سنة2023 : صعبة وكبيسة..!
يودع التونسيون اليوم سنة صعبة على المستويين الاجتماعي والاقتصادي ، سنة برزت فيها بوضوح تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية على الاقتصاد التونسي وتأثيراتها المباشرة على ارتفاع كلفة الواردات إلى جانب التحكم النسبي في التضخم حيث تدفع البلاد ضريبة تداعيات الحرب المذكورة التي أثرت على ارتفاع واردات المواد الأساسية بقيمة 2 مليار دينار وواردات المحروقات بقيمة تفوق 8 مليار دينار، الأمر الذي أثر على المالية العمومية والتوازنات المالية بشكل عام .
غير بعيد عن ذلك يتوقع أن تتزايد تكاليف الإمدادات الغذائية مع بداية العام الجديد في ارتباط وثيق أو لنقل نتيجة ما يحصل من مناوشات وتهديدات لحركة الملاحة البحرية في الخليج العربي وما يمكن أن يزيد من تعقيدات وتكاليف الشحن البحري للبضائع إثر تداعيات الحرب على غزّة .
كما أن ارتفاع نسبة التضخم في البلاد كان مرده الترفيع في نسبة الفائدة المديرية التي أثرت على أداء المؤسسات الاقتصادية ، بالرغم من اتخاذ بعض الإجراءات المصاحبة لمساندة المؤسسات الاقتصادية من أجل مساعدتها على تجاوز الصعوبات المالية . إذ أن توقع نسبة نمو منتظرة نهاية العام الجاري والمقدرة بـ 1.8 % ، تبقى متواضعة ولا تعكس الوضعية الاقتصادية الصعبة للبلاد .
تواصل أزمة ارتفاع الاسعار ونقص المواد الأساسية وفقدان بعضها ، مثلت نقاطا فاصلة في مجتمع بات يكابد الطوابير بحثا عن هذه المنتوجات فلاحية المصدر بالأساس والتي كانت تونس تحقق فيها فوائد كبيرة في الإنتاج لتصبح اليوم في صراع مع الزمن لتوفير الحد الأدنى منها ، هذه الأزمة لئن يعود أيضا جزء منها إلى التحولات التي يشهدها العالم إقتصاديا إلا أن جزءا كبيرا منها يعود إلى أزمة الجفاف التي تتالت لسنوات مضت وكان لها أثر سلبي على مقومات الإنتاج الفلاحي وتراجعه بشكل لم تعد تتحمله البلاد إذا ما تواصلت السياسات الارتجالية لمعالجة الأزمات .
كما تشير أغلب الأرقام التي تصدرها منظمات المجتمع المدني الناشطة في مجال حماية المستهلك إلى أن أسعار المواد الاستهلاكية تتزايد سنويا بين 10 و20 % وهي زيادات أغلبها ليست مدروسة ولها تبعات وخيمة على مستوى المعيشة ومن شأنها أن تتسبب في الترفيع في نسبة الفقر في تونس بما أن أسرة متكونة من ثلاثة أفراد يفترض أن يكون لها دخل شهري في حدود الألفي دينار .
الخدمات العمومية تستنزف صبر المواطن
أزمات أخرى متتالية لا تعدو أن تكون مستفحلة في ظل عدم الاستقرار السياسي خلال سنوات خلت ولعل أبرزها ما تعانيه قطاعات الصحة العمومية والتعليم والنقل وتردي الخدمات ، حيث لا يمكن التنكر لما آلت إليه ظروف هذه القطاعات ، حيث تلجأ العديد من الأسر التونسية إلى المدارس الخاصة بسبب تردي جودة التعليم في المدارس الحكومية وبات من الصعب الظفر بخدمات تتلاءم وما يقدمه المواطن لدولته من أداءات وضرائب مجحفة مقابل بنية تحتية للطرقات متردية وخدمات صحية لا ترتقي إلى الحد الأدنى المطلوب بما أن المواعيد الطبية للكشف بالأشعة وغيرها من انواع التحاليل في المؤسسات الصحية العمومية تتم جدولتها طبقا لفترات زمنية تفوق النصف عام كامل بل هناك حالات يداهمها الموت قبل حلول هذه المواعيد .. وهنا نشير بالضرورة إلى ما تعانيه المؤسسات الاستشفائية في الجهات االمنكوبةب صحيا من نقص في الكوادر الطبية والاختصاصات المطلوبة وفقدان التجهيزات الضرورية للشكف الطبي وغيرها .
وتواجه الحكومة التونسية هذه الأزمات دون الإعلان عن خطة واضحة لمواجهتها باستثناء بعض الحلول الترقيعية . ولكن يمكن القول أن الحكومة بحاجة إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لتحسين الوضع الاقتصادي في البلاد . ويمكن أن تشمل هذه الإجراءات تحسين الإنتاجية والتنويع الاقتصادي وتشجيع الاستثمار وتحسين البنية التحتية وتعزيز صلابة القطاع الخاص . كما يمكن أن تشمل الإجراءات تحسين نظم الإدارة ومكافحة الفساد وتحسين الحوكمة والشفافية .
ملف الدعم بين الممكن وإكراهات المالية العمومية
يشكل ملف الدعم ركن الأساس في أغلب ميزانيات الدولة على مدى الحقبات الفائتة وهذا الملف الذي يمثل في جوهره خطا من الخطوط الحمراء التي لا يمكن المس بها في مختلف تصورات ورؤى ومقترحات الإتحاد العام التونسي للشغل الذي يعارض أي خطوة يمكن أن تنتهجها الحكومة للحد من أحقية هذا الدعم للتونسيين بما أنه يمثل حافزا للسلم الإجتماعية والاستقرار المعيشي في ظرف اقتصادي متدهور ، غير أنه بدا كالحمل الثقيل على مواردها المالية ونعني بالخصوص الدعم الموجه للمحروقات والكهرباء حيث تعترف الحكومة أن نفقات هذا الدعم شهدت ارتفاعا هاما في السنتين الأخيرتين لتبلغ لأول مرة 5.3 % من الناتج المحلي الإجمالي سنة 2022 و4.4 % من الناتج المحلي الإجمالي متوقع في 2023 بسبب تواصل تذبذب سعر الصرف وأسعار النفط بالأسواق العالمية . ويتم في ميزانية 2024 مواصلة توفير الدعم للمحروقات والكهرباء مع العمل على مزيد التحكم في هذه النفقات أساسا عبر ما يمكن وصفه بتطبيق أنظمة مراقبة استهلاك الوقود في القطاع العمومي وتفعيل البرامج التحسيسية لترشيد استهلاك المواد البترولية مع إجراءات لتحسين الأداء والتحكم في تكلفة الإنتاج واتخاذ العديد من الإجراءات الجبائية للتشجيع على استخدام الطاقات البديلة والنظيفة سيما منها الطاقة الشمسية وطاقة الرياح ، في مقابل ذلك فإن المواد الأساسية يتم تدعيمها في ميزانية 2024 في حدود 3591 مليون دينار مقابل 3805 مليون دينار متوقعة سنـة 2023 أي بتراجع يقدر بنحو 214 مليون دينار .
في خضمّ كل ماسبق ، يراوح مشروع قانون المالية لسنة 2024 بين محاولة تفعيل الأهداف المخطط لها وبين الإكراهات التي لا يمكن التغافل عنها في علاقة بمحدودية الموارد المالية ، حيث يهدف إلى تنفيذ المرحلة الأولى من أهداف المخطط الرابع عشر ومواصلة ما تقول عنه الحكومة بشأن تجسيم الإصلاحات المضمنة في البرنامج الوطني للفترة 2023 – 2026 باعتباره يتضمن معالجة واقعية للصعوبات المالية من خلال العمل على تحقيق الاستقرار الاقتصادي والتحكم التدريجي في التوازنات المالية والمحافظة على استدامة المالية العمومية من حيث مواصلة إصلاح المنظومة الجبائية ومنظومة الدعم والوظيفة العمومية.
كما تتمحور هذه الأهداف حول ضرورة إعادة هيكلة المؤسسات العمومية وتحديث القطاع العمومي ودفع الاستثمار باعتباره المحرك الأساسي لتحقيق النمو الاقتصادي. وبالتالي يرتكز مشروع ميزانية الدولة لسنة 2024 بالأساس على مزيد إضفاء النّجاعة والفاعلية وترشيد النفقات وحسن توجيهها خاصة لدعم النفقات ذات البعد التنموي والاستثماري أساسا بالمناطق ذات الأولوية بما يساهم في عودة النمووخلق مواطن الشغل وإسداء أفضل الخدمات لفائدة المواطنين ومواصلة دعم الفئات الهشة وذوي الدخل المحدود .
مشروع الانتقال الطاقي بالمؤسسات العمومية : توجّه لاستدامة الموارد الطاقية وتخفيف الأعباء المالية
تواصل بلادنا تنفيذ مشروع «الانتقال الطاقي في المؤسسات العمومية» الذي سيشمل 22 وزارة، وتهدف…