2024-01-02

بين السياسة والاقتصاد : فجوة عميقة زادتها الظروف العالمية «حدة»..

«نجحت تونس في كسب الرهان السياسي والديمقراطي لكنها لم تنجح، حتى الآن، في كسب الرهان الاقتصادي بحكم ان أغلبية المؤسسات الاقتصادية هي مؤسسات عمومية ذات وضع مالي هش وقد زادها هشاشة استفحال ظاهرة الاقتصاد الموازي والظرفية الاقتصادية العالمية المتذبذبة» هذا ما اتفق عليه أغلب المتابعين للوضع الاقتصادي ونحن على مطلع سنة ادارية جديدة. تحليل اهل الاقتصاد لم يولد من فراغ ولم يأت وليد الصدفة بل كان نتاجا لوضع تمت معاينته عن قرب وتحدث عنه أيضا أهل السياسة.

إن المتابع للوضع التونسي يلاحظ عن كثب نجاح التجربة السياسية وتبنيها لمسار ديمقراطي سلس كان لها تأثير ايجابي على المناخ الأمني، فباستقرار الوضع سياسيا تمكنت تونس من النجاح في حربها على الإرهاب- هذه الظاهرة الدخيلة على تونس-  وانتشرت إبان الثورة وراح ضحيتها جنود بواسل ورجال امن ونخبة سياسية وحتى مواطنون أبرياء.

غير ان استقرار كل من الأوضاع السياسية والامنية، لم يصطحب معه خارطة اقتصادية ناجحة تحمل في طياتها عودة فعلية لمختلف انشطته الاقتصادية ونخص بالذكر قطاعي الفسفاط والسياحة باعتبارهما من أهم المحركات الاقتصادية وهما ايضا المتضررين بدرجة أولى من الوضع السائد بعد الثورة : قطاعان حساسان شهدا تراجعا ملحوظا في كل مؤشراتهما ورغم التحسن الملحوظ المسجل في نتائجهما في السنوات الثلاث الأخيرة إلا أنها لم ترتق الى النتائج المسجلة سابقا.

ان المتابع للوضع الاقتصادي يمكنه القول ان الوضع الاقتصادي مازال «متعثرا»  وفي تحليلنا هذا سنحاول سرد تبنينا لهذا الحكم المسبق وشرح تفاصيله.

الوضع الاقتصادي «متعثر» لان مردودية قطاع الفسفاط ما تزال ضعيفة رغم إمكانياته الواعدة، فهذا القطاع الذي  كان موردا هام لخزينة الدولة تراجع إنتاجه منذ سنة 2011 بسبب تنامي الحركات الاحتجاجية التي عطلت انتاجه ونقله وتوزيعه طيلة السنوات الماضية رغم محاولات الحكومات دعم هذا القطاع. ووفق مرصد رقابة، فقد تراجع انتاج الفسفاط للفترة الممتدة من جانفي 2023 إلى أكتوبر 2023 مقارنة بنفس الفترة لسنة 2022 بنسبة 25 بالمائة ولم يتجاوز الانتاج خلال العشرة أشهر الماضية 2.3 مليون طن مقابل 3.1 مليون طن خلال نفس الفترة لسنة 2022.

وأوضح أن التراجع زادت حدته خلال الثلاثي الثاني والثلاثي الثالث من سنة 2023 ليبلغ على التوالي 27٪ و31٪ مقارنة بنفس الفترة من سنة 2022. وهو ما يؤكد استحالة إنتاج 2.9 مليون طن من الفسفاط التجاري كامل سنة 2023، لتسجل بذلك سنة 2023 أضعف انتاج للفسفاط التجاري خلال العشر سنوات السابقة.

الوضع الاقتصادي «متعثر» لان الاقتصاد الموازي يكلف خسائر تفرق 16.5 مليار دينار سنويا وفق اتحاد المصارف المغاربية، كما تسببت ظاهرة التوريد العشوائي وخاصة البضائع التركية المعفاة من الأداءات الديوانية في خسارة أكثر من 2000 مليون دينار.

الوضع الاقتصادي «متعثر» لان تونس تعمل جاهدة لخلاص تركة ثقيلة من الديون قدرت بحوالي 124.5 مليار دينار، وتستحوذ الديون الخارجية على 63.9% منها ولان قيمة صرف الدينار مقارنة بالعملات الأجنبية تراجعت وقد بلغت قيمة صرف اليورو إلى حدود صباح أمس الاثنين 3،390 والدولار 3،060.

ولان تونس لا تعيش بمنأى عن التغيرات الجيوسياسية العالمية، فقد تأثر اقتصادها بالحروب الدائرة بعيدا عنها جغرافيا، حيث كشفت دراسة اجراها برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية واللجنة الاقتصادية لأفريقيا التابعة للأمم المتحدة، أن تونس تعدّّ من البلدان المتضررة من الحرب الروسية الاوكرانية مثلا ويتجلى تاثير هذه الحرب بتسجيل نسبة نمو سالبة قدرت بـ2٫5 – بالمائة و2٫2 – بالمائة على التوالي سنة 2022 و2023 مقارنة بوضعية السلم التي كانت سائدة .

وحتى لا نرمي بجهود الحكومات المتعاقبة عن الحكم طيلة هذه السنوات في سلة النسيان، وجب علينا الاعتراف بان الوضع تحسن «نسبيا»… فالمؤشرات الحيوية للاقتصاد التونسي عادت للنبض من جديد- صحيح نبضها ما يزال ضعيفا- لكن يمكننا الجزم انه بتضافر الجهود – منذ بداية هذه السنة – يمكنها العودة إلى سالف عهدها ولم لا تحقيق نتائج ايجابية غير معهودة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

التحالف العالمي للكفاءات التونسيـة: تحويلات التونسيين بالخارج ساهمت في تسديد الدين الخارجي

أعلن رئيس مجلس الأعمال التونسي الافريقي أنيس الجزيري، عن تكوين «شبكة الجالية التونسية في ا…