كشفته انتخابات المجالس المحلية : مخاطر عزوف الشباب عن الفعل السياسي
مرة أخرى تنكشف أمامنا حقيقة مرّة وهي العزوف الكبير للشباب التونسي عن الفعل السياسي من خلال النسبة الضعيفة للمشاركة في الدور الأول من انتخابات المجالس المحلية.
فرغم ان هناك 22 بالمائة من المترشحين لهذا الاستحقاق الانتخابي من فئة الشباب والذين من المفترض أنهم يعبرون بشكل أو بآخر عن تطلعات هذه الفئة العمرية المهمة إلا أن الغياب كان واضحا في مكاتب الاقتراع.
حيث تخلّت فئة كبيرة من الشباب عن الإدلاء بأصواتهم والتعبير عن إرادتهم الحرة. وهذا ما يطرح الكثير من الأسئلة بشأن الأسباب الكامنة وراء هذا العزوف عن الإسهام في الشأن العام والتخلف عن تقرير مصير البلاد؟
حسب ما أعلنته الهيئة العليا للانتخابات لم تتجاوز نسبة المقترعين من الشباب الذين مارسوا حقهم وواجبهم الانتخابي يوم 24 ديسمبر الجاري 19 بالمائة. وهي نسبة دون المأمول بالتأكيد لدواعي كمية وكيفية. فالشباب هو الفئة العمرية الأهم في الهرم السكاني التونسي وفق ما يقوله الديمغرافيون وحسب الإحصائيات الرسمية أيضا في انتظار ما سيقوله التعداد السكاني العام المنتظر.
هذا من الناحية الكمية أما كيفيا فإن الفئة العمرية التي تراهن عليها المجتمعات دوما هي الشباب باعتباره من يصنع مستقبل الأمم وحضارتها وبالتالي بقدر ما يكون فاعلا ونشيطا ومبدعا بقدر ما يحدث التجدد المجتمعي وينجح الكهول في تسليم الشعلة إليهم بكل ثقة واطمئنان.
هذا ولا ننسى أن الشباب التونسي يواجه مشكلات كبرى اجتماعية واقتصادية وهو الضحية الأهم للفشل السياسي المتراكم منذ عقود.
فالقضايا الاجتماعية الحارقة التي تواجه الدولة والمجتمع جوهرها في الغالب الشباب فالبطالة والهجرة غير النظامية وتفاقم ظاهرة المخدرات وتفشي الجريمة والفشل المدرسي وغيرها كلها تتمحور حول هذه الفئة العمرية.
وبالعودة إلى السياق الذي نحن بصدده من الواضح أن نسبة العزوف الشبابي عن الاستحقاق الانتخابي الأخير هي تجسيد بشكل من الأشكال لجانب من جوانب ضعف المشاركة في هذه الانتخابات بشكل عام.
ولكن هناك أسباب عميقة تقف خلف هذا العزوف أولها أن المسار الانتقالي المتعثر الذي تعيشه تونس منذ ما يزيد عن عقد من الزمن لم ينجح في تجسير الفجوة بين التونسي عموما والشباب خصوصا والسياسة بل لعل الفساد السياسي الذي تفشى وأنتج ديمقراطية عرجاء ساهم في اتساع الهوة ربما أكثر من ذي قبل.
فمع الأسف لم ينجح الفاعلون السياسيون الذي تداولوا على السلطة في بلادنا منذ أول انتخابات تلت 14 جانفي 2011 في كسب ودّ عموم الشباب التونسي. فقط هناك فئة قليلة من الشبان الذين ولجوا السياسة لدواعي «وراثية» في أغلب الأحوال من أبناء قيادات حزبية تاريخية أو من أبناء بعض المناضلين.
فلا يمكن أن نتجاهل أيضا تأثير الوضعية الاقتصادية والاجتماعية الخانقة في الوقت الراهن والتي أثرت في الجميع وفي المقدمة الشباب بالتأكيد نظرا لخصوصية هذه الشريحة من المجتمع.
ولعله بات من المعلوم أن التجارب الانتخابية المتراكمة في السنوات الأخيرة قد خذلت التونسيين الذين تدهورت أوضاعهم جراء غياب الكفاءات وسيطرة المحسوبية والفساد والعجز عن الحوكمة الرشيدة.
وكانت النتيجة أن التونسي لم يجن شيئا من البرامج السياسية خاوية الوفاض من كل مضمون جدّي ومن الوعود البراقة التي كذّبها محك الواقع والتجربة.
وكان من الطبيعي أن يفقد الشباب الثقة في أيّ محطة سياسية بعد أن خبر الخذلان وهو ما يفسر ارتفاع نسبة الهجرة سواء هجرة الأدمغة والكفاءات النوعية من الشباب الحاصل على شهادات عليا أو الهجرة غير النظامية التي لم تعد مقتصرة على العاطلين عن العمل فقط بل أصبحت ملاذا لشباب لهم أوضاع مستقرة نسبيا ولكن تراجع مستوى العيش بشكل عام جعلهم يخيّرون المغادرة بكل الأشكال ومهما كانت الظروف.
والآن وأمام هذا المعطى المهم المتمثل في توالي عزوف الشباب عن الشأن العام على المختصين في العلوم السياسية والاجتماعية الانكباب على دراسة هذه الظاهرة وعلى الفاعلين السياسيين أخذها بعين الاعتبار في برامجهم السياسية وخططهم المستقبلية.
التشغيل في تونس : «أم المعارك» التي لا بدّ من خوضها
لا شك ان احد الرهانات المطروحة على تونس اليوم هو التشغيل بكل ما يعنيه هذا الملف من تعقيد …