نوّاب الشعب يصادقون على أوّل ميزانية وقانون مالية لهم لسنة 2024 : هل كان بالإمكان أفضل مما كان؟
على أنغام النشيد الوطني وبابتسامات عريضة وحرص فردي على تخليد اللحظة التاريخية بالصور التذكارية واالسلفياتب ورفع شارة النصر، أجل شارة النصر، أنجز نواب الشعب االجددب ما جرت به العادة والعرف والقانون وما هو مطلوب منهم في مثل هذه الفترة من كل عام وصادقوا بأغلبية مريحة لفائدة قانون المالية لسنة 2024 بـ116 صوت مع و4 أصوات ضد واحتفاظ 26 نائبا بأصواتهم بعد أن صادقوا خلال ماراطون من النقاشات على ميزانيات مختلف المهمّات والوظائف في الدولة في إطار ميزانية العام 2024 أيضا.
وكما هو معلوم فقد انطلق مجلس نواب الشعب الجديد في النظر في مشروع ميزانية الدولة ومشروع قانون المالية لسنة 24 منذ 17 نوفمبر المنقضي فيما تواصلت المداولات بشان قانون المالية منذ 6 ديسمبر 2023. هذا وقد تميّز افتتاح ماراطون المناقشة بحضور رئيس الحكومة احمد الحشاني وكلمته التي أذابت كل الجليد المتراكم بين القصبة وباردو وبين الوظيفة التنفيذية بشكل عام والوظيفة التشريعية، وكان الرجل مرنا ولطيفا وواقعيا وهزليا لدرجة ضمن فيها تعاطف النواب وحتى جمهور المشاهدين داخل تونس وخارجها.
وللأسف لم تكن كلمة رئيس الحكومة على أهميتها من زاوية التطبيع مع نواب الشعب في مستوى انتظارات التونسيين. فهي لم تقدم إجابات كبرى حول منوال التنمية مثلا أو طرق تعبئة ودعم موارد ميزانية العام الجديد، وخاصة عدم التركيز على المناخ الاجتماعي والسياسي الذي يتسم بكثير من الاحتقان صراحة، ويقلق في جانب كبير السلم الأهلي باعتبار أن ما صار واضحا اليوم في الميزانية وفي قانون المالية فيه كثير من المخاطر التي توقّف عندها طيف واسع من المختصين ومن المعنيين بالشأن العام سواء منه الاقتصادي أو السياسي أو الاجتماعي.
نقاط إيجابية
وحتى نعطي لكل حق حقه، يمكن القول أن نواب الشعب الجدد نجحوا في أول امتحان لهم في تمرير ميزانية العام الجديد، وقد اعترف الكثير منهم بأن الامتحان لم يكن يسيرا وبأنهم تعلّموا الكثير من هذه التجربة وأنهم سيقومون بالمراجعات الضرورية في المستقبل.
ثانيا، لا يمكن في قراءة أولى سواء للنصوص المعتمدة أو للنقاش العام الذي فاخر رئيس البرلمان انه استنزف الساعات الطوال، أن ننكر التركيز الكبير على الدور الاجتماعي للدولة وهذا أمر محمود. فتونس مثلها مثل كل الدول التابعة أو الدائرة في فلك الرأسمالية والعالم الحر، مهددة بضرب دور الدولة الاجتماعي بحجة تحرير المبادرة، التي أثبت التاريخ والواقع غياب أصحابها وربما خوفهم وحرصهم المبالغ فيه على عدم الاستثمار والمغامرة في بلد يغيب فيه الاستقرار وتطول فيه المراحل الانتقالية وتغيير منظومات الحكم.
ثالثا شعار آخر بارز ظهر في الميزانية الجديدة، وهو التعويل على الذات، وهو خيار وطني سيادي متقدم ولا جدال فيه، غير أن طرحه بالشكل الذي تم به يضع النواب أولا أصحاب الوظيفة التشريعية إلى جانب أصحاب الوظيفة التنفيذية أمام امتحان أصعب وهو عدم إرهاق وإثقال كاهل المواطن الذي سيجد نفسه مضطرا لدفع فاتورة التعويل على الذات في الوقت الذي نتحدث فيه عن عولمة اقتصادية وعن شركات دولية وعن مصلحة مشتركة مع الدول والمؤسسات المالية. والخطر يكمن أيضا في المستقبل، في حالة اضطرارنا للإنكماش والانغلاق والعزلة في الوقت الذي تتقلص فيه سبل التعويل على الذات. فالبلاد كما هو معلوم فقيرة ولا وجود فيها لثروات طبيعية كبرى، دون أن ننسى تركات السنوات التي تلت ملحمة 14 جانفي 2011 غير المكتملة برمّتها.
رابعا، ليس سرّا أن التحدّي الرئيسي أمام الوظيفة التنفيذية اليوم هو تعبئة الموارد رغم الإصلاحات الجبائية التي تضمنها القانون. فالعادة جرت أن يكون التداين بشقيه الخارجي والداخلي حجر الزاوية في المعادلة المالية للدولة. وبما أن التداين الخارجي أصبح على ما يبدو غاية صعبة المنال، فان إثقال البلاد بالتداين الداخلي وما يشكله وفق المختصين من خطر دائم على الاستثمار وعلى تحريك عجلة الاقتصاد وعلى تهرئة القدرة الشرائية للمواطن التونسي، يفرض على أهل الحل والعقد في منظومة الحكم القائمة اليوم تحت يافطة 25 جويلية 2021 أن تقدم للتونسيين الحلول التي تغير واقعهم نحو الأفضل وتضمن لهم العيش الكريم، خصوصا وان سقف الشعارات مرتفع للغاية. وبالتالي يجب أن يتماهى ذلك مع سقف الانجازات حتى لا تبقى الفجوة عميقة بين القول والفعل.
صعوبات بالجملة
وفي هذا الصدد أيضا لا نخال أن ملف الأموال المنهوبة يمكن أن يتقدم في السنة القادمة حتى ينقذ ما يمكن إنقاذه، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الصلح الجزائي. فالمسألة جد معقدة وامقاومةب رجال الأعمال المشتبه بهم أو المعنيين بالصلح الجزائي، والذين يقبع بعضهم في السجن الآن يصعب عمليا ترتيب الصلح معهم وتحويل الأموال والشروع في الانجاز. ونفس الأمر حتى بالنسبة إلى ملف الانتدابات العشوائية المخالفة للقانون، التي حصلت بعد 2011 فهي وان كان بالإمكان أن تطعم الميزانية، فهي ستخلق دون شك مشكلات اجتماعية وسياسية وحتى جهوية باعتبار أن ما حصل من انتدابات امضروبةب كما يقول التونسيون خضعت في جانب منها للبعد السياسي وللبعد العائلي أيضا والبعد القبلي أو العشائري. وبالتالي فان المساس بهذه الشريحة الكبيرة من التونسيين لن تمر مرور الكرام. وسنجد أنفسنا فوق كل ذلك أمام تحدّ أخلاقي، باعتبار أن البعض منهم قد عدّل عقارب حياته وأسس مشروعا واستقرارا عائليا، ربما لم يعد بالإمكان ضربه. دون أن ننسى ضرورة محاسبة من تسبب في هذه الانتدابات بنفس الدرجة وربما أكثر ممن استفاد منها عبر التوظيف.
خامسا، وفي علاقة بالعيش الكريم دائما، لا يمكن أن نتجاهل أن ما صادق عليه نواب الشعب في ظاهره ثوري وسيادي وإنساني، يأخذ بعين الاعتبار احتياجات عموم التونسيين غير أننا نكتشف بسهولة أن ما نسميه بالتمرير الناعم للإصلاحات الكبرى التي أملتها الضرورة عبر المؤسسات المالية والدول الصديقة والشريكة موجود وبقوة. فالالتزام بتقليص كتلة الأجور سواء بمواصلة وقف الانتدابات أو التشجيع على التقاعد المبكر ما يزال قائما. وكذلك الأمر بالنسبة إلى معضلة الدعم الذي لم يُرفع في النصوص لكنه رفع في الواقع، بما أن النقص الحاد في المواد الأساسية المدعومة، والتي هي حكر خاص للدولة ضرب من ضروب رفع الدعم بطريقة غير مباشرة فالمواطن التونسي اليوم مضطر لشراء الخبز الرفيع بسبب غياب الطحين المدعوم على سبيل المثال وكذلك الأمر بالنسبة إلى ازيت الحاكمب.
سؤال الحقيقة
سادسا وبقطع النظر عن الموقف من 25 جويلية باعتبار أن الموجودين داخل المجلس هم من المنخرطين فيه، سواء عبر المساندة المطلقة أو المساندة النقدية، وكان من بين أهداف وشعارات تصحيح مسار الثورة لتتناغم مع الانفجار الثوري تغيير منوال التنمية وهو ما لم يتضمنه قانون المالية الجديد صراحة، ولا ندري إن كان إرساء الشركات الأهلية على سبيل المثال منوال تنمية حسب أنصار الرئيس.. !
هل كان بالإمكان إذن أفضل مما كان؟
سؤال ستجيب عنه الأيام القادمة وستؤكد بالضرورة إما صواب ما أنجزه نواب الشعب الجدد في أول امتحان جدي لهم، أو صواب خصومهم، وبالتالي خصوم 25 جويلية 2021. باعتبار أن الأمر يتعلق كما قال رئيس البرلمان إبراهيم بودربالة في اختتام أشغال النظر في مشروع ميزانية الدولة ومشروع قانون المالية لسنة 2024 بالحرص على قيام المؤسسة التشريعية بكل أعمالها، في إطار التناغم والتعاون بين الوظيفتين التنفيذية والتشريعية وتقديم صورة جديدة للنواب الجدد مخالفة لأسلافهم.
تحتاج الى أكثر من زيارة غير معلنة.. حال مراكز التكوين المهني ليست على ما يرام
كشفت الصفحة الرسمية لوزارة التشغيل والتكوين المهني أن الوزير رياض شوّد أدّى الاربعاء الماض…