من مصنع الحديد عام 2021 إلى مصنع الحليب في 2023 : كيف تتمّ متابعة الزيارات الميدانية لرئيس الجمهورية؟
تحت يافطة حرب التصدّي لمظاهر الاحتكار أدّى رئيس الجمهورية قيس سعيّد ذات مساء سبت، 28 أوت 2021 زيارة إلى منطقه بئر مشارقة من ولاية زغوان وعاين وجود كميات محجوزة من الحديد كانت مخزّنة في مصنع بالجهة بغرض المضاربة وفق ما جاء في بلاغ لرئاسة الجمهورية آنذاك وأسدى الرئيس تعليماته بتطبيق القانون على الجميع على قدم المساواة مشدّدا أنه لا ولاء إلا للوطن..
في نفس السياق، وقبل ثلاثة أيام تحديدا، أدى رئيس الجمهورية ظهر الأربعاء 21 ديسمبر 2023 زيارة غير معلنة إلى مصنع لتعليب المياه وصنع العصير بزغوان، وشركة لتجميع الحليب بنفزة من ولاية باجة، ثم المقرّ السابق للشركة التونسية لصناعة الحليب «ستيل» بباب سعدون بالعاصمة حيث شدد على ضرورة فتح تحقيق معمّق في التلاعب بهذه الشركة اثر قرار التفويت فيها عام 2002 بتعلة إعادة تأهيل المؤسسات الوطنية والمنشآت العمومية.
ليس ذلك فحسب، تحدث رئيس الجمهورية عن المسار الإجرامي الذي رافق عملية تصفية «ستيل» على مدى 20 عاما وكيفية الحصول على علامتها التجارية وعقاراتها من قبل شركات أخرى مبينا أنه من المفارقات أن «ستيل» ما تزال قائمة قانونيا وان شبكة كاملة للفساد تعبث بعلامتها التجارية ومصنعها وعقاراتها.
وكما هو معلوم فقد تواترت الزيارات الميدانية غير المعلنة أو الفجائية لرئيس الجمهورية منذ 25 جويلية 2021 إلى اليوم وشملت عددا من الولايات والمؤسسات ولامست كذلك عددا من القطاعات في مجالات الصناعة والفلاحة والتجارة والنقل والمالية والإعلام وغيرها.
والزيارات الميدانية كما سبق وكتبنا شكل من أشكال ممارسة الحكم الجيدة التي تسمح للحاكم بالاطلاع المباشر على الأوضاع في ربوع الوطن وبالتالي التواصل مع المواطنين والوقوف على حقائق الواقع مما يجعل التشخيص مباشرا وفعّالا وايجابيا ويمكن البناء عليه لاستنباط الحلول المناسبة لتغيير حال البلاد والعباد إلى ما هو أفضل أو كما يقول الرئيس نفسه كتابة التاريخ الجديد وتحقيق المنجز الجديد.
الملاحظة الثانية التي تجلب الانتباه في الزيارات الميدانية لساكن قرطاج هو أنّه ثمّة إعداد جيد لها وثمّة تملّك كبير لتفاصيل الملفات التي يباشرها سيادته سواء في المصانع أو الشركات أو البنوك أو المؤسسات الإعلامية التي يزورها، بل أكثر من ذلك هو مدرك لتفاصيل التفاصيل في تاريخها وكذلك الحقائق الصادمة حول واقعها إلى جانب القناعة بضرورة الإصلاح والإنقاذ والضرب بيد من حديد كما يقال على الفاسدين والمضاربين والعابثين بالدولة ومقدراتها.
ثالثا، لا يختلف التشخيص الذي يقدمه رئيس الجمهورية للمؤسسات التي يزورها فجئيا مع ما رسخ في ذهن المواطن البسيط ولو دون تفاصيل دقيقة عن الفساد الذي استشرى في مفاصل الدولة ودمّر هيبتها وأعاق عملها الطبيعي وأصبحت مردودية الكثير منها اقل بكثير مما كانت عليه حتى قبل سنة 2011 وهو ما يعني أن منظومات الحكم المتعاقبة برمتها بعد هذا التاريخ لم تكن قادرة حتى على الحفاظ على المنجز الوطني كي لا نتحدث عن تطويره وتثويره..
رابعا، يستبشر المتابع لمخرجات هذه الزيارات الميدانية لصرامة رئيس الجمهورية في إسداء تعليماته لمعالجة الوهن الذي يضرب في العمق المؤسسات التي يزورها وهو ما يعني بالضرورة أن متابعة عاجلة أولا وفعالة ثانيا ستنطلق على جناح السرعة لترجمة وعود وأقوال الرئيس إلى أفعال، لكن الأشهر تمرّ الآن ونخشى ان تمر الأعوام وان يكون التقدم في تنفيذ ما يأمر به سيادته بطيئا وكلفته باهظة.
ولسنا نبالغ هنا حين نقول ان ما أثاره رئيس الجمهورية عند زيارته مثلا لمصنع الحديد قبل سنتين ونيف لم يتغيّر كثيرا وما يزال الحال على ما هو عليه تقريبا وما يزال هذا القطاع متعثرا وتعثره يلقي بظلاله على قطاع البناء والتجهيز بطبيعة الحال.
نفس الملاحظة بالنسبة إلى الزيارة إلى مصنع الدواء، أو إلى البنك العمومي، أو إلى شركة السكك الحديدية، أو شركة النقل العمومي، أو مؤسستي لابريس والصباح الإعلاميتين، أو وزارة التجارة، دون ان ننسى الزيارات الميدانية إلى الفضاءات التجارية الكبرى وإلى المخابز والى الأسواق الشعبية فالطوابير ما تزال على حالها والأسعار المشطة في حالة ارتفاع دائم..
وهنا قد يكون من المناسب أن يعاود رئيس الجمهورية زياراته الميدانية إلى النقاط التي سبق وان زارها لعلّ ذلك يحرّك السواكن ويرفع الحواجز ويضرب في العمق المكبّلات، أو لعلّه من السليم أيضا تعيين مستشار في القصر الرئاسي معني بشكل حصري بمتابعة الزيارات الميدانية ورصد التقدم في تنفيذ ما أمر به الرئيس هنا وهناك خصوصا وأن دستور البلاد يضع سلطات كبرى لدى الوظيفة التنفيذية ويحمّل ساكن قرطاج مسؤولية ضبط السياسة العامة للدولة ويعهد لفريقه الحكومي بتنفيذها والتنفيذ كما هو معلوم يستوجب وجود مخططات وجداول زمنية وآليات تقييم دورية ربحا للوقت وتحقيقا للفائدة في التاريخ المناسب مهما تكن صعوبة الجغرافيا.
الانتخابات الأمريكية، تعنينا.. ولا تعنينا !
يتطلّع العالم باهتمام كبير لتاريخ الخامس من نوفمبر 2024 لمعرفة الرئيس القادم للولايات المت…