السفير السابق أحمد ونيس لـ«الصحافة اليوم» : المهاجرون… ضحايا تفشي اليمين المتطرف في دول أوروبا الغربية
في انتصار واضح لليمين المتطرف في فرنسا وأوروبا عامة أقرّ البرلمان الفرنسي مساء أمس الأول مشروع قانون الهجرة الجديد، الذي يشدد سياسة فرنسا تجاه المهاجرين. ونظرا لصرامة أحكامه تجاه الأجانب فقد أثار هذا القانون الجديد جدلا داخل حكومة الرئيس ماكرون وتسبب في تقديم بعض أعضائها لاستقالتهم منها.
وعبرت جمعيات حقوق الإنسان في فرنسا من جهتها عن رفضها للقانون المصادق عليه واعتبرت ان ما نص عليه من إجراءات فيه عملية تقنين للعنصرية وقمع لحقوق المهاجرين ووصفته بأنه أكثر قوانين الهجرة رجعية منذ عقود. وشددت على انه ليس الا نتيجة لما تقوم به مجموعة من الحكومات الأوروبية ومن بينها الحكومة الفرنسية من محاولة لكسب أصوات اليمين المتطرف في الانتخابات المقبلة وفي إطار الشعبوية، رغم علمها بالحاجة الماسة لبلدانها للمهاجرين.
ونظرا لما أثاره القانون الفرنسي الجديد، الذي رحب به اليمين المتطرف من جدل داخل الأوساط السياسية وفي المجتمع الفرنسي عامة، فان الرئيس ماكرون بالرغم من اقراره أن هذا القانون يهدف إلى ردع المهاجرين غير الشرعيين الا انه اقر في الوقت ذاته موافقته على أن بعض الإجراءات التي نص عليها قد لا تكون دستورية، ولذلك ستتم احالته الى المجلس الدستوري لطلب رأيه حول ذلك.
وقد نص هذا القانون على إجراءات جديدة للتحكم في سبل الإقامة ومكافحة الهجرة غير الشرعية عن طريق تحديد حصص الهجرة وتشديد شروط لمّ الشمل الأسري، وتدابير الحصول على تصاريح الإقامة لأسباب عائلية. ومن تبعاته أيضا انعدام تلقائية الحصول على الجنسية الفرنسية واستحالتها في وضعيات معينة. كما تضمن تعزيز الرقابة على هجرة الطلبة وحدد بصفة صارمة شروط الاستفادة من المزايا الاجتماعية والصحية. هذا بالإضافة الى إجراءات عديدة صارمة نص عليها هذا القانون، تميز بين المواطنين والمهاجرين، حتى أولئك الذين يعيشون في البلاد بشكل قانوني.
وفي قراءة لهذه الخطوة التي اتخذتها فرنسا بإقرار قانون هجرة وصف بـ«العنصري» بين وزير الخارجية الأسبق والسفير السابق أحمد ونيس اننا في تونس نركز على القرارات والتوجهات الفرنسية أكثر من الدول الاخرى، غير أنّ اليمين المتطرف واقعيا تفشى في جميع المجتمعات الديمقراطية في كل أوروبا الغربية من إيطاليا الى السويد وفرنسا وألمانيا وبريطانيا وهولندا لم تستثنى من هذه الظاهرة. واليوم كل هذه البلدان ماضية في تصرفات وإجراءات سواء قانونية او غير قانونية لوضع حد لـ«الاستيطان الأجنبي» غير المرغوب فيه على أراضيها.
وبالمناسبة شدد محدثنا على ان الهجرة ليست ظاهرة افريقية أو آسيوية بل هي ظاهرة اقتصادية عالمية والأقطار المتضررة أكثر من غيرها هي المنطلق لهذه الظاهرة ودول أخرى كتونس والمملكة المغربية وتركيا وغيرها من البلدان التي تقع على حدود المجتمعات الغربية الأوروبية المصنّعة هي دول عبور وبالتالي الخطر ما يزال يتراكم ويتضخم ويجب أن تكون هناك ردود فعل مشتركة ما بين ضفتي المتوسط الشمالية والجنوبية. ليذكر ان النظام العالمي اليوم لم يعد نظام الأمم المتحدة بل أصبح نظام مجموعات إقليمية سياسية واستراتيجية واقتصادية ما يعني انه يجب على المجموعة الجنوبية من المغرب الكبير والعالم العربي والساحل الافريقي، ترتيب امورها في ما بينها لإقامة حوار مع الدول المتقدمة والمتطورة صناعيا والدخول في مفاوضات جماعية.
وأكد محدثنا ان الخطوة التي اتخذتها فرنسا كان لها وقع أكبر على الدول الناطقة باللغة الفرنسية، لكن في الواقع سبقتها إجراءات ومعاملات وقوانين من جميع دول جنوب أوروبا أو وسطها او شمالها، وبالتالي لا نوجه التهمة اليوم الى فرنسا فقط بانها اخذت خطوة ذات صبغة عنصرية تجاه المهاجرين.
وفي هذا الخضم وبالرغم من إقرار الأستاذ ونيس بأنّ تونس مطالبة بمراجعة سياساتها في ما يخص مراقبة حدودها، الا انه اكد على ان مثل هذه الخطوة تعتبر جزئية، وان ما يجب القيام به فعليا هو ترتيب الأوراق جنوب ـ جنوب ما بين المملكة المغربية ومصر وجميع الدول المعنية بما في ذلك دول الساحل الافريقي باعتبارها معقل الهجرة السرية ودول شمال افريقيا باعتبارها دول عبور وتشترك مع هذه الدول في هذه الظاهرة ولكن بصفة أقل. ليؤكد على انه في حال عدم التنسيق بين جميع هذه الدول لتشكيل «قلعة» اقتصادية واستراتيجية وأمنية فان التحركات الفردية لن يكون لها أي وزن. ليضيف بأنه لا قيمة للمفاوضات ولفتح سبل التنمية بين الجنوب والشمال الا في إطار جماعي ومواقف موحدة من مختلف القضايا المفصلية. واعتبر ان تونس قادرة على المبادرة للمّ الشمل من اجل خلق قوة ضغط مغاربية افريقية وعربية بدافع بنّاء.
وفي ما يخص عرض قانون الهجرة الفرنسي الجديد على المجلس الدستوري والتوجه اكثر إما نحو تمريره من عدمه أوضح محدثنا ان اتجاه المجتمع الفرنسي منذ حوالي ثلاثين سنة هو أنه كل سنة يزيد خطوة الى الأمام في اتجاه اليمين ومهما سيقرر المجلس الدستوري فان الامر لن يتجاوز مجرد التخفيف من حدة فصوله. ليؤكد على انه في ظل تواصل سيطرة اليمين على المشهد السياسي الفرنسي فان الحكومة القادمة ستركز بدورها على قضية الهجرة ولن تكون أكثر تسامحا في هذا الملف. وبالتالي لا بد حسب محدثنا ان يتم تجاوز «العماء» السياسي وإعادة الترتيب الاستراتيجي لدول الجنوب وتنميته.
وعن تداعيات مثل هذه القوانين العنصرية على المهاجرين التونسيين، شدد ونيس انها لا تطرح إشكالا كبيرا بالنسبة الى المستقرين في الدول الأوروبية في المقابل فإنها تخلق أزمات شديدة بالنسبة الى موجات المهاجرين التي تتدفق وما تزال على أوروبا وهو ما سيجعل بلادنا تواجه الامر الواقع وهو الترحيل القصري للمهاجرين القادمين منها او استجلابهم موتى. علما وانه ليس هناك عداء للتونسيين في حد ذاتهم وانما هناك عداء للمهاجر غير الشرعي مهما كانت جنسيته دون استثناء.
الانتخابات الرئاسية في الخارج : اليوم الصمت الانتخابي وغدا أول أيام عملية التصويت
يمثل اليوم الموافق للثالث من شهر أكتوبر بالنسبة الى التونسيين المقيمين بالخارج يوم الصمت ا…