الفراغ التشريعي يتواصل رغم بدء العدّ العكسي لانتخابات المجالس المحلّية: المترشّحون بحالة إفراط في الوعود..!
«سأعمل على تحسين جودة الحياة لمتساكني المنطقة وتحسين الوضع البيئي ومزيد العناية بالبنية التحتية والنقل العمومي وتعزيز التنمية المستدامة وتشريك المواطنين في سلطة القرار وتنفيذ خطة لتحقيق التطلعات الجماعية للأهالي… سأعمل أيضا على الإسراع بإنجاز المشاريع وجلب المستثمرين… سأعمل على تنوير الطرقات والأنهج في كافة المنطقة…».. بهذه الوعود وغيرها يتوجّه المترشحون لانتخابات المجالس المحلية التي ستُجرى يوم الأحد 24 ديسمبر 2023 ببلادنا الى جمهور الناخبين عبر وسائل الإعلام وفق خطة العمل وخارطة الطريق التي حبكتها الهيئة العليا المستقلة للانتخابات.
والحقيقة انه إذا حجبنا عبارة «المجالس المحلية» عن اليافطة سيكون بالإمكان التكهن أو القول مباشرة بأن الأمر متعلق ربما بانتخابات محلية أو بلدية أو تشريعية او حتى رئاسية، فهذه الوعود تتنزل منطقيا في إطار برنامج متكامل تعوَّد التونسيون على اكتشافه في كل محطة انتخابية منذ ملحمة 14 جانفي 2011 غير المكتملة، لكن بمجرد إجراء الانتخابات ومرور الوقت وانتهاء الولايات الانتخابية يتبين للناس ان الفجوة كانت عميقة بين الموعود والمنشود والمنجز، وأنّ الشعارات كانت فضفاضة وأنّ ما تحقق منها في الواقع أقل ما يقال فيه أنه هزيل للغاية.
إنه إشكال حقيقي بقطع النظر عن الموقف من هذه الانتخابات سواء كان الواحد منا مساندا ومنخرطا فيها أو معارضا ومقاطعا لها، فالأمر يتعلق في نهاية المطاف بشكل من أشكال المشاركة السياسية في الشأن العام والمشاركة يجب ان ترتقي إلى أبسط مقومات الديمقراطية وشروطها.
ان المترشحات والمترشحين لهذه الانتخابات هم في حالة إفراط في الوعود وقد يكون البعض منهم عفويا وصادقا ومتحمسا عن حسن نيّة لخدمة الناس في المطلق وتعوزه الثقافة القانونية والسياسية والثقافة الديمقراطية بشكل عام وهي المعضلة التي تكابدها بلادنا منذ عقود، أما البعض الآخر فهو يدرك للأسف ان الإفراط في الوعود شكل من الأشكال الشعبوية المقيتة لمغالطة الناخبين رغم المعرفة المسبقة بأنه ثمّة خلل حقيقي يتمثل في غياب نص قانوني جليّ وواضح يحدّد صلاحيات أعضاء المجلس الذي سيتم انتخابه وعلاقته بمجلس النواب الذي تم تركيزه مطلع هذه السنة إلى جانب توضيح العلاقة مع البلديات التي أفردتها مجلة الجماعات المحلية بصلاحيات كبرى.
وللتذكير هنا فقط، نشير إلى أن رئيس الجمهورية قيس سعيد هو الذي كشف بنفسه يوم أدى أعضاء الهيئة العليا المستقلة للانتخابات الجدد اليمين بقصر قرطاج، أن نصا قانونيا سيصدر سينظم العلاقة بين مجلس نواب الشعب والمجلس الوطني للجهات والأقاليم وذلك في إطار احترام وحدة الدولة على حد تعبيره.
وقد حاولت قيادة هيئة الانتخابات منذ ذلك التاريخ «الإفتاء» و«التأويل» و«الاجتهاد» في هذا الباب واستباق الإشكاليات التي أظهرها الإفراط في الوعود الانتخابية فعملت على توضيح أو التذكير بصلاحيات المجالس البلدية والمحلية وعاد رئيس الهيئة فاروق بوعسكر حتى الى قوانين ما قبل «الانفجار الثوري» سنة 1994 والقانون عدد 87 المتعلق بإحداث مجالس محلية للتنمية والأمر الصادر في 2009 المتعلق بضبط النظام الداخلي للمجالس المحلية للتنمية…! وكذلك القانون الانتخابي الذي تم تعديله في عديد المناسبات واستندت الهيئة بطبيعة الحال إلى دستور 2022 وتحديدا الباب الثالث : الوظيفة التشريعية، القسم الثاني: المجلس الوطني للجهات والأقاليم الذي ينصّ صراحة في الفصل 85 على سبيل المثال على أن هذا المجلس يمارس صلاحية الرقابة والمساءلة في مختلف المسائل المتعلقة بتنفيذ الميزانية ومخططات التنمية فهل أدرك المترشحون مغزى هذه الجملة «القانونية» الملزمة؟ ليس ذلك فحسب، يشير الفصل 86 بوضوح إلى انه ثمّة قانون ينظم العلاقات بين مجلس نواب الشعب والمجلس الوطني للجهات والأقاليم وهو النص «الغائب» وغير الجاهز إلى الآن..
ومرة أخرى قد تنجح هيئة الانتخابات تقنيا في تنظيم استحقاق انتخابي أراد له مهندسه أن يكون تتويجا لمشروع سياسي انطلق بالقوة بخلق أمر واقع جديد وتضمّن صياغة دستور جديد وإجراء استفتاء بشأنه ثم تنظيم انتخابات تشريعية على قاعدته بالاستناد إلى الاقتراع على الأفراد في دورتين إلى جانب هذه الانتخابات المحلية في ما يشبه نوعا من النظام القاعدي، والهدف يظل كما أسلفنا، وبقطع النظر عن الموقف من المشروع، تعزيز الديمقراطية بل إنقاذها، والإنقاذ لا يكون حسب رأينا سوى بالإقرار بوجود الأزمة المركّبة أولا وهذه للأسف الحقيقة الوحيدة التي يتفق حولها التونسيون لكنهم يختلفون في طريقة فكّ طلاسمها قبل فوات الأوان.
الانتخابات الأمريكية، تعنينا.. ولا تعنينا !
يتطلّع العالم باهتمام كبير لتاريخ الخامس من نوفمبر 2024 لمعرفة الرئيس القادم للولايات المت…