الدور الأول لانتخابات المجالس المحلية ينجح تقنيا ويتعثّر جماهيريا.. مرّة أخرى سؤال الشرعية والمشروعية؟
«نتائج محترمة».. هكذا كان تقييم رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات فاروق بوعسكر لنتائج الدور الأول من انتخابات المجالس المحلية التي جرت الأحد 24 ديسمبر 2023 والتي لم تتجاوز فيها نسبة المشاركة 11.66 بالمائة.
وطبيعي أن يفتخر بوعسكر بهذا الإقبال الضعيف لأنه ينظر للمسألة في تقديرنا من الزاوية التقنية للديمقراطية وللمشاركة السياسية، وما يعنيه على ما يبدو في الموضوع هو احترام الهيئة لتسجيل الناخبين وترتيب عملية قبول الترشحات وتنظيم الحملة الانتخابية وتوفير الحبر الانتخابي والمطبوعات والملاحظة والفرز وإعلان نتائج وفق الرزنامة، وهذا في حدّ ذاته إنجاز واجتهاد له أجر على الأقل، أما الأجر الثاني المتصل بالتوفيق في تنظيم انتخابات جماهيرية تعزّز الشرعية والمشروعية فهو تحدّ لم يتحقّق بعد.
ولنتفق بداية أننا لم نكن إزاء انتخابات عادية أو معهودة سواء في بلادنا أو في مشارق الأرض ومغاربها، فهي الأولى من نوعها ولو اشتركت مع بقية الانتخابات في بعض العناصر كالتصويت على الأفراد أو التصويت على دورتين أوغيره من تفاصيل العملية الانتخابية، غير أن الأمر يتعلق بانتخابات يمكن وصفها بالتأسيسية، أجل التأسيسية لنظام قاعدي تشكّل الجزء الأول منه عبر انتخاب نواب الشعب قبل زهاء العام وها هي الوظيفة التشريعية وفق الدستور الجديد تُستكمل بانتخابات المجالس المحلية.
وكما هو معلوم فهذه الانتخابات هي الركن الأخير في مشروع رئيس الجمهورية قيس سعيد الذي بدأ منذ 25 جويلية 2021 وكشف خريطة طريقه في 13 ديسمبر من نفس العام، وقد تمت صياغة دستور جديد في ضوء استشارة شعبية والاستفتاء عليه وتنظيم الانتخابات التشريعية للغرفة الأولى وها نحن بصدد الفصل الأخير في مسار بناء مؤسسات الدولة الجديدة على حد تعبير سيادته وليس تونس الجديدة بعد، وهذه العبارة على درجة كبيرة من الأهمية لأنها تنسّب وتضع بعض النقاط على الحروف إي أن خراج ومخرجات مشروع الرئيس لم تبدأ بعد وإنما باستكمال تركيز المؤسسات التي من بينها المحكمة الدستورية على سبيل المثال..
ولهذه الاعتبارات فان انتخابات الأحد كانت مهمّة ويُفترض أن تكون نسبة المشاركة فيها مهمّة ليس فقط من باب تجاوز النسبة الضعيفة التي ميزت أيضا انتخابات البرلمان ولكن لإعطاء جرعة قوية لمشروع الرئيس وشرعية ومشروعية تتناسب مع حجم الوعود والأحلام فنحن نتحدث كذلك عن انتخابات تناهز كلفتها بدوريها الأول والثاني الـ50 مليون دينار، وفق ما أعلنه عضو الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بلقاسم العياشي..!
من هذه الزاوية لم يكن رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات محقّا في التقليل من سلبية النتائج ولم يكن مطالبا بالتنويه بالمليون ناخب وناخبة الذين تكبدّوا عناء التصويت فلم يقلّل أحد من شأنهم ولم يرغمهم أحد على ذلك والأهم هو التفكير في السبب الذي جعل الملايين المتبقية تعزف أو تمتنع عن المشاركة في ما سمي خطأ بـ«العرس الانتخابي» الذي سجل غيابا بارزا للناخبين من فئتي الشباب والنساء حسب عضو الهيئة العليا للانتخابات أيمن بوغطاس.
إن ضعف نسبة الإقبال على هذا الاستحقاق الانتخابي يعود لأسباب كثيرة منها أولا طابعها المحلي، فالانتخابات المحلية والبلدية والجهوية عموما في تونس والعالم غالبا ما تكون نسبة المشاركة فيها اقل من الانتخابات الرئاسية مثلا أو التشريعية التي يقوى فيها الرهان وتتعدد الترشحات وتدخل فيها القوى السياسية وحتى اللوبيات المالية والاقتصادية على الخط.
ثانيا، غياب نص قانوني يوضح الصلاحيات والعلاقة بين الغرفتين في باب الوظيفة التشريعية دون أن ننسى جدّة الفكرة كما أسلفنا والتي لم يقع تبسيطها على ما يبدو ولم يقع الترويج لها بالشكل المناسب.
ثالثا، الوضع الاقتصادي والاجتماعي كان أيضا محبطا للعزائم فالناخب وجد نفسه في الطابور من أجل الظفر بالخبز أو الحليب أو السكر أو الزيت، والفشل في الظفر بشيء منها كان كافيا للعزوف والمقاطعة…
لقد كان رئيس الجمهورية واقعيا لدى خروجه من مكتب الاقتراع وتوجيه كلمة للشعب التونسي والإجابة على أسئلة الصحافيين حيث صدع بعبارة جدّ مهمّة وهي أن بناء المؤسسات الجديدة وبناء تونس الجديدة يجب أن يتم بطريقة جماعية، وهذا مربط الفرس في تقديرنا فالمشاريع الكبرى لا تنجز ولا تحقق نتائج كبرى إذا تمّت بطريقة أحادية وفي مناخ من عدم الثقة ومن الشك والإحباط وسوء النية والتشكيك في الآخر.
وعندما نتحدث عن أهمية نسبه المشاركة وعن أهمية الشرعية والمشروعية فلأننا ندرك جيدا أن أي منظومة حكم ديمقراطية قوية وعادلة تحتاج إلى هذا السلاح وهذا العمق الجماهيري الذي يعكس إرادة الشعب وإذا انحسرت هذه الإرادة أو تقلّص التعبير عنها فان المطلوب يصبح هو البحث في أسباب ذلك والتسريع بإصلاحه بدل الهروب إلى الأمام فالبلاد لم تعد تحتمل المغامرة وإهدار الوقت والشعب يريد بالفعل الحرية والكرامة بكل أبعادها.
في ذكرى جريمة غرّة أكتوبر 1985 بحمام الشط.. بين تونس والكيان الصهيوني دم.. وحقّ
في الليلة الفاصلة بين 30 سبتمبر وغرة أكتوبر 1985، اتخذ الكيان الصهيوني قرارا بتصفية القياد…