2023-12-11

مسؤولة عن كل عمليات التفويت في الملك المصادر وتشوبها عديد التساؤلات: هل تكون الكرامة القابضة «أم المعارك» في مكافحة الفساد؟

يبدو‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الخطاب‭ ‬السياسي‭ ‬لأعلى‭ ‬هرم‭ ‬السلطة،‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬المسارعة‭ ‬أيضا‭ ‬بفتح‭ ‬تحقيق‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬وكالة‭ ‬الجمهورية‭ ‬بالمحكمة‭ ‬الابتدائية‭ ‬بتونس،‭ ‬أن‭ ‬ملف‭ ‬شركة‭ ‬الكرامة‭ ‬القابضة‭ ‬تنتظره‭ ‬تطورات‭ ‬هامة‭ ‬في‭ ‬قادم‭ ‬الأيام‭. ‬ويبدو‭ ‬ان‭ ‬كثيرا‭ ‬من‭ ‬الحقائق‭ ‬ستنكشف‭ ‬للرأي‭ ‬العام،‭ ‬وان‭ ‬كثيرا‭ ‬من‭ ‬الأسئلة‭ ‬والتهم‭ ‬والتبريرات‭ ‬أيضا‭ ‬ستقع‭ ‬الإجابة‭ ‬عنها،‭ ‬إن‭ ‬سارت‭ ‬التحقيقات‭ ‬وفق‭ ‬منهجية‭ ‬صحيحة‭ ‬ولم‭ ‬تتدخل‭ ‬فيها‭ ‬أياد‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تحيد‭ ‬بها‭ ‬عن‭ ‬مسارها‭ ‬الحقيقي‭.‬

ولا‭ ‬يمكن‭ ‬لأحد‭ ‬أن‭ ‬يستهين‭ ‬بالكرامة‭ ‬القابضة‭ ‬أو‭ ‬يعتبر‭ ‬أن‭ ‬ملفها‭ ‬قد‭ ‬حُلّ‭ ‬بمجرد‭ ‬فتح‭ ‬تحقيق‭ ‬أو‭ ‬تسخير‭ ‬إنابات‭ ‬عدلية‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬بمجرد‭ ‬الاستماع‭ ‬إلى‭ ‬خطاب‭ ‬الرئيس‭ ‬حولها،‭ ‬بل‭ ‬العكس‭ ‬فالآن‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬أن‭ ‬المعركة‭ ‬قد‭ ‬بدأت‭. ‬فهذه‭ ‬المؤسسة‭ ‬ليست‭ ‬سهلة‭ ‬وليست‭ ‬بسيطة‭ ‬حتى‭ ‬تُطوى‭ ‬ملفاتها‭ ‬في‭ ‬جلسة‭ ‬أو‭ ‬اثنتين‭ ‬بل‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬أنها‭ ‬ستكون‭ ‬فعلا‭ ‬أم‭ ‬المعارك‭ ‬في‭ ‬المسار‭ ‬الذي‭ ‬يسمى‭ ‬مكافحة‭ ‬الفساد‭.‬

بداية‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬وضع‭ ‬شركة‭ ‬الكرامة‭ ‬القابضة‭ ‬في‭ ‬اطارها‭ ‬االتاريخيب‭ ‬الحقيقي‭. ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬منذ‭ ‬تأسيسها‭ ‬احوازةب‭ ‬خاصة‭ ‬بفئة‭ ‬معينة‭ ‬من‭ ‬القضاة،‭ ‬وهم‭ ‬من‭ ‬الأسماء‭ ‬المرموقة‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬القضاء،‭ ‬وخاصة‭ ‬من‭ ‬المحيطين‭ ‬بجمعية‭ ‬القضاة،‭ ‬ومن‭ ‬الذين‭ ‬اشتهروا‭ ‬بمعارضتهم‭ ‬الشرسة‭ ‬لنظام‭ ‬الرئيس‭ ‬الأسبق‭ ‬زين‭ ‬العابدين‭ ‬بن‭ ‬علي،‭ ‬والذين‭ ‬تولوا‭ ‬الإمساك‭ ‬بشركة‭ ‬الكرامة‭ ‬القابضة،‭ ‬وتداولوا‭ ‬على‭ ‬المسؤوليات‭ ‬في‭ ‬داخلها‭ ‬معتبرينها‭ ‬ريعا‭ ‬خاصا‭ ‬بهم‭. ‬ولم‭ ‬يُسمح‭ ‬لأحد‭ ‬غيرهم‭ ‬الاقتراب‭ ‬منها‭ ‬أو‭ ‬الاطلاع‭ ‬على‭ ‬أعمالها‭. ‬وهذه‭ ‬الفئة‭ ‬من‭ ‬القضاة،‭ ‬وزّعت‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬غنائم‭ ‬الكرامة‭ ‬القابضة‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬بينها‭ ‬وأحالت‭ ‬العشرات‭ ‬من‭ ‬القضاة‭ ‬على‭ ‬العمل‭ ‬كملحقين‭ ‬ومسؤولين‭ ‬ومتصرفين‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الشركة،‭ ‬وأفرغوا‭ ‬حتى‭ ‬محاكم‭ ‬كثيرة‭ ‬من‭ ‬إطاراتها‭ ‬للاستعانة‭ ‬بهم‭ ‬في‭ ‬الإشراف‭ ‬على‭ ‬الشركة‭ ‬وفي‭ ‬التصرف‭ ‬في‭ ‬إمكانياتها‭ ‬والإشراف‭ ‬على‭ ‬عمليات‭ ‬التفويت‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تقوم‭ ‬بها‭.‬

البعض‭ ‬من‭ ‬القضاة‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬السنوات‭ ‬الأولى‭ ‬للثورة‭ ‬كانوا‭ ‬يعتبرون‭ ‬أنه‭ ‬محظوظ‭ ‬جدا‭ ‬من‭ ‬عيّن‭ ‬للعمل‭ ‬في‭ ‬الكرامة‭ ‬القابضة‭ ‬او‭ ‬تم‭ ‬تعيينه‭ ‬متصرفا‭ ‬قضائيا‭ ‬على‭ ‬رأس‭ ‬إحدى‭ ‬الشركات‭ ‬المصادرة‭. ‬ويعتبرون‭ ‬ذلك‭ ‬مكسبا‭ ‬لا‭ ‬مثيل‭ ‬له،‭ ‬بل‭ ‬فيهم‭ ‬من‭ ‬حاول‭ ‬بوسائل‭ ‬شتى‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تحصيل‭ ‬منصب‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬القبيل‭. ‬وتحولت‭ ‬بذلك‭ ‬القيمة‭ ‬السامية‭ ‬لتصفية‭ ‬تركة‭ ‬النظام‭ ‬السابق‭ ‬والتفريط‭ ‬في‭ ‬الأملاك‭ ‬التي‭ ‬استولى‭ ‬عليها‭ ‬بعض‭ ‬الأقارب‭ ‬والحاشية،‭ ‬وإرجاعها‭ ‬إلى‭ ‬ملكية‭ ‬الشعب‭ ‬التونسي،‭ ‬إلى‭ ‬غنيمة‭ ‬لا‭ ‬تقل‭ ‬فسادا‭ ‬عما‭ ‬قامت‭ ‬به‭ ‬الحاشية،‭ ‬والى‭ ‬ريع‭ ‬تقاسمته‭ ‬فئة‭ ‬معينة‭ ‬من‭ ‬القضاة‭ ‬ومن‭ ‬الحاذقين‭ ‬جدا‭ ‬في‭ ‬اللعب‭ ‬على‭ ‬أوتار‭ ‬القانون‭.‬

بداية‭ ‬الخيط‭ ‬كانت‭ ‬بإيقاف‭ ‬أحد‭ ‬رجال‭ ‬الأعمال‭ ‬في‭ ‬مطار‭ ‬تونس‭ ‬قرطاج،‭ ‬وإحالته‭ ‬على‭ ‬النيابة‭ ‬العمومية‭ ‬حيث‭ ‬تبين‭ ‬انه‭ ‬قد‭ ‬اشترى‭ ‬في‭ ‬سنة‭ ‬2012‭ ‬من‭ ‬الأملاك‭ ‬المصادرة‭ ‬سبع‭ ‬سيارات‭ ‬رئاسية‭ ‬فخمة‭ ‬بقيمة‭ ‬جملية‭ ‬لا‭ ‬تصلح‭ ‬حتى‭ ‬لشراء‭ ‬عربة‭ ‬مجرورة‭. ‬ويبدو‭ ‬أن‭ ‬التحقيق‭ ‬معه‭ ‬قد‭ ‬أوصل‭ ‬الى‭ ‬خيوط‭ ‬غاية‭ ‬في‭ ‬التعقيد‭ ‬وتصرفات‭ ‬لا‭ ‬تقل‭ ‬غرابة‭ ‬عن‭ ‬أفلام‭ ‬المافيات،‭ ‬في‭ ‬كيفية‭ ‬انتهاك‭ ‬تلك‭ ‬الممتلكات‭ ‬والتصرف‭ ‬فيها‭ ‬بالتحوير‭ ‬والتخريب‭ ‬حتى‭ ‬تفقد‭ ‬قيمتها،‭ ‬أو‭ ‬ركنها‭ ‬في‭ ‬المستودعات‭ ‬إلى‭ ‬حين‭ ‬خفض‭ ‬سعرها‭ ‬إلى‭ ‬أبخس‭ ‬الأثمان‭. ‬ومن‭ ‬ثمة‭ ‬بيعها‭ ‬إلى‭ ‬الأقارب‭ ‬والمحاسبين‭ ‬والذين‭ ‬ايكرمونب‭ ‬جيدا‭ ‬القائمين‭ ‬على‭ ‬عمليات‭ ‬التفويت،‭ ‬التي‭ ‬تتم‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬من‭ ‬االشفافيةب‭ ‬التامة‭ ‬وتقع‭ ‬المزايدة‭ ‬عليها‭ ‬أمام‭ ‬الجميع،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬وراء‭ ‬الكواليس‭ ‬أمر‭ ‬تشيب‭ ‬لهوله‭ ‬الولدان‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬العرب‭.‬

لم‭ ‬يقف‭ ‬الفساد‭ ‬داخل‭ ‬الكرامة‭ ‬القابضة‭ ‬في‭ ‬سوء‭ ‬التصرف‭ ‬في‭ ‬الأملاك‭ ‬المصادرة‭ ‬وتركها‭ ‬عرضة‭ ‬للإهمال‭ ‬والتخريب‭ ‬وتحت‭ ‬تصرف‭ ‬لوبيات‭ ‬السرقة‭ ‬والإثراء‭ ‬غير‭ ‬المشروع‭. ‬بل‭ ‬تجاوزه‭ ‬إلى‭ ‬رسوم‭ ‬الأجور‭ ‬والجرايات‭ ‬التي‭ ‬منحوها‭ ‬لأنفسهم‭ ‬بموجب‭ ‬قوانين‭ ‬مبهمة،‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬أحد‭ ‬من‭ ‬وضعها‭ ‬ولا‭ ‬كيف‭ ‬وضعت،‭ ‬وأغدقوا‭ ‬على‭ ‬أنفسهم‭ ‬رواتب‭ ‬وامتيازات‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬الخيال‭ ‬منها‭ ‬إلى‭ ‬الواقع‭ ‬الذي‭ ‬يمكن‭ ‬تخيله،‭ ‬وتحولوا‭ ‬في‭ ‬ليلة‭ ‬وضحاها‭ ‬إلى‭ ‬طبقة‭ ‬من‭ ‬الأثرياء‭. ‬وتشهد‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬منازلهم‭ ‬بل‭ ‬قصورهم‭ ‬الفخمة،‭ ‬التي‭ ‬يعرف‭ ‬الجميع‭ ‬في‭ ‬ولايتي‭ ‬منوبة‭ ‬وبنزرت‭ ‬بالخصوص،‭ ‬قيمتها‭ ‬وكيف‭ ‬ومتى‭ ‬وقع‭ ‬تشييدها‭.‬

رئيس‭ ‬الدولة‭ ‬يبدو‭ ‬انه‭ ‬قد‭ ‬تناول‭ ‬الملف‭ ‬وفتحه‭ ‬على‭ ‬مكتبه‭ ‬كأولوية،‭ ‬ولا‭ ‬أدل‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬مسارعة‭ ‬النيابة‭ ‬العمومية‭ ‬لفتح‭ ‬تحقيق‭ ‬في‭ ‬الغرض،‭ ‬ومن‭ ‬خطابه‭ ‬القوي‭ ‬أيضا‭ ‬أمام‭ ‬السيدة‭ ‬وزيرة‭ ‬العدل‭. ‬وهذا‭ ‬الملف‭ ‬إن‭ ‬فتح‭ ‬سيكشف‭ ‬للرأي‭ ‬العام‭ ‬عن‭ ‬مآس‭ ‬وفاجعات‭ ‬لحقت‭ ‬بالملك‭ ‬المصادر،‭ ‬وسيكشف‭ ‬بالخصوص‭ ‬عن‭ ‬الأقنعة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تتستر‭ ‬بها‭ ‬اوجوه‭ ‬حقوقيةب‭ ‬ظنّ‭ ‬الكثيرون‭ ‬طويلا‭ ‬أنها‭ ‬وجوه‭ ‬عدالة‭ ‬ووجوه‭ ‬حقيقة‭ ‬وحقّ‭.‬

وهذا‭ ‬الملف‭ ‬ليس‭ ‬سهلا‭ ‬بل‭ ‬معقّد‭. ‬والأطراف‭ ‬القائمة‭ ‬عليه‭ ‬ليست‭ ‬هيّنة‭ ‬ولن‭ ‬تفرّط‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬تمكنت‭ ‬من‭ ‬الاستيلاء‭ ‬عليه‭ ‬بسهولة،‭ ‬وحصّنت‭ ‬نفسها‭ ‬جيدا‭ ‬وتعرف‭ ‬كيف‭ ‬ستدافع‭ ‬على‭ ‬نفوذها‭ ‬ومصالحها‭. ‬وبالتالي‭ ‬فان‭ ‬معركة‭ ‬الكرامة‭ ‬القابضة‭ ‬ستكون‭ ‬أمّ‭ ‬المعارك‭ ‬في‭ ‬مسار‭ ‬استرجاع‭ ‬المال‭ ‬المنهوب‭ ‬وفي‭ ‬مجال‭ ‬مكافحة‭ ‬الفساد‭. ‬والتراجع‭ ‬عنها‭ ‬أو‭ ‬التلاعب‭ ‬بها‭ ‬أو‭ ‬محاولة‭ ‬التأثير‭ ‬عليها‭ ‬بأي‭ ‬وجه‭ ‬من‭ ‬الوجوه‭ ‬سيكون‭ ‬انتكاسة‭ ‬للمسار‭ ‬ككل،‭ ‬وسيدفن‭ ‬آخر‭ ‬أمل‭ ‬في‭ ‬مكافحة‭ ‬الفساد‭ ‬وفي‭ ‬إنهاء‭ ‬زمن‭ ‬العبث‭ ‬واللعب‭ ‬بالمال‭ ‬العام‭.‬

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

لا بد من الرهان على الحزم الاداري والردع القانوني: الوعي المواطني وحده لا يكفي لحماية البيئة والمحيط

عادة ما يتداول التونسيون في موسم الاصطياف خصوصا، صورا ومشاهد وفيديوهات لمجموعات شبابية او …