ينتخب التونسيون اليوم الأحد 24 ديسمبر 2023 من يمثلهم في المجالس المحلية في استحقاق وطني الأول من نوعه في تونس لانتخاب 279 مجلس محلي تغطي المعتمديات في كامل تراب الجمهورية وهي أوّل انتخابات محلية في تاريخ البلاد والتي تمثل أولى مراحل تركيز المجلس الوطني للجهات والأقاليم ثاني الغرفتين البرلمانيتين اللتين نص عليهما دستور 2022، وهو أيضا  استحقاق انتخابي وطني ينتظره الكثيرون في اتجاه تحقيق العدالة الاجتماعية ومبدإ التمييز الايجابي لأبنائنا متساكني المناطق الداخلية والحدودية الذين ظلوا طيلة عقود من الزمن يعانون الفقر والتهميش و«الحقرة».

وكما هو معلوم فإن  رئيس الجمهورية أعلن في اجتماع مجلس الوزراء المنعقد في 21 سبتمبر 2023 أنه سيتم يوم 24 ديسمبر 2023 تنظيم الانتخابات المحلية والجهوية ،ويأتي اختيار هذا التاريخ بالذات  لرمزيته، إذ يتزامن مع استشهاد الشابين محمد العماري وشوقي الحيدري بمدينة منزل بوزيان من ولاية سيدي بوزيد سنة 2010 بداية الشرارة الأولى للثورة.

وتقنيا ستنجز الانتخابات المحلية على دورتين، الأولى اليوم الأحد 24 ديسمبر 2023، وفي حال لم يتحصل أي مترشح على الأغلبية المطلقة يتم اللجوء إلى دورة ثانية لا يتقدم إليها إلا المترشّحان الأول والثاني الفائزان بأغلبية الأصوات ،حيث تنقسم البلاد التونسية، وفق ما نص عليه الأمر الرئاسي عدد 590 الصادر في 21 سبتمبر 2023، إلى 5 أقاليم و24 مجلسا جهويا و279 مجلس محلي. ويكون لكل إقليم عدد من المجالس الجهوية ولكل مجلس جهوي عدد من المجالس المحلية.

فالتونسيات والتونسيون اليوم يخوضون استحقاقا وطنيا في كامل تراب الجمهورية ويقومون بواجبهم الانتخابي لانتخاب أعضاء المجالس المحلية بطريقة مباشرة ، وسيتم اختيار عضو واحد من كل مجلس محلي «عن طريق القرعة» ليتولى عضوية المجلس الجهوي لمدة 3 أشهر فقط، وينتخب أعضاء كل مجلس جهوي 3 أعضاء من بينهم لتولي عضوية المجلس الوطني للجهات والأقاليم لمدة 5 سنوات.ووفق المرسوم عدد10 سيتم اعتماد نظام الاقتراع القائم على الانتخاب على الأفراد في دورتين عند الاقتضاء وهو نفس الخيار الذي تم اعتماده في الانتخابات التشريعية الأخيرة.

وبعيدا نسبيا عن المسائل التقنية والقانونية في علاقة بإجراء هذا الاستحقاق الانتخابي الوطني وبناء على أهداف المجلس المحلي فإن لأعضاء المجالس المحلية رهانات تكاد تكون واضحة ومحددة باعتبار عامل القرب الذي سيكون حاسما في تحديد وضبط هذه الأولويات والرهانات المحدّدة في الزمان والمكان، والتي تتلخص في الاستجابة للحد الأدنى من انتظارات و مطالب ممثليهم باختلاف خصوصيات كل منطقة من أجل دفع التنمية وتحقيق التنمية في كامل ربوع البلاد وخلق تشغيلية محلّية بما من شأنه أن يعود بالنفع أوّلا على كافة متساكني كل جهة وثانيا على كافة المجموعة الوطنية بخلق تشغيلية ودفع التنمية والاقتصاد وتحسين ظروف عيش المواطنين في انعكاس حقيقي للواقع واحتياجات التونسيات والتونسيين ، لا تنفيذا لمشاريع في خدمة المؤسسات والشركات متعددة الجنسيات وباستغلال «موحش» وبتشغيلية هشة وأجور ضعيفة جدا بحيث لا يمكن مقارنتها لا بأجور أشقائنا «العملة» في دول الجوار ولا بأجور الدول المتقدمة ولا النامية أو في طريق النمو.

كما أن المحافظة على آلية سحب الوكالة المعتمدة في علاقة بأعضاء مجلس نواب الشعب وسحبها على أعضاء المجالس المحلية سيجعل ممن سيتم انتخابهم أكثر حرصا على الاستجابة لانتظارات ناخبيهم في مناطقهم  وعاملا أساسيا «تنافسيا» لبذل أكثر جهد في العمل والالتصاق بالمواطنين في محاولة لبلورة انتظاراتهم ومطالبهم في ورقات أو مقترحات عملية ترفع لاحقا إلى الجهات أو السلط المعنية لتنفيذها أو الاستئناس بها في برامج تنموية أو بيئية أو غيرها من المسائل الأخرى المرتبطة بمعيشهم اليومي وبالتشغيل وتحسين البنية التحتية والمرافق العمومية كالصحة والتعليم وغيرها.

وتبعا لخصوصية انتخابات المجالس المحلية التي تجرى اليوم في سابقة أولى انتخابية تاريخيا في بلادنا، نعتقد أن لهذه الانتخابات أهمية بالغة من حيث الرهانات المرتبطة بها على المستوى المحلي ،فمن المنتظر أن يرتكز عمل الذين سيتم انتخابهم أعضاء لهذه المجالس المحلية على عامل القرب بهدف تحقيق التنمية في مختلف المجالات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية وحتى الرياضية -على المستوى المحلي طبعا – والدفع نحو تحسين مستوى عيش متساكني هذه المناطق بما يحيلنا إلى مسائل البيئة والنظافة والاعتناء بجمالية المدن وتحسين المقدرة الشرائية للمواطنين في كل منطقة وهي مسائل تبدو أنها بسيطة لكنها تتطلب بذل مجهودات والقيام بعمل جدّي على أعلى مستوياته من حيث النجاعة في التنسيق مع مختلف الأطراف والهياكل الرسمية وحسن بلورة برامج كفيلة بالتجسيم والتنفيذ على أرض الواقع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

هجرة المهندسين التونسيين : ظاهرة خطيرة تستدعي حلولا عاجلة

لا يختلف اثنان اليوم حول ارتفاع ظاهرة هجرة المهندسين في السنوات الأخيرة وما تمثله من خطورة…