2023-12-17

حين تعجز الثورة عن تحقيق أولى أهدافها: نسب البطالة مازالت تراوح مكانها.. وآفاق التشغيل تضيق أكثر..!

الشباب الذين تجاوزوا الآن العقد الثالث من أعمارهم، هم الذين كانوا يهتفون في السابع عشر من ديسمبر 2010 : شُغل / حرية / كرامة وطنية، وهم أنفسهم الذين كثيرا ما تظاهروا واعتصموا وسدّوا المنافذ أمام المؤسسات والادارات والوزارات وقطعوا حتى الطرقات وأشعلوا العجلات مطالبين بالتشغيل.

ولئن تمكنت فئات واسعة من حاملي الشهادات، ومن الخريجين والذين اشتغلوا بالنيابة وبعقود مؤقتة من الترسيم ومن الفوز بمقعد في سوق العمل، الا ان الكثيرين ايضا لم يحظوا بنفس الفرصة، وغيرهم كثيرون أيضا آثروا خوض مغامرة الهجرة و«الحرقة» وما يزال الكثيرون ينتظرون دورهم وفرصتهم في الحياة، وفي تحقيق حلم الشغل الذي وحده يحقق الكرامة الوطنية ويحافظ على الحرية.

الحكومات المتتالية بعد 14 جانفي تعاطت مع ملف التشغيل كل حسب توجهاتها واكراهات المرحلة التي حكمت فيها، ويمكن تلخيص ذلك في بعض نقاط:

ـ حكومة الباجي الاولى وحتى قبلها حكومة محمد الغنوشي التي لم تدم أكثر من أربعين يوما، تعاملتا مع ملف التشغيل من باب «الترضية واسكات الناس» فكانت القرارات الارتجالية بضخ الاموال في الجهات، وخلق مشاريع الحضائر الوهمية وشركات البستنة والبيئة والغراسات وغيرها من المشاريع التي لم يكن لها من هدف الا اسكات أكبر عدد ممكن من الشبان لاتقاء غضبهم وإبعادهم عن اعتصام القصبة وإسكات أصواتهم.

ـ حكومة النهضة خلال سنوات تعاملت مع مسألة التشغيل بمنطق فئوي، وأعطت الأولوية للمساجين السابقين ولجماعتها من حاملي الشهادات وحتى من غير الخريجين، ويقال ان كثيرين أيضا استولوا على مواطن شغل لا تخصهم، او بدون مؤهلات تمكّنهم، او حتى على مناصب كانت على ملك غيرهم، فقط من أجل اسكات جمهور عريض، ادعى فجأة أنه كان نهضاويا وانه يعاني البطالة نتيجة انتمائه وانه آن الأوان كي يسترد حقه، وكان استرداد الحقوق بإغراق الادارة والوظيفة العمومية بآلاف المنتدبين دون تثبت ودون مناظرات ودون شهائد وخبرات تكفي ليكونوا في مستوى ما يشغلونه.

ـ  حكومة الحبيب الصيد واجهت منذ يومها الاول ثورة المفروزين أمنيا والمتضررين من الصنف الثاني، اي الذين قالوا انهم لم يشتغلوا لأن قريبا لهم او فردا من عائلاتهم كان سجينا سياسيا فتأثرت البطاقة عدد2 او ما يسمى بالاسترشاد الامني وبقوا في صفوف البطّالين.

ـ  أما حكومة يوسف الشاهد فقد كانت حازمة نوعا ما في مجال التشغيل، وارادت غلق هذا الباب رضوخا لضغوطات صندوق النقد الدولي الذي كانت أولى مطالبه التقليل من حجم الاجور ومن أعداد المنتمين للوظيفة العمومية وكان قرار يوسف الشاهد الشهير بوقف الانتداب في الوظيفة العمومية والذي ما يزال ساري المفعول الى الان، ولا تُستثنى منه الا القطاعات الحساسة التي لا تحتمل فراغا او نقصا في الوظائف كالجيش والامن والصحة والتعليم.

حكومات ما بعد 2019 لم تستقر كثيرا ولم تكن لها خطط واضحة لمجابهة البطالة، وهو ما دفع أرقام العاطلين الى الارتفاع الى حدود 16.1 بالمائة من نسبة الراغبين في العمل، في سنة 2023 مقارنة بالسنوات الفارطة، وان كان البعض يعزي ذلك الى تعثر النمو والأزمة الاقتصادية والركود الذي طبع كل المجالات تقريبا الامر الذي خنق سوق الشغل ودفع نسب البطالة الى الارتفاع.

هذه النسبة التي تُعتبر مرتفعة مقارنة بعدد من الدول من ذات الوضعية التي نعيشها، تؤشر الى أمرين أساسيين: الاول اننا مازلنا نعيش وضعا اقتصاديا صعبا يعسر معه توفير مواطن شغل لمستحقيها، والثاني ان خطط التشغيل التي وقع اعتمادها منذ 14 جانفي 2011 والى غاية الان لا ترتكز على أسس علمية ولا استراتيجيات مدروسة، بل كانت في أغلبها مزاجية تتحكم فيها اكراهات السلطة وتأثيرات الضغط الاجتماعي.

ولا بد هنا من التنبيه الى ان الحلول لا يمكن ان تبقى رهينة ضغوطات الخارج أو خاضعة لإملاءات الداخل، بل يجب ان تكون استراتيجية رسمية للدولة الوطنية حتى تجابه بها صعوبات الفترات القادمة، اذ لا يمكن كسب الرهانات بشباب عاطل يتكدس في المقاهي، كما لا يمكن التعويل على الحلول العرضية كالهجرة والسوق الموازية والعقود الوقتية، لأن تلك آليات قد تشكل حلولا مؤقتة لكنها على المدى البعيد تتحول الى ألغام لا يدري أحد متى تنفجر جميعها في وجه الدولة والمجتمع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

لا بد من الرهان على الحزم الاداري والردع القانوني: الوعي المواطني وحده لا يكفي لحماية البيئة والمحيط

عادة ما يتداول التونسيون في موسم الاصطياف خصوصا، صورا ومشاهد وفيديوهات لمجموعات شبابية او …