ما تزال ظاهرة التطرف العنيف حاضرة وبقوة من خلال الحرب التي تقودها قواتنا الأمنية والعسكرية على طيور الظلام خاصة أولئك الذين يقبعون في المرتفعات الغربية للبلاد. وهي حرب يومية تتم من خلال جهود استخباراتية وميدانية وتنفيذ عمليات استباقية نوعية.
ورغم انه لا يتم الإعلان إعلاميا عن مثل هذا النشاط إلا أن هناك عملا دؤوبا بشكل مستمر. ومن حين إلى آخر تعلم مصالح وزارة الداخلية عن بعض هذه العمليات المهمة لتؤكد ان الحرب على الإرهاب لم تضع أوزارها بعد.
ولعل الخبر الأخير الذي أعلنته وزارة الداخلية على صفحتها الرسمية خير مثال على ما نقول. وهو يفيد بأن الوحدة المختصة للحرس الوطني ولواء القوات الخاصة للجيش الوطني مدعومة بوحدات جيش الطيران تمكنت من القضاء على ثلاثة إرهابيين بجبال القصرين وحجز عدد من الأسلحة والذخيرة والمتفجرات.
فهذه الظاهرة التي صدمت التونسيين بعيد 14 جانفي 2011 حصدت أرواح عدد لا يستهان به من الشهداء سواء من أبناء الأمنيين والعسكريين أو من المدنيين. والأكيد أن التهديدات الإرهابية ما تزال قائمة إلى اليوم فما تنفك الأخبار الواردة من القصرين على سبيل المثال تأتينا من حين إلى آخر بأخبار مؤلمة عن انفجار لغم هنا أو هناك وإصابة بعض سكان تلك المناطق الجبلية.
والثابت أن جاهزية القوات المسلحة الأمنية والعسكرية مسألة متأكدة فالعمليات الاستباقية التي يعلن عنها من حين إلى آخر تثبت التطويق الكبير لهذه الظاهرة التي كانت بمثابة الرعب الذي يقضّ مضاجع التونسيين لمدة سنوات خاصة مع تسجيل هجمات إرهابية موجعة على غرار هجمة متحف باردو والضربة التي توجهت إلى السياحة التونسية في مقتل خاصة مع هجمة مجموعة من النزل بسوسة. ولا ننسى التداعيات الخطيرة التي خلفها اغتيال الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي على يد متطرفين وتخطيط وتمويل تداخلت فيه أطراف عديدة في انتظار أن ترى الحقيقة النور قريبا.
ولعل أهمية هذه العملية النوعية الموجعة تكمن في أنها بمثابة تأكيد على أن الدولة ماضية في سعيها إلى تطهير المرتفعات الغربية للبلاد مما بقي من خفافيش الظلام الذين استوطنوها في فترة تراخ عام وتواطؤ من بعض الفاعلين في السلطة.
كما أن أهمية هذه العملية التي ما تزال متواصلة إلى حدود كتابة هذه السطور وفق ما جاء في بلاغ وزارة الداخلية تكمن أيضا في تزامنها مع عودة قضية التسفير إلى بؤر التوتر إلى دائرة الضوء من جديد لاسيما وان هناك مستجدات مهمة في هذا الملف القضائي الحارق الذي يبدو انه اخذ مسارا حثيثا في هذه الفترة بعد أن ظل يراوح مكانه على امتداد سنوات. ولعبت الحسابات السياسية الضيقة دورها في التعتيم عليه. ولكن إعادة العلاقات الدبلوماسية مع الشقيقة سوريا والتقارب الكبير بين البلدين قد جعل أمورا كثيرة تتغير بهذا الخصوص. ولعل هذا ما يتطلع إليه غالبية التونسيين الذين يريدون معرفة الحقيقة في هذا الملف وفي غيره من الملفات المتصلة بأمنهم وسلامة تراب بلدهم وكل الأحداث المريبة التي جدت في مرحلة دقيقة من مراحل تاريخنا.
والأكيد اليوم أن ما سيتمخض عنه ملف التسفير قضائيا سيميط اللثام عن الضالعين في هذا الموضوع الخطير سواء بالتحريض أو التخطيط أو التمويل من شبكات وفاعلين سياسيين كما سيوضح الكثير من المسائل بشأن الأدوار التي لعبتها بعض الأطراف السياسية التي ورطت تونس بشكل من الأشكال في الملف السوري سواء عبر تسفير الجهاديين إلى هناك للقتال ضد الجيش السوري أو من خلال احتضان ما عرف بمؤتمر « أصدقاء سوريا» والذي كان منطلقا لتدمير هذا البلد الذي تجمعنا به علاقات وطيدة على مرّ التاريخ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

إلى مراكز النفوذ في الغرب وتحديدا فرنسا بعد أن سقطت أقنعتها: تونس ليست ملفا حقوقيا..!

من المعلوم ان علاقة تونس بالآخر الغربي متعددة الأبعاد والتقاطعات بين النخب الغربية والفرنس…