوات في علاقة بتوفير إطار عام قانوني تمثل منطلقا للتشجيع على دفع المبادرة الخاصة والنهوض بالاقتصاد الوطني ودعم صلابة المؤسسات العمومية بالتوازي مع مشروع القانون المتعلق بتنقيح المرسوم عدد 13 لسنة 2022 بخصوص الصلح الجزائي وتوظيف عائداته، الذي أودعته رئاسة الجمهورية بالبرلمان قبل موفى ديسمبر الماضي والأهداف التي من أجلها تم إحداث اللجنة الوطنية للصلح الجزائي بإمكانها أن تحدث فارقا ونتائج ملموسة في صورة تمكّن الحكومة من مواجهة مختلف العراقيل التي يمكن أن تعترضها في مسار بناء اقتصاد وطني قادر على المنافسة وخلق الثروة وتحقيق التنمية والاستجابة لأغلب انتظارات «التوانسة» والتزامات الدولة التونسية دون الالتجاء إلى التمويلات الخارجية والتداين.
تساؤلات عديدة تطرح نفسها اليوم بعد استكمال المسار السياسي تقريبا وشروع الحكومة في ضبط المسار الاقتصادي أو الخارطة الاقتصادية لبلدنا في هذه المرحلة والمستقبل القريب من قبيل كيف ستواجه بلادنا مسألة تعبئة موارد هامة من العملة الصعبة لتمويل الميزانية وسد العجز المالي، خاصة في ظل عدم قدرتها على الاقتراض مما سيجعل من توفير تلك الموارد مهمة جد صعبة؟ وهل ستتمكن بلادنا من مواصلة الاقتراض من الدول المانحة في ظل عدم إمضاء الاتفاق النهائي مع صندوق النقد الدولي أو الاستغناء عن ذلك نهائيا في ظل عدم وجود مؤشرات تدل على تقارب جديد بين الصندوق والدولة التونسية ؟
فهل ستتمكن حكومة الحشاني في ظل كل هذه الظروف الصعبة اقتصاديا وإقليميا مع تواصل الحرب الروسية – الأوكرانية وتغيّر موازين القوى والتحالفات الدولية من توفير جل المواد الأساسية للمواطن ودفع الاقتصاد الوطني ودعم صلابته وتنافسيته والرفع من الانتاجية ؟ وهل ستتمكن الشركات الأهلية ومختلف المشاريع التنموية بفضل دعم الدولة من خلال تمويلها وتوفير التسهيلات الضرورية سواء على مستوى التشريع أو الدعم المالي لها من تحقيق النجاح ودفع الاقتصاد الوطني وضمان الديمومة والاستمرارية بمؤشرات ايجابية وتحقيق الربح ؟ وهل ستتمكن الدولة من تعبئة المخزون الإستراتيجي من العملة الصعبة ،والذي شهد تراجعا مؤخرا بسبب اتخاذ الدولة في الآونة الأخيرة خيار تسديد ديونها الخارجية؟
ومع بداية سنة جديدة ما تزال عديد التساؤلات تلازمنا تقريبا جميعا و يوميا وفي كل لحظة وفي مقدمتها التساؤل حول مدى إمكانية نجاح حكومة الحشاني في كسب هذا الرهان الاقتصادي الصعب وتحقيق مكاسب اجتماعية جديدة في سنة تبدو أنها صعبة بكل المقاييس وفق ما تبرزه المؤشرات الاقتصادية ويؤكده الخبراء في المجال وتتمكن من تحقيق انتظارات الشعب التونسي في المستوى الاجتماعي وتحسين مقدرته الشرائية التي اهترأت بشكل ملحوظ وغير مسبوق خلال السنوات الأخيرة بفضل ارتفاع الأسعار وغياب بعض المواد الأساسية في الأسواق وصولا إلى تسجيل فقدان بعض الأدوية الحياتية.؟
لكن ورغم تعطل حصول تونس على قرض من صندوق النقد الدولي أو ترجيح العدول على ذلك من طرف بلادنا في إطار اتخاذ مبدإ التعويل على الذات،فهناك وفقا لرأي عدد من المحللين في الاقتصاد والمالية حلول أخرى ممكنة مثل دفع عجلة التصدير، وفتح حساب بالعملة الصعبة للتونسيين المقيمين بالخارج بميزات تفضلية، لكن كل ذلك يحتاج لبعض الوقت في حين تحتاج تونس بشكل سريع وعاجل لتمويل نفقاتها ودفع الاقتصاد ودعم قدرتها على استيراد عدد من المواد الأولية خاصة مع اقتراب شهر رمضان المعظّم والذي يتطلب تزويدا خاصا وحرصا على تواجد أغلب السلع والمستلزمات الضرورية للحياة اليومية والمواد الأساسية بالكميات المطلوبة وبأسعار مقبولة في جميع مناطق الجمهورية.
عن المضاربة والاحتكار مرة أخرى..!
مثّلت مختلف مجهودات أسلاك الأمن الوطني والنتائج الايجابية التي أسفرت عنها مؤخرا في التصدي …