هل يكفي سقوط نائب تركي ميّتا ليستيقظ ضمير طغاة العالم وهو الذي أصيب  بنوبة قلبية جراء تحمسه في كلمة ألقاها منددا بالكيان الصهيوني وداعما للقضية الفلسطينية؟

وهل يمكن اعتبار الصحوة التي تشهدها برلمانات العالم وتحديدا البرلمان الأوروبي بداية لتغيير موازين القوى سياسيا على الأقل بشأن الحرب الدائرة في غزة ؟

وإلى أيّ مدى يمكن أن تؤثر هذه الأصوات الحرة على الدفع في اتجاه معاقبة الكيان الصهيوني على الجرائم الوحشية التي يقترفها في حق الفلسطينيين؟

الضمائر الحرة في العالم لم تنتظر طويلا قبل أن تعلن مساندتها اللامشروطة للمقاومة الفلسطينية التي تواجه ببسالة آلة القمع الصهيونية منذ 7 أكتوبر الماضي تاريخ انطلاق عملية طوفان الأقصى  وحتى اليوم.ومنذ أول طلقة وأول قصف وأول قطرة دم هرع أحرار العالم إلى دعم المقاومين الفلسطينيين ولعل مواقف عديد البلدان بشقيها الرسمي والشعبي كانت نماذج مشرّفة وراقية عن الانحياز المطلوب للإنسانية دون فرز أو تمييز أو بحث في الايديولوجيا.

غير انه وعلى طرفي نقيض من هذا ثمة وجه آخر للعملة فهناك من انتظر طويلا حتى يعلن مواقفه المساندة للقضية الفلسطينية وقد كان واقعا تحت وطأة أبواق دعاية معادية للعرب وداعمة للكيان الصهيوني تحركها لوبيات المال ومراكز النفوذ  التي  تتحكم في مصائر الشعوب.

واستنادا للمثل القائل أن تأتي متأخرا أفضل من أن لا تأتي أصلا فإن بعض المواقف تستحق أن  نتوقف عندها وبالتحديد مواقف عدد كبير من النواب الأوروبيين سواء في البرلمان الأوروبي  أو  مجلس أوروبا الموجودين  في مدينة سترازبورغ الفرنسية.

فقد تابعنا في الفترة الأخيرة ما يمكن أن نسميه انتفاضة نواب أوروبا الذين صعّدوا لهجتهم إزاء ما يقترفه الكيان الصهيوني من جرائم وحشية في حق الفلسطينيين وأدانوا بشدة وبمنتهى الوضوح المواقف المتخاذلة للدول الأوروبية التي اختارت الصمت والمهادنة وفضلت أن تنحاز إلى الكيان الغاصب أو في أفضل الحالات اختارت أن  تقف في المنطقة الرمادية.

والواضح اليوم أن ملامح حرب إبادة تقع في فلسطين أصبحت واضحة للعيان لا لبس فيها مع دعم أمريكي  بلا قيد أو شرط خاصة مع تواصل استعمال حق الفيتو من اجل تعطيل إمكانية وقف إطلاق النار في غزة. كما أصبح التواطؤ الأوروبي مفضوحا لاسيما فرنسا وألمانيا إذ يبدو انحيازهما جليا للكيان الصهيوني مع عجز واضح للمنظمات الإنسانية الحقوقية عن القيام بأي دور من أجل إيقاف العدوان الغاشم على الفلسطينيين العزل والدفع نحو معاقبة المحتل.

وربما لأن الوحشية بلغت ذروتها نطق هؤلاء النواب الأوروبيون مطالبين قادة بلدانهم بالكف عن مساندة الصهاينة الذين هم بصدد إبادة شعب بأكمله. والملاحظ أن اغلب النواب الذين انتفضوا في البرلمان الأوروبي أو في مجلس أوروبا أو في عديد البرلمانات التابعة للاتحاد الأوروبي هم من اليسار الذي تقوم أدبياته  الفكرية كما هو معلوم على دعم الحريات وحق الشعوب في تقرير مصيرها واعتبار محاربة المحتل مقاومة وليس فعلا مجرّما.

والأكيد أننا لا نملك سوى أن نثمّن هذه المواقف المشرّفة حتى وإن أتت متأخرة لكن علينا أن نقرّ أيضا بأن عدد هؤلاء يظل أقلية بالمقارنة مع العدد الجملي للنواب الأوروبيين وبالتالي فإن تأثيرهم أقل حتما.

ومع هذا لا ينبغي أن نغفل عن  أهمية هذه الأصوات في التأثير على الرأي العام الذي تم اختطافه منذ بداية الحرب وتوجيهه بشكل يدعم الموقف الصهيوني وقد لعب الإعلام الغربي عموما والإعلام الفرنسي على وجه الخصوص دورا كبير ومحددا في هذا الخصوص.

كما أن اهمية هذا الموقف تكمن أيضا في دعوة هؤلاء النواب الصريحة الى معاقبة الكيان الصهيوني وهي قمة التصعيد وخاصة إذا علمنا أن  هذا يتزامن مع موجة مظاهرات عارمة داعمة لفلسطين تجوب أوروبا والأركان  الأربعة للعالم حيث تنامى التعاطف والدعم والمساندة للقضية الفلسطينية ربما بشكل غير مسبوق على امتداد تاريخها وهذا أبرز انجاز يمكن القول إن المقاومة الفلسطينية حققته في الآونة الأخيرة.

غير انه وفي كل الحالات علينا أن نكون عقلانيين وان ندرك أن أهمية هذه الأصوات مبدئية ومعنوية بالأساس لكن عمليا لا تستطيع أن تغير التوازنات المحكومة بالمصالح في مسار لعبة الأمم. وبالتالي فإن زعماء العالم والدول الكبرى بالتحديد هم الذين سيحددون مسارات هذه المعركة ومتى يضعون لها نقطة النهاية وانطلاق التسوية السياسية بالأثمان التي يرونها. ومع ذلك يظل شرف الانحياز إلى العدل والحرية مسألة مهمة ومبدئية تفرز الأصلي من الزائف وتسقط كل الأقنعة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

عن المنظومة التربوية مرة أخرى..

هل بدأنا نحصد ما زرعناه ومن يزرع الشوك يجني الجراح كما قال شاعرنا الخالد أبو القاسم الشابي…