2023-12-14

بين تونس وليبيا العلاقة أكبر من أن تكون رقابية..!

غابت‭ ‬منذ‭ ‬فترة‭ ‬اللقاءات‭ ‬الرسمية‭ ‬بين‭ ‬المسؤولين‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬وليبيا‭ ‬كما‭ ‬غابت‭ ‬أخبار‭ ‬الشراكة‭ ‬والعلاقة‭ ‬بين‭ ‬البلدين‭ ‬في‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬المحلية‭ ‬فيما‭ ‬بقي‭ ‬منسوب‭ ‬الحركة‭ ‬المواطنية‭ ‬بين‭ ‬الجانبين‭ ‬صامدا‭ ‬للعديد‭ ‬من‭ ‬الاعتبارات‭ ‬التاريخية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والصحية‭ ‬والتعليمية‭ ‬وغيرها‭. ‬

ولعل‭ ‬أكثر‭ ‬العبارات‭ ‬التي‭ ‬افتقدناها‭ ‬خلال‭ ‬الفترة‭ ‬الماضية‭ ‬هي‭ ‬أننا‭ ‬إزاء‭ ‬اشعب‭ ‬واحد‭ ‬في‭ ‬دولتينب‭ ‬وان‭ ‬اأمن‭ ‬تونس‭ ‬من‭ ‬أمن‭ ‬ليبيا‭ ‬وأمن‭ ‬ليبيا‭ ‬من‭ ‬أمن‭ ‬تونسب‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الجمل‭ ‬الرنّانة‭ ‬التي‭ ‬تنبع‭ ‬حقيقة‭ ‬من‭ ‬الأعماق‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان‭ ‬لكنها‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يبدو‭ ‬كانت‭ ‬بروتوكولية‭ ‬وشكلية‭ ‬في‭ ‬أحيان‭ ‬كثيرة‭ ‬أخرى‭.. ‬

نهاية‭ ‬الأسبوع‭ ‬الماضي‭ ‬ومطلع‭ ‬الأسبوع‭ ‬الجاري،‭ ‬عادت‭ ‬الحرارة‭ ‬الى‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬البلدين‭ ‬وجرى‭ ‬لقاء‭ ‬أول‭ ‬داخل‭ ‬مجلس‭ ‬نواب‭ ‬الشعب‭ ‬أين‭ ‬استقبل‭ ‬نائب‭ ‬رئيس‭ ‬البرلمان‭ ‬التونسي‭ ‬القائم‭ ‬بالأعمال‭ ‬بالنيابة‭ ‬بسفارة‭ ‬دولة‭ ‬ليبيا‭ ‬بتونس،‭ ‬وجرى‭ ‬اللقاء‭ ‬الثاني‭ ‬بمعبر‭ ‬رأس‭ ‬الجدير‭ ‬الحدودي‭ ‬بين‭ ‬وزير‭ ‬الداخلية‭ ‬كمال‭ ‬الفقي‭ ‬ونظيره‭ ‬الليبي‭ ‬عماد‭ ‬طرابلسي‭ ‬وعقدا‭ ‬معا‭ ‬مؤتمرا‭ ‬صحفيا‭ ‬أكدا‭ ‬فيه‭ ‬الاستعداد‭ ‬المشترك‭ ‬لتطوير‭ ‬عمل‭ ‬الأجهزة‭ ‬الرقابية‭ ‬داخل‭ ‬المعبر‭ ‬واتخاذ‭ ‬كل‭ ‬الإجراءات‭ ‬لتسهيل‭ ‬حركة‭ ‬المسافرين‭ ‬والبضائع‭ ‬والشاحنات‭ ‬التجارية‭.‬

إن‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬تونس‭ ‬وليبيا‭ ‬هي‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬نختزلها‭ ‬في‭ ‬الجانب‭ ‬الأمني‭ ‬على‭ ‬أهميته‭ ‬فقد‭ ‬عرفت‭ ‬سنوات‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬2011‭ ‬انفلاتا‭ ‬كبيرا‭ ‬سمح‭ ‬بضرب‭ ‬أمن‭ ‬البلدين‭ ‬في‭ ‬مقتل،‭ ‬وأصبحت‭ ‬الحدود‭ ‬للأسف‭ ‬مصدرا‭ ‬للقلق‭ ‬للجانبين‭ ‬فموجة‭ ‬ما‭ ‬يعرف‭ ‬بالتسفير‭ ‬إلى‭ ‬بؤر‭ ‬التوتر‭ ‬كانت‭ ‬تنطلق‭ ‬من‭ ‬بلادنا‭ ‬نحو‭ ‬ليبيا‭ ‬ومنها‭ ‬الى‭ ‬تركيا‭ ‬وبعدها‭ ‬الى‭ ‬سوريا‭ ‬والعراق‭ ‬دون‭ ‬ان‭ ‬ننسى‭ ‬هروب‭ ‬العناصر‭ ‬المطلوبة‭ ‬للعدالة‭ ‬وخاصة‭ ‬منهم‭ ‬المشتبه‭ ‬بهم‭ ‬والمورطين‭ ‬في‭ ‬القضايا‭ ‬الإرهابية‭. ‬

وفي‭ ‬المقابل‭ ‬كان‭ ‬االعائدونب‭ ‬والحالمون‭ ‬الواهمون‭ ‬بتأسيس‭ ‬الإمارات‭ ‬على‭ ‬أرضنا‭ ‬بمثابة‭ ‬القنابل‭ ‬الموقوتة‭ ‬التي‭ ‬تواطأت‭ ‬جهات‭ ‬داخلية‭ ‬معها‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬زعزعة‭ ‬استقرار‭ ‬تونس‭ ‬ومحيطها‭ ‬وخلط‭ ‬أوراق‭ ‬السياسة‭ ‬والهيمنة‭ ‬على‭ ‬البلاد‭ ‬والعباد‭. ‬

والحقيقة‭ ‬الثابتة‭ ‬اليوم،‭ ‬هو‭ ‬انه‭ ‬رغم‭ ‬الهزات‭ ‬ورغم‭ ‬الثغرات‭ ‬ورغم‭ ‬تورط‭ ‬بعض‭ ‬الأبناء‭ ‬الضّالين‭ ‬في‭ ‬البلدين‭ ‬في‭ ‬الإساءة‭ ‬للجانبين‭ ‬والشعبين،‭ ‬فان‭ ‬حبل‭ ‬الود‭ ‬لم‭ ‬ينقطع‭ ‬وهبّة‭ ‬التونسيين‭ ‬لاستقبال‭ ‬أشقائهم‭ ‬الليبيين‭ ‬بين‭ ‬2011‭ ‬و2012‭ ‬ما‭ ‬تزال‭ ‬في‭ ‬البال‭ ‬وكذلك‭ ‬استمرار‭ ‬العلاقات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والتجارية‭ ‬المثمرة‭ ‬والبناءة‭ ‬ولو‭ ‬بشكل‭ ‬محدود‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الحالات،‭ ‬وفي‭ ‬حالات‭ ‬أخرى‭ ‬شبه‭ ‬منعدمة‭ ‬نتيجة‭ ‬تدخلات‭ ‬خارجية‭ ‬أو‭ ‬حسابات‭ ‬داخلية‭ ‬خاطئة‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬مقبولة‭ ‬بكل‭ ‬المقاييس‭.‬

لقد‭ ‬أهدر‭ ‬الشعبان‭ ‬كثيرا‭ ‬من‭ ‬الوقت‭ ‬وكثيرا‭ ‬من‭ ‬إمكانيات‭ ‬النهوض‭ ‬بالأوضاع‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬في‭ ‬البلدين،‭ ‬ولئن‭ ‬كانت‭ ‬المسؤولية‭ ‬مشتركة‭ ‬وعامة‭ ‬فان‭ ‬السلط‭ ‬في‭ ‬البلدين‭ ‬تتحمل‭ ‬نصيب‭ ‬الأسد‭ ‬منها‭ ‬كما‭ ‬يقال‭..‬

وفي‭ ‬هذا‭ ‬الإطار‭ ‬يطرح‭ ‬المتابعون‭ ‬للعلاقات‭ ‬بين‭ ‬البلدين‭ ‬سؤالا‭ ‬وجيها‭ ‬حول‭ ‬حضور‭ ‬تونس‭ ‬في‭ ‬الشقيقة‭ ‬ليبيا‭ ‬ونصيبها‭ ‬من‭ ‬مشاريع‭ ‬إعادة‭ ‬الإعمار‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬تهرول‭ ‬فيه‭ ‬دول‭ ‬أخرى‭ ‬لابتزاز‭ ‬الشعب‭ ‬الليبي‭ ‬والاستئثار‭ ‬بثرواته‭ ‬والتأثير‭ ‬في‭ ‬خياراته‭ ‬السياسية‭ ‬الوطنية‭ ‬تحت‭ ‬يافطة‭ ‬الدعم‭ ‬الأخوي‭ ‬المغشوش‭.‬

في‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته‭ ‬يثير‭ ‬تردد‭ ‬السلطات‭ ‬الليبية‭ ‬في‭ ‬التقدم‭ ‬بالشراكة‭ ‬مع‭ ‬تونس‭ ‬كثيرا‭ ‬من‭ ‬الاستغراب‭ ‬لان‭ ‬الأمر‭ ‬لا‭ ‬يتعلق‭ ‬فقط‭ ‬كما‭ ‬أسلفنا‭ ‬بالجانب‭ ‬الأمني‭ ‬والرقابي‭ ‬وإنما‭ ‬أيضا‭ ‬بالجوانب‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والتجارية‭ ‬وغيرها‭ ‬وضرورة‭ ‬الإقدام‭ ‬على‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬المجالات‭.‬

لقد‭ ‬استبشر‭ ‬التونسيون‭ ‬والليبيون‭ ‬كثيرا‭ ‬بعودةحركة‭ ‬الطيران‭ ‬بين‭ ‬البلدين‭ ‬وحتى‭ ‬حركة‭ ‬البواخر‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬حركة‭ ‬السير‭ ‬عبر‭ ‬الطرقات‭ ‬لكن‭ ‬الحمائية‭ ‬المفرطة‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يبدو‭ ‬تحول‭ ‬دون‭ ‬الاستمرار‭ ‬والتقدم،‭ ‬والأمل‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يسمح‭ ‬هذا‭ ‬الجهد‭ ‬الرقابي‭ ‬في‭ ‬تأمين‭ ‬الحدود‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تركيز‭ ‬كاميرات‭ ‬المراقبة‭ ‬وتفعيل‭ ‬دور‭ ‬المعابر‭ ‬الرسمية‭ ‬بالوصول‭ ‬الى‭ ‬حلول‭ ‬جذرية‭ ‬ونهائية‭ ‬لأشكال‭ ‬الاكتظاظ‭ ‬ومعالجة‭ ‬عدة‭ ‬قضايا‭ ‬تهم‭ ‬التهريب‭ ‬والاتجار‭ ‬بالبشر‭ ‬والمخدرات‭ ‬وكل‭ ‬أشكال‭ ‬الجريمة‭ ‬المنظمة‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تهدّد‭ ‬البلدين‭.‬

صحيح‭ ‬أن‭ ‬المناخ‭ ‬السياسي‭ ‬المتلبّد‭ ‬في‭ ‬البلدين‭ ‬والأزمات‭ ‬المركّبة‭ ‬فيهما‭ ‬تعيقان‭ ‬التقدم‭ ‬وتعزيز‭ ‬الشراكة‭ ‬لكن‭ ‬قدر‭ ‬تونس‭ ‬وليبيا‭ ‬وقدر‭ ‬الشعبين‭ ‬الشقيقين‭ ‬النهوض‭ ‬والتفطن‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الوقت‭ ‬ينفد‭ ‬وأن‭ ‬الأيادي‭ ‬المرتعشة‭ ‬لا‭ ‬تكتب‭ ‬التاريخ‭ ‬ولا‭ ‬تحرّك‭ ‬الجغرافيا‭. ‬

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

لتحقيق التنمية الاقتصادية، السلم الاجتماعي والإشعاع الدولي : التونسيون بالخارج طرف رئيسي في المعادلة

كشف مدير عام ديوان التونسيين بالخارج خلال شهر مارس الماضي أن عدد الجالية التونسية بالخارج …