لاشك أن المسألة الأمنية من أهم المحاور التي تعكف عليها الدولة التونسية ضمانا للأمن الذي هو منطلق لكل استقرار سياسي أو اجتماعي واقتصادي. وربما على هذا الأساس تتواتر لقاءات رئيس الجمهورية قيس سعيد بوزير الداخلية كمال الفقيه وبالإطارات الأمنية العليا في إطار متابعة ما يحدث بتفاصيله وفي إبانه.
والأكيد أن قواتنا الأمنية مافتئت تثبت جاهزيتها ويقظتها في أكثر من مناسبة من خلال عمليات استباقية ناجعة أحبطت بفضلها الكثير من المخططات الإرهابية الخطيرة وقلّمت أظافر صنّاع الموت في أكثر من مناسبة وتولت تفكيك عديد الخلايا النائمة التي تترقب بمنتهى المكر أي فرصة سانحة لتتحرك في الظلام وتحيك خططها لضرب استقرار تونس وسلامتها.
والحقيقة أن موضوع الخلايا النائمة وتحديدا العناصر النسائية مسألة بالغة الخطورة، نقول هذا على ضوء آخر مستجدات الوضع الأمني بعد صدور حكم بالسجن لمدة 22 سنة في حق امرأة تتعلق بها تهم متصلة بالتخطيط لاختطاف أبناء أمنيين من الروضة التي كانت تشتغل فيها بهدف مقايضتهم لإطلاق سراح إرهابيين موقوفين بالسجن وفق ما نقلته بعض وسائل الإعلام مؤخرا.
ووفق أوراق ملف القضية فإن المعطيات المتوفرة لدينا تفيد بأن المتهمة في العقد الثالث من عمرها وحاملة لفكر متطرف ولها سوابق على ما يبدو استغلت عملها في حضانة للأطفال من اجل أن تقوم بعمل إرهابي خطير.
فدأبت خلال عملها في هذه الروضة على رصد أبناء الأمنيين الموجودين في هذه الحضانة وكانت تقوم بتصويرهم أثناء قيامهم بأنشطة متعددة مثل الرسم واللعب.
ووفق إفادات مشغلتها فإنها لم تكن تعلم شيئا عن سوابقها ولا نواياها الإرهابية عندما قبلت بتشغيلها.
وقامت المتهمة باستغلال مواقع التواصل الاجتماعي وهي التي ترتبط بخلية إرهابية خطيرة للتواصل مع أفرادها مع العلم أن زوجها إرهابي خطير غادر تراب الوطن واستقر بإحدى بؤر التوتر فشلت محاولاتها للالتحاق به.
ولكن اليقظة الأمنية كانت بالمرصاد لها حيث تمت متابعتها وتبين أنها تعمل لفائدة هذه الجماعات التكفيرية حيث تم تكليفها بهذه المهمة القذرة المتمثلة في رصد أبناء الأمنيين بهدف تسهيل اختطافهم عبر استدراجهم ولاحقا تقوم الجماعة بطلب المقايضة بهم مع الإرهابيين الموقوفين في السجون التونسية على ذمة قضايا خطيرة.
ولئن تمكنت القوات الأمنية من كشف هذا المخطط وإيقاف المتهمة التي نالت جزاءها فإن هذه الواقعة من شأنها أن تنبهنا للمرة الألف أن التطرف العنيف ما يزال قابعا بيننا بأشكال وطرق مختلفة وأن هناك خلايا نائمة تتصيد الفرص من أجل إلحاق الضرر بالدولة والمجتمع ولهذا فإن اليقظة ينبغي أن لا تكون أمنية فحسب بل مجتمعية أيضا. والحرب على الإرهاب كما أسلفنا في سياقات سابقة ليست شأن الدولة فحسب فالمجتمع أيضا بكل فئاته عليه أن يتحمل مسؤوليته سواء عبر نبذ هذه الظاهرة ومطاردتها بالتثقيف والتوعية أو عبر الانتباه لكل العناصر التي تحمل بذور شبهة.
وما دامت الواقعة تدور حول امرأة فإنه من المهم أن نذكر هنا أن التنظيمات الإرهابية المعروفة قد «حررت المبادرة» منذ فترة بالنسبة إلى النساء وحرّضتهن على القيام بعمليات سواء بشكل فردي أو عبر إحكام لتنفيذها في شكل هجمات. ولاشك أن ما أقدمت عليه «منى قبلة» في قلب شارع الحبيب بورقيبة ما يزال ماثلا في أذهاننا وقد نجحت القوات الأمنية وقتها في السيطرة على الهجمة التي مرت بأخف الأضرار.
ولعلّ بعضنا لا يعلم أن هناك ظاهرة تسمى الإرهاب المؤنث فبعد أن فقدت عديد الجماعات الإرهابية مواقع نفوذها في أكثر من مكان وبعد سقوط عدد كبير من كوادرها وانهيارها تنظيميا في أكثر من مكان التجأت إلى تمكين النساء من اخذ زمام المبادرة داخل بلدانهن على أساس أنهن اقل تعرضا للشبهات وبإمكانهن أن يتسربن داخل النسيج المجتمعي بسهولة تامة وبالتالي يسهل قيامهن بأعمال إرهابية سواء هجمات مباشرة أو رصد وتخطيط ليسهل التنفيذ.
فلم تعد أدوارهن مقتصرة على العمل اللوجستي في مواقع القتال فحسب كما كان معلوما في أوج ظاهرة التطرف العنيف.
وهذه التحولات في الظاهرة الإرهابية لاشك أنها تعنينا وبشكل كبير فرغم السيطرة الأمنية بهذا الخصوص فان الخطر ما يزال قائما وبالتالي نحن مدعوون جميعا إلى الانتباه واليقظة والتثبت حتى نتلافى أي مخاطر.
عن المنظومة التربوية مرة أخرى..
هل بدأنا نحصد ما زرعناه ومن يزرع الشوك يجني الجراح كما قال شاعرنا الخالد أبو القاسم الشابي…