2023-12-15

على بعد أمتار من نهاية الشوط: انطباعات مختلفة عن استحقاق انتخابي غير مسبوق

ربما‭ ‬تكون‭ ‬خصوصية‭ ‬الحدث،‭ ‬أو‭ ‬الظرف‭ ‬الذي‭ ‬يتنزل‭ ‬فيه،‭ ‬سواء‭ ‬وطنيا‭ ‬أو‭ ‬جهويا‭ ‬ومحليا،‭ ‬وربما‭ ‬أيضا‭ ‬كثرة‭ ‬المواعيد‭ ‬التي‭ ‬ذهب‭ ‬فيها‭ ‬التونسيون‭ ‬للتصويت‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الاخيرة،‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬الاوضاع‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬التي‭ ‬تعيشها‭ ‬البلاد،‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬جعلت‭ ‬من‭ ‬السباق‭ ‬الانتخابي‭ ‬الذي‭ ‬تعيشه‭ ‬تونس‭ ‬اليوم،‭ ‬أشبه‭ ‬بأمر‭ ‬عادي‭ ‬جدا‭ ‬دون‭ ‬ان‭ ‬يتحول‭ ‬الى‭ ‬حدث‭ ‬يشغل‭ ‬الناس‭ ‬او‭ ‬يستقطب‭ ‬اهتمام‭ ‬وسائل‭ ‬الاعلام‭ ‬العالمية‭ ‬او‭ ‬يتحوّز‭ ‬على‭ ‬جزء‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬اهتمامات‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬والخارج،‭ ‬كما‭ ‬وقع‭ ‬مع‭ ‬انتخابات‭ ‬سابقة،‭ ‬لم‭ ‬يمر‭ ‬على‭ ‬بعضها‭ ‬سوى‭ ‬أشهر‭ ‬معدودات‭.‬

كثير‭ ‬من‭ ‬الذين‭ ‬تابعنا‭ ‬تدخلاتهم‭  ‬وتحليلاتهم‭ ‬يرون‭ ‬ان‭ ‬الفرق‭ ‬في‭ ‬اهمية‭ ‬الاستحقاق،‭ ‬أو‭ ‬بالاحرى‭ ‬الفرق‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬سيؤدي‭ ‬اليه‭ ‬التصويت‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬جعل‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الانتخابات‭ ‬غير‭ ‬جالبة‭ ‬للاهتمام،‭ ‬اي‭ ‬ان‭ ‬الذي‭ ‬سيفوز‭ ‬فيها‭ ‬لن‭ ‬يكون‭ ‬في‭ ‬موقع‭ ‬سلطة‭ ‬ونفوذ‭ ‬قويين‭ ‬يمكنانه‭ ‬من‭ ‬تنفيذ‭ ‬الوعود‭ ‬وقضاء‭ ‬الحاجات‭ ‬وانجاز‭ ‬المشاريع،‭ ‬بل‭ ‬سيكون‭ ‬فقط‭ ‬عضوا‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬محلي‭ ‬يجتمع‭ ‬ليتدارس‭ ‬ثم‭ ‬يقترح‭ ‬ثم‭ ‬ينتظر‭ ‬السلطات‭ ‬الاعلى‭ ‬منه‭ ‬ان‭ ‬كانت‭ ‬ستنفذ‭ ‬مقترحاته‭ ‬ام‭ ‬لا‭.‬

هذا‭ ‬الفرق‭ ‬جعل‭ ‬الرهان‭ ‬متواضعا‭ ‬نوعا‭ ‬ما،‭ ‬اضافة‭ ‬الى‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬الخمول‭ ‬المواطني‭ ‬تجاه‭ ‬عملية‭ ‬لم‭ ‬يعهدها‭ ‬من‭ ‬قبل،‭ ‬اذ‭ ‬تعلم‭ ‬الناس‭ ‬منذ‭ ‬الاستقلال‭ ‬وحتى‭ ‬ما‭ ‬قبله‭ ‬ان‭ ‬السلطات‭ ‬الجهوية‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬المحصلة‭ ‬وظائف‭ ‬سامية‭ ‬في‭ ‬الجهة،‭ ‬يقع‭ ‬تعيينها‭ ‬امن‭ ‬فوقب‭ ‬ولا‭ ‬يدري‭ ‬أحد‭ ‬متى‭ ‬تتغير‭ ‬ولا‭ ‬متى‭ ‬تبقى‭ ‬او‭ ‬تذهب،‭ ‬هي‭ ‬فقط‭ ‬خطط‭ ‬ادارية‭ ‬يأتي‭ ‬بمقتضاها‭ ‬موظفون‭ ‬في‭ ‬الاغلب‭ ‬سابقا‭ ‬لا‭ ‬يعرفهم‭ ‬أحد،‭ ‬ينفذون‭ ‬ما‭ ‬يرسمه‭ ‬المركز،‭ ‬أي‭ ‬العاصمة‭ ‬بكل‭ ‬سلطاتها‭ ‬ومراكز‭ ‬نفوذها،‭ ‬بدقة‭ ‬وتفان،‭ ‬ومن‭ ‬يخطئ‭ ‬يقع‭ ‬عزله‭ ‬او‭ ‬تغييره،‭ ‬وهكذا‭ ‬دواليك،‭ ‬ولم‭ ‬يتعود‭ ‬الناس‭ ‬ان‭ ‬ينتخبوا‭ ‬سلطات‭ ‬بديلة‭ ‬او‭ ‬موازية‭ ‬للوالي‭ ‬والمعتمد‭ ‬والعمدة،‭ ‬فهذه‭ ‬تتطلب‭ ‬كثيرا‭ ‬من‭ ‬الوقت‭ ‬والدّربة‭ ‬وكثيرا‭ ‬من‭ ‬الجهد‭ ‬لاستيعابها‭ ‬والتعود‭ ‬عليها‭.‬

كما‭ ‬ان‭ ‬المترشحين‭ ‬أنفسهم،‭ ‬لم‭ ‬تبد‭ ‬على‭ ‬كثير‭ ‬منهم‭ ‬الحماسة‭ ‬الكافية‭ ‬كما‭ ‬يحدث‭ ‬مع‭ ‬المترشحين‭ ‬لمجلس‭ ‬النواب‭ ‬مثلا،‭ ‬فلا‭ ‬مطبوعات‭ ‬كثيرة‭ ‬ولا‭ ‬مهرجانات‭ ‬خطابية‭ ‬ضخمة‭ ‬ولا‭ ‬أبواق‭ ‬ولا‭ ‬ملصقات‭ ‬وصور‭ ‬وشعارات‭ ‬ولافتات،‭ ‬هي‭ ‬فقط‭ ‬وكأنها‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬أداء‭ ‬واجب‭ ‬الاتصال‭ ‬االخجولب‭ ‬ببعض‭ ‬الناس‭ ‬من‭ ‬ابناء‭ ‬العمومة‭ ‬والاجوار‭ ‬والاهل‭ ‬والاصدقاء،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تحريضهم‭ ‬على‭ ‬التصويت‭ ‬لهذا‭ ‬المترشح،‭ ‬او‭ ‬وعود‭ ‬محتشمة‭ ‬يعطيها‭ ‬المترشحون‭ ‬للناس‭ ‬وهم‭ ‬غير‭ ‬واثقين‭ ‬ان‭ ‬كانوا‭ ‬سيقدرون‭ ‬على‭ ‬تنفيذها‭ ‬ام‭ ‬لا‭.‬

ورغم‭ ‬ان‭ ‬اياما‭ ‬فقط‭ ‬تفصلنا‭ ‬عن‭ ‬ساعة‭ ‬التصويت،‭ ‬الا‭ ‬ان‭ ‬الحملة‭ ‬لم‭ ‬تأخذ‭ ‬بعد‭ ‬الزخم‭ ‬المطلوب‭ ‬او‭ ‬الاهتمام‭ ‬اللازم‭ ‬الذي‭ ‬يجعل‭ ‬منها‭ ‬حدثا‭ ‬وطنيا‭ ‬بامتياز،‭ ‬خاصة‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الشارع‭ ‬والتجمعات‭ ‬العامة‭ ‬والمهرجانات‭ ‬الانتخابة،‭ ‬وقد‭ ‬يكون‭ ‬ذلك‭ ‬كما‭ ‬أسلفنا‭ ‬ناتجا‭ ‬عن‭ ‬عدم‭ ‬أهمية‭ ‬المناصب‭ ‬المترشح‭ ‬لها،‭ ‬او‭ ‬كذلك‭ ‬عن‭ ‬غياب‭ ‬القوى‭ ‬الحزبية‭ ‬القادرة‭ ‬على‭ ‬تحريك‭ ‬الشارع‭ ‬وخلق‭ ‬أجواء‭ ‬انتخابية‭ ‬وبثّ‭ ‬الدعاية،‭ ‬بمختلف‭ ‬أنواعها‭ ‬واشكالها،‭ ‬وايجاد‭ ‬مناخ‭ ‬منافسة‭ ‬يجعل‭ ‬المرشح‭ ‬متحفزا‭ ‬للدفاع‭ ‬عن‭ ‬برنامجه،‭ ‬ويخلق‭ ‬نوعا‭ ‬من‭ ‬التحدي‭ ‬وكثيرا‭ ‬من‭ ‬الرهانات،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬ان‭ ‬اقتصارها‭ ‬على‭ ‬مترشحين‭ ‬فرديين،‭ ‬او‭ ‬ممن‭ ‬تدعمهم‭ ‬تيارات‭ ‬مازالت‭ ‬ضعيفة‭ ‬الحضور‭ ‬جماهيريا‭ ‬في‭ ‬الاحياء‭ ‬والارياف‭ ‬وفي‭ ‬أعماق‭ ‬المدن،‭ ‬له‭ ‬تأثير‭ ‬أيضا‭ ‬على‭ ‬جعل‭ ‬المنافسة‭ ‬تكون‭ ‬نوعا‭ ‬ما‭ ‬باردة‭ ‬وغير‭ ‬ذات‭ ‬أهمية‭ ‬أو‭ ‬لا‭ ‬تمثل‭ ‬رهانا‭ ‬كبيرا‭ ‬يجب‭ ‬كسبه‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬استحقاقات‭ ‬سابقة،‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬الانتخابات‭ ‬محرارا‭ ‬لمعارك‭ ‬ايديولوجية،‭ ‬ومجالا‭ ‬لتصفية‭ ‬حسابات‭ ‬سياسية‭ ‬وتسجيل‭ ‬أهداف‭ ‬على‭ ‬خصوم‭ ‬في‭ ‬الفكر‭ ‬والانتماء‭ ‬والعقيدة‭.‬

ولا‭ ‬يمكن‭ ‬ايضا‭ ‬التغاضي‭ ‬عن‭ ‬الشكل‭ ‬المستحدث‭ ‬لهذه‭ ‬الانتخابات،‭ ‬حيث‭ ‬انها‭ ‬قانونيا‭ ‬تبدو‭ ‬معقدة‭ ‬وغامضة،‭ ‬فاضافة‭ ‬الى‭ ‬مسألة‭ ‬القُرعة‭ ‬التي‭ ‬ستجرى‭  ‬يوم‭ ‬التصويت،‭ ‬فالمجالس‭ ‬الجهوية‭ ‬نفسها‭ ‬غير‭ ‬واضحة‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬مفاصلها‭ ‬القانونية،‭ ‬اذ‭ ‬يتساءل‭ ‬كثيرون‭ ‬عن‭ ‬الجدوى‭ ‬من‭ ‬مجالس‭ ‬جهوية‭ ‬مهمتها‭ ‬فقط‭ ‬معاضدة‭ ‬قوى‭ ‬الدولة‭ ‬في‭ ‬الجهات،‭ ‬ولا‭ ‬تعتبر‭ ‬قراراتها‭ ‬ملزمة،‭ ‬بل‭ ‬نوع‭ ‬منها‭ ‬سيقع‭ ‬تجديده‭ ‬كل‭ ‬ثلاثة‭ ‬أشهر،‭ ‬والبقية‭ ‬مهددة‭ ‬بقانون‭ ‬سحب‭ ‬الوكالة‭ ‬في‭ ‬اي‭ ‬لحظة،‭ ‬كما‭ ‬ان‭ ‬تمثيليتها‭ ‬مازالت‭ ‬غير‭ ‬مفهومة‭ ‬للكثير‭ ‬ممن‭ ‬سيصوتون‭ ‬ومن‭ ‬المترشحين‭ ‬أنفسهم‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬يجدون‭ ‬في‭ ‬غالب‭ ‬الاحيان‭ ‬ما‭ ‬يجيبون‭ ‬به‭ ‬عن‭ ‬التساؤلات‭ ‬حول‭ ‬المهام‭ ‬والوظائف،‭ ‬فيلجأ‭ ‬أغلبهم‭ ‬الى‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬التنوير‭ ‬العمومي‭ ‬وتعبيد‭ ‬الطرقات‭ ‬والتعليم‭ ‬والصحة،‭ ‬والتي‭ ‬من‭ ‬المفترض‭ ‬انها‭ ‬بنية‭ ‬أساسية‭ ‬متوفرة‭ ‬منذ‭ ‬عشرات‭ ‬السنين‭ ‬ولا‭ ‬تحتاج‭ ‬الى‭ ‬مجالس‭ ‬منتخبة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬احداثها‭ ‬في‭ ‬موفى‭ ‬2023‭.‬

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

لا بد من الرهان على الحزم الاداري والردع القانوني: الوعي المواطني وحده لا يكفي لحماية البيئة والمحيط

عادة ما يتداول التونسيون في موسم الاصطياف خصوصا، صورا ومشاهد وفيديوهات لمجموعات شبابية او …