تونس ضمن قائمة سلبية لصندوق النقد الدولي : متوقّع..وغير مفاجئ..فما البديل لمجابهة الصعوبات المالية..؟
ادرج مجلس صندوق النقد الدولي تونس لأوّل مرة منذ انضمامها للصندوق عام 1958، ضمن قائمة سلبية إلى جانب دول مثل فنزويلا واليمن وبيلاروسيا وتشاد وهايتي وميانمار بسبب تأخّر استكمال تونس وممثلي الصندوق المشاورات بموجب المادة الرابعة المتعلّقة بمراجعة الأداء الاقتصادي التونسي، وقد تأخر ذلك لمدة تجاوزت الـ 18 شهراً، بالإضافة إلى الفترة العادية الممنوحة وهي 15 شهراً. وتعود الأسباب التي بموجبها يتم هذا التصنيف إلى تأخّر المناقشات مع سلطات الدول بشأن الأمور الاقتصادية والسياسات المعتمدة أو بسبب الوضعين السياسي أو الأمني أو لتغيير بعض الدول حكوماتها بسبب الانتخابات أو لقرارات بتغيير أعضاء الحكومات. اضافة الى اسباب أخرى أيضا من بينها ورورد طلب من سلطات بعض الدول تأخير اللقاء لبحث هذه النقطة بسبب عدم قدرتها أو جاهيزيتها لاستقبال وفد من الصندوق نتيجة لجدول أعمال هذه الحكومات بسبب عدم وجود اتفاق على مواعيد، وعدم إعلان السلطات عن مواعيد لاستقبال بعثة صندوق النقد للتشاور بخصوص المادة الرابعة.
واضح أن هذين السببين الأخيرين هما أبرز الأسباب التي قد تكون وراء هذا التصنيف المسند لتونس بالنظر لقرار الحكومة التونسية نهاية سنة 2023، إعلان عدم جاهزيتها لاستقبال وفد مشاورات من صندوق النقد الدولي كانت مرتقبة من 5 إلى 17 ديسمبر 2023، وتم تأجيلها بطلب من السلطات التونسيّة، وذلك وفق مصدر من صندوق النقد الدولي لالتزام وانشغال الحكومة بوضع قانون مالية 2024 والبرنامج المغلق لمناقشة تفاصيل ميزانية الدولة وعرضها والمصادقة عليها بالبرلمان التونسي. كما أكّد ايضا مصدر من البنك المركزي التونسي في وقت سابق تأجيل هذه الزيارة، موضحا أنّ السلطات التونسيّة وصندوق النقد الدولي اتفقا على تأجيل الزيارة إلى موعد لاحق سيتم تحديده بالتشاور بين الطرفين.
وفي الواقع فإن هذا التصنيف السلبي وغيره من التصنيفات متوقع بالنظر الى توقف المحادثات بين تونس وصندوق النقد الدولي بشأن برنامج تمويل جديد في إطار آلية تسهيل الصندوق الممدد التي بقيت عالقة لأكثر من سنة رغم التوصل الى اتفاق على مستوى الخبراء في أكتوبر 2022 .ولم يتم تتويجه بتفعيل هذا الاتفاق بصفة فعلية وتقديم قرض لتونس بـ1،9مليار دولار.
وانقضت كامل سنة 2023 دون أن تحصل تونس على هذا القرض الذي اعتبر الخبراء أنه صار لاغيا وأن طلب اي قرض آخر يتطلب انطلاق مفاوضات جديدة مع الصندوق. وهناك وجهات نظر مختلفة لمثل هذه التصنيفات السلبية من طرف وكالات الترقيم السيادي ومؤسسات الاقراض الدولية حيث ترى بعض المقاربات أن هذا التصنيف هو بمثابة ضغط جديد على تونس حتى ترضخ لكل شروط صندوق النقد الدولي مقابل اسنادها التمويلات الخارجية.
لكن الواضح أن تونس لم تعد مستعدة لقبول هذه الشروط وذلك وفق التصريحات الصادرة عن رئيس الجمهورية التي اوضحت في عديد اللقاءات ان المؤسسات المالية الدولية ووكالات الترقيم السيادي مدعوة لاحترام سيادة الدولة التونسية و استقلالية قرارها وان تونس مقدمة على مرحلة مفصلية جديدة من تاريخها لا تقبل الخضوع لسياسة الاملاءات القائمة على التدخل في شؤونها مثلما ترفض ان يقع حشرها في موقع المتلقي للدروس من أي كان مقابل الحصول على التمويلات الخاريجية المشروطة. غير ان مقاربات أخرى ترى أن غياب الاتفاق مع صندوق النقد الدولي جعل الوضعية المالية والاقتصادية في تونس معقدة،
وجعل كل محاولات الحصول على تمويلات خارجية أو ثنائية عملية صعبة من دون موافقة صندوق النقد الدولي الذي تمثل موافقته عادة بمثابة الضوء الأخضر للدول والهياكل المالية العالمية من أجل اسداء القروض لتونس. والملاحظ انه رغم غياب الدعم المالي من طرف صندوق النقد الدولي لتونس سنة 2023 إلا انها تمكنت من تسديد أغلب ديونها الخارجية. ولكن كان ذلك بصعوبة بالغة وعبر الاعتماد أكثر على سياسة الاقتراض الداخلي من طرف البنوك.وتم ايضا على حساب عديد الأولويات الاخرى.كما ساهم في تحقيق هذا الهدف ارتفاع عائدات قطاع السياحة غير المتوقع والزيادة في تحويلات التونسيين بالخارج التي رفعت احتياطات البلاد من العملة الصعبة.لكن يبدو ان الاشكال نفسه سيتجدد هذا العام من حيث نقص الموارد الخارجية.
حيث برمجت الحكومة وفق قانون المالية لـ2024 الحصول على موارد اقتراض خارجي بقيمة 16445 مليون دينار سنة 2024 بعد أن كانت 10563 مليون دينار في 2023 دون توضيح مصادر أغلب هذه الموارد. وهو ما يشير الى أن الصعوبات المالية للدولة ستتواصل ايضا سنة 2024 وفق عديد المختصين في الاقتصاد خاصة من حيث تسديد الديون، اذ ستشهد أغلب شهور السنة القادمة ضغطا متواصلا على ميزانية الدولة لتسديد ديون مستحقة خاصة الخارجية منها وستكون البداية في أشهر جانفي وفيفري صعبة جدا وهناك مستحقات بمبالغ كبيرة.ويحدث هذا كله في ظل رفض التعامل مع صندوق النقد الدولي.
ورغم أن البعض يرى ان رفض إملاءات صندوق النقد الدولي أو الاتحاد الاوروبي أو اي شريك له علاقة مباشرة بتمويل الميزانية هو قرار يدعم السيادة الوطنية ويتفق في ذلك مع توجه رئيس الجمهورية الا أن ذلك يتطلب في المقابل إيجاد بدائل جدية لمجابهة الصعوبات المالية التي تمر بها البلاد ويطرح تساؤلات عدة حول ماهية هذه البدائل بعيدا عن مزيد الاقتراض الخارجي والداخلي .
بعائدات فاقت 5 آلاف مليون دينار : صادرات زيت الزيتون تساهم في تعزيز احتياطي العملات الأجنبية
يعتبر قطاع زيت الزيتون من أبرز القطاعات الاقتصادية الرئيسية في تونس حيث حقق نتائج ايجابية …