ارفعوا رؤوسكم في السماء وقولوا إننا من تونس: في توحيد الخطاب الديبلوماسي حتى يكون متناغما مع خطاب الدولة..!
كلمات قليلة قالها رئيس الجمهورية خلال حفل تسليم أوراق اعتماد عشرة سفراء دفعة واحدة لتونس بعدد من عواصم العالم، حيث كان لافتا كلامه الواضح ونبرته الواثقة ولهجته الصارمة، حين قال لهم جميعا، ارفعوا رؤوسكم وقولوا إننا من تونس.
هي عبارات ليست غريبة عن رئيس الجمهورية الذي ألف الناس خطابه ذا السقف العالي في ما يتعلق بالسيادة الوطنية والفخر بالانتماء، لكن المناسبة هي التي تجعله حسب البعض من المحللين، يُصنّف خطابا من ذوات السقف العالي، يبدو أن الرئيس يقصد به دولا وحكومات بعينها لا تعطي لتونس المكانة التي تستحقها، وربما ايضا يردّ به عن بعض التصرفات الفردية لدبلوماسيين تونسيين أساءت لسمعة تونس في السابق، او بعضا من الذين يأنفون من ذكر بلادهم بكل فخر واعتزاز.
كلها احتمالات تبقى قائمة، لكنها بالمحصّلة ليست بغريبة عن مفردات خطاب رئيس الجمهورية الذي ألفه الناس والذي يبدو دائما مسكونا بهاجس التحدي واثبات الشخصية التونسية كقيمة عليا لا يمكن التساهل معها او التهاون في التعبير عنها.
البعض الآخر ذهب الى حدود القول ان رئيس الجمهورية يرسم منهجا جديدا للدبلوماسية التونسية قوامه التحدي والتشبث بالموقف الوطني والمصلحة العليا للبلاد مهما كانت الظروف، وخاصة في تعريجه على موقف تونس الثابت من القضية الفلسطينية ومساندتها المطلقة واللامشروطة لنضال الشعب الفلسطيني وصموده الاسطوري في وجه آلة الحرب الهمجية الاسرائيلية.
فرئيس الجمهورية يعرف جيدا أن كثيرا من العواصم التي يتوجه اليها السفراء الجدد تقف مع العدو الصهيوني، وتسانده بقوة، ويعرف أنها تتخذ مواقف عدائية من تونس وتصنفها دولة غير منفتحة او غير معتدلة في ما يتعلق بالصراع العربي الصهيوني، بل هناك من يبدي استغرابه من الخطاب الرئاسي حول ضرورة الكفاح المسلح كحلّ وحيد لتحقيق استقلال فلسطين من النهر الى البحر، ويعتبرونه خطابا قويا اعتقدوا لزمن طويل انه قد ولّى وانتهى، بل حتى بعض الدول العربية تبدي استغرابها من تشبث تونس بالحق الفلسطيني وابتعادها قدر الامكان عن الحلول الاستسلامية التي تطرح هنا وهناك، خاصة في المحافل العربية لتمييع القضية الفلسطينية والتجاوز عن الحق الفلسطيني في سبيل تثبيت مشاريع شراكات وهمية وتطبيع مكتوب عليه الفشل قبل ان يبدأ.
فتونس اختارت طريقا واضحة في هذا السياق، وهي تعرف انها قد تدفع ثمنا غاليا لهذه المواقف، لكن يبدو انها لا تنوي التراجع عنها مهما كانت الضغوطات، وذلك ما يفسر الى حد ما كلام رئيس الجمهورية للسادة السفراء، حين يقول ارفعوا رؤوسكم وقولوا اننا من تونس، أي لا تتراجعوا عن موقف تونس واعتزوا بأنكم تنتمون الى بلد قد لا يكون قويا بحجمه وثرواته وتجهيزاته لكنه ثابت على مواقفه الصحيحة والمشرّفة.
هذا الخطاب يؤكد مرة أخرى تشبث تونس بمواقفها على الصعيد الدولي، ويؤكد أيضا عزم تونس الجديدة على بناء أو التأسيس لسياسة دبلوماسية جديدة قوامها المصلحة العليا للبلاد، في حلّ من كل ارتباطات أو تحالفات او توافقات يمكن ان تبعدها عن الغاية الأساسية وهي تمثيل تونس في المشهد الدولي على أكمل وجه، وابلاغ العالم مواقفها الشجاعة، والدفاع عن القضايا العادلة، اضافة الى المهمات العادية كرعاية الجالية التونسية بالخارج واستجلاب التنمية والاستثمار والتعاون الاقتصادي وفي مختلف المجالات.
ولا شك ان هذا الخطاب مرتفع السقف يذكّر الكثيرين بأمجاد الدبلوماسية التونسية حين كان يقرأ لها الف حساب في العالم، رغم ان بلادنا لم تكن يوما قوة نووية او معجزة اقتصادية لكنها كانت مرموقة وصوتها مسموع وصورتها براقة، وعدّلت كثير من دول العالم بوصلتها على توجهات تونس المحايدة، وغير المنحازة، والمناصرة للقضايا العادلة، والصادعة بصوت الحق والحرية، لكنها في السنوات الاخيرة التي أعقبت 14 جانفي 2011 شابتها العديد من الإخلالات، سواء لضعف ربما في كفاءة السلك الذي باتت تعييناته تتم بالولاءات والانتماءات أو كذلك بسبب ارتباطات تبعية لبعض الاحزاب التي حكمت بعدد من الدول والتحالفات، ما أفقد الدبلوماسية التونسية شخصيتها وقوتها وتفرّدها، فهل ان خطاب أمس الاول تأسيس لمنهج جديد أم هو تحيين لصورة قديمة يخشى البعض ان تتآكل في مرايا المجتمع الدولي وتفقد بريقها في خضم الأحداث السريعة المتواترة.
مهرجان السينما المتوسطية بشنني «الأرض أنا، الفيلم أنا.. إنا باقون على العهد»: تطور كبير وحضور مؤثّر وفاعل للمخرج السوري سموءل سخية
استطاع المدير الفني لمهرجان السينما المتوسطية بشنني في الدورة 19 المخرج السوري سموءل سخية …