تظاهر‭ ‬مواطنين‭ ‬تونسيين‭ ‬أمام‭ ‬علامة‭ ‬تجارية‭ ‬شهيرة‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬العاصمة‭ ‬ليس‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬نوعه‭ ‬فعلى‭ ‬امتداد‭ ‬حوالي‭ ‬شهرين‭ ‬من‭ ‬الزمن‭ ‬‭ ‬عمر‭ ‬طوفان‭ ‬الأقصى‭ ‬‭ ‬أو‭ ‬حرب‭ ‬الإبادة‭ ‬التي‭ ‬يخوضها‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬ضد‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬انخرط‭ ‬ملايين‭ ‬البشر‭ ‬حول‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬أشكال‭ ‬متعددة‭ ‬من‭ ‬الدعم‭ ‬للمقاومة‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬مقاطعة‭ ‬العلامات‭ ‬التجارية‭ ‬الكبرى‭ ‬التي‭ ‬ساندت‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬مباشر‭  ‬هذا‭ ‬الكيان‭ ‬أو‭ ‬تلك‭ ‬المملوكة‭ ‬لرجال‭ ‬أعمال‭ ‬صهاينة‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬يتبنون‭ ‬الفكر‭ ‬الصهيوني‭ ‬ويناصرونه‭ ‬وهم‭ ‬كثر‭ ‬حول‭ ‬العالم‭ ‬فكما‭ ‬نعلم‭ ‬جميعا‭ ‬اللوبي‭ ‬الصهيوني‭ ‬متغلغل‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي‭ ‬وله‭ ‬مواقع‭ ‬متقدمة‭ ‬في‭ ‬مراكز‭ ‬النفوذ‭ ‬المالي‭ ‬وبالتبعية‭ ‬السياسي‭.‬

‭ ‬والحقيقة‭ ‬أن‭ ‬المجازر‭ ‬التي‭ ‬ينام‭ ‬ويصحو‭ ‬عليها‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬هزت‭ ‬ضمير‭ ‬كل‭ ‬أحرار‭ ‬العالم‭ ‬ما‭ ‬يزيد‭ ‬عن‭ ‬الشهرين‭ ‬وكانت‭ ‬المقاطعة‭ ‬فعلا‭ ‬داعما‭ ‬ومساندا‭ ‬بكل‭ ‬قوة‭ ‬للمقاومة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬العواصم‭ ‬الغربية‭. ‬

لكن‭ ‬كيف‭ ‬تتجلى‭ ‬هذه‭ ‬المقاطعة‭ ‬في‭ ‬بلادنا‭ ‬العربية‭ ‬وفي‭ ‬تونس‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬التحديد،‭ ‬ما‭ ‬لها‭ ‬وما‭ ‬عليها‭ ‬؟‭ ‬وهل‭ ‬تكون‭ ‬سلاحا‭ ‬ذا‭ ‬حدين؟‭ ‬

لعل‭ ‬جميعنا‭ ‬تابع‭ ‬تلك‭ ‬الفيديوهات‭ ‬التي‭ ‬تظهر‭  ‬مناوشات‭ ‬بين‭ ‬مواطنين‭ ‬والتي‭ ‬ضجت‭ ‬بها‭ ‬مواقع‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭  ‬منذ‭ ‬فترة‭ ‬في‭ ‬داخل‭ ‬احد‭ ‬الفضاءات‭ ‬التجارية‭ ‬وبدا‭ ‬الخلاف‭ ‬حادا‭ ‬بين‭ ‬مواطنين‭ ‬يقتنون‭ ‬حاجياتهم‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المساحة‭ ‬التجارية‭ ‬وبين‭ ‬آخرين‭ ‬رافعين‭ ‬العلم‭ ‬الفلسطيني‭ ‬ولافتات‭ ‬مناصرة‭ ‬للمقاومة‭ ‬وتخللت‭ ‬ذلك‭ ‬شتائم‭ ‬للذين‭ ‬لم‭ ‬يقاطعوا‭ ‬هذا‭ ‬الفضاء‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬أن‭ ‬مقره‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬العواصم‭ ‬الغربية‭ ‬كان‭ ‬داعما‭ ‬للكيان‭ ‬الصهيوني‭. ‬

وحرّضت‭ ‬هذه‭ ‬الواقعة‭ ‬سجالا‭ ‬لم‭ ‬ينته‭ ‬حتى‭ ‬اليوم‭ ‬والمتابع‭ ‬للشأن‭ ‬الاقتصادي‭ ‬اليومي‭ ‬يلاحظ‭ ‬أن‭ ‬الإقبال‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬المساحة‭ ‬التجارية‭ ‬بالذات‭ ‬قد‭ ‬تراجع‭ ‬بشكل‭ ‬ملحوظ‭ ‬رغم‭ ‬أنها‭ ‬رفعت‭ ‬شعار‭ ‬دعم‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭. ‬والأمر‭ ‬نفسه‭ ‬ينطبق‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬فروع‭ ‬المطاعم‭ ‬والأكلات‭ ‬السريعة‭ ‬المعروفة‭ ‬عالميا‭ ‬إذ‭ ‬تراجع‭ ‬الإقبال‭ ‬عليها‭ ‬بشكل‭ ‬لا‭ ‬تخطئه‭ ‬العين‭.‬

والأمر‭ ‬ذاته‭ ‬ينطبق‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬المواد‭ ‬الغذائية‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬أنواع‭ ‬من‭ ‬الشكلاطة‭ ‬والقهوة‭ ‬والحلويات‭ ‬والمشروبات‭ ‬الغازية‭  ‬والقائمة‭ ‬طويلة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الصدد‭. ‬

وآخر‭ ‬المنضمين‭ ‬إلى‭ ‬القائمة‭ ‬العلامة‭ ‬التجارية‭  ‬أو‭ ‬االبرندب‭  ‬المعروف‭ ‬في‭ ‬الملابس‭ ‬الجاهزة‭ ‬والذي‭ ‬قرر‭ ‬القائمون‭ ‬عليه‭ ‬اعتماد‭ ‬عملية‭ ‬اشهارية‭ ‬مريبة‭  ‬ومثيرة‭ ‬للدهشة‭ ‬محاولين‭ ‬الاستلهام‭ ‬من‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬غزة‭ ‬مقدمين‭ ‬صورا‭ ‬لأكفان‭ ‬وجثث‭ ‬وهم‭ ‬يشهرون‭ ‬اتشكيلة‭ ‬الملابس‭ ‬الجديدةب‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬أثار‭ ‬غضب‭ ‬الشارع‭ ‬العربي‭ ‬ومن‭ ‬بينه‭ ‬الشارع‭ ‬التونسي‭ ‬مع‭ ‬دعوة‭ ‬الى‭ ‬المقاطعة‭ ‬والتظاهر‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬فعلا‭. ‬

ولعل‭ ‬من‭ ‬نتائج‭ ‬المقاطعة‭ ‬للعلامات‭ ‬التجارية‭ ‬الداعمة‭ ‬للكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬الفشل‭ ‬الذريع‭ ‬لما‭ ‬يعرف‭ ‬بـاالبلاك‭ ‬فرايديب‭ ‬في‭ ‬الدول‭  ‬الكبرى‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬وتحديدا‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬وكذلك‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭  ‬العربية‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬مصر‭ ‬حيث‭ ‬قاطع‭ ‬الزبائن‭ ‬هذه‭ ‬التظاهرة‭ ‬وكبدوا‭ ‬المحلات‭ ‬التجارية‭ ‬خسائر‭ ‬جمّة‭ ‬وهذا‭ ‬يؤكد‭ ‬أن‭ ‬المقاطعة‭ ‬تؤتي‭ ‬أكلها‭ ‬ومن‭ ‬خلالها‭ ‬يمكن‭ ‬توجيه‭ ‬ضربة‭ ‬قاصمة‭ ‬إلى‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬وكل‭ ‬من‭ ‬يدعمه‭.‬

لكن‭ ‬ثمة‭ ‬رأي‭ ‬آخر‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الخصوص‭ ‬إذ‭ ‬توجد‭ ‬فئة‭ ‬من‭ ‬دعاة‭ ‬التريث‭ ‬والعقلنة‭ ‬وعدم‭ ‬الانجرار‭ ‬وراء‭ ‬الحميّة‭ ‬والحماس‭ ‬للقضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬والتعاطف‭ ‬مع‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬دون‭ ‬التدبر‭ ‬في‭ ‬الخسائر‭ ‬التي‭ ‬ستلحق‭ ‬بالاقتصاد‭ ‬الوطني‭ ‬والأضرار‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تلحق‭ ‬بالعمال‭ ‬والموظفين‭ ‬الذين‭ ‬يعملون‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المحلات‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬فروع‭ ‬لنظيرتها‭ ‬العالمية‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬يعرف‭ ‬في‭ ‬لغة‭ ‬الاقتصاد‭ ‬بالامتياز‭ ‬التجاري‭ ‬الذي‭ ‬يمنح‭ ‬بمقتضاه‭ ‬صاحب‭ ‬العلامة‭ ‬التجارية‭ ‬إمكانية‭ ‬استغلالها‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬رجل‭ ‬أعمال‭ ‬تونسي‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬جنسية‭ ‬أخرى‭ ‬خارج‭ ‬بلد‭ ‬المنشإ‭ ‬وبالتالي‭ ‬تصبح‭ ‬تابعة‭ ‬للبلد‭ ‬الذي‭ ‬ينتمي‭ ‬له‭ ‬الحاصل‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الامتياز‭. ‬وعليه‭ ‬فإن‭ ‬أي‭ ‬ضرر‭ ‬ستخلفه‭ ‬المقاطعة‭ ‬للمنتوج‭ ‬المعروض‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬سيلحق‭ ‬مواطنين‭ ‬تونسيين‭ ‬وربما‭ ‬تعرض‭ ‬فئة‭ ‬منهم‭ ‬إلى‭ ‬البطالة‭ ‬كما‭ ‬أنهم‭ ‬لا‭ ‬علاقة‭ ‬لهم‭ ‬من‭ ‬بعيد‭ ‬أو‭ ‬قريب‭ ‬بانتماء‭  ‬صاحب‭ ‬العلامة‭ ‬التجارية‭ ‬أو‭ ‬بقناعاته‭ ‬السياسية‭ ‬أو‭ ‬دعمه‭ ‬لهذا‭ ‬الطرف‭ ‬أو‭ ‬ذاك‭.‬

والمقاطعة‭ ‬تؤتي‭ ‬أكلها‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬في‭ ‬العواصم‭ ‬الغربية‭ ‬لأن‭ ‬الضرر‭ ‬يلحق‭ ‬صاحب‭ ‬المؤسسة‭ ‬الأول‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬وآني‭. ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يدعو‭ ‬البعض‭ ‬إلى‭ ‬التفكير‭ ‬فيه‭ ‬قبل‭ ‬اعتماد‭ ‬أسلوب‭ ‬المقاطعة‭ ‬كطريقة‭ ‬لدعم‭ ‬المقاومة‭ ‬الفلسطينية‭. ‬مع‭ ‬العلم‭ ‬انه‭ ‬لا‭ ‬احد‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يزايد‭ ‬على‭ ‬التونسيين‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الخصوص‭ ‬فالموقف‭ ‬التونسي‭ ‬سواء‭ ‬الرسمي‭ ‬أو‭ ‬الشعبي‭ ‬يستحق‭ ‬التنويه‭ ‬والتثمين‭.‬

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

السيادة الغذائية رهان الجمهورية ..أيضا !

 تعيش تونس هذه الأيام ديناميكية مهمة تشمل الجانب السياسي والاقتصادي والاجتماعي ويمكن اعتما…