مسؤولة عن كل عمليات التفويت في الملك المصادر وتشوبها عديد التساؤلات: هل تكون الكرامة القابضة «أم المعارك» في مكافحة الفساد؟
يبدو من خلال الخطاب السياسي لأعلى هرم السلطة، ومن خلال المسارعة أيضا بفتح تحقيق من قبل وكالة الجمهورية بالمحكمة الابتدائية بتونس، أن ملف شركة الكرامة القابضة تنتظره تطورات هامة في قادم الأيام. ويبدو ان كثيرا من الحقائق ستنكشف للرأي العام، وان كثيرا من الأسئلة والتهم والتبريرات أيضا ستقع الإجابة عنها، إن سارت التحقيقات وفق منهجية صحيحة ولم تتدخل فيها أياد يمكن أن تحيد بها عن مسارها الحقيقي.
ولا يمكن لأحد أن يستهين بالكرامة القابضة أو يعتبر أن ملفها قد حُلّ بمجرد فتح تحقيق أو تسخير إنابات عدلية أو حتى بمجرد الاستماع إلى خطاب الرئيس حولها، بل العكس فالآن يمكن القول أن المعركة قد بدأت. فهذه المؤسسة ليست سهلة وليست بسيطة حتى تُطوى ملفاتها في جلسة أو اثنتين بل يمكن القول أنها ستكون فعلا أم المعارك في المسار الذي يسمى مكافحة الفساد.
بداية لا بد من وضع شركة الكرامة القابضة في اطارها االتاريخيب الحقيقي. فقد كانت منذ تأسيسها احوازةب خاصة بفئة معينة من القضاة، وهم من الأسماء المرموقة في عالم القضاء، وخاصة من المحيطين بجمعية القضاة، ومن الذين اشتهروا بمعارضتهم الشرسة لنظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، والذين تولوا الإمساك بشركة الكرامة القابضة، وتداولوا على المسؤوليات في داخلها معتبرينها ريعا خاصا بهم. ولم يُسمح لأحد غيرهم الاقتراب منها أو الاطلاع على أعمالها. وهذه الفئة من القضاة، وزّعت الكثير من غنائم الكرامة القابضة في ما بينها وأحالت العشرات من القضاة على العمل كملحقين ومسؤولين ومتصرفين في هذه الشركة، وأفرغوا حتى محاكم كثيرة من إطاراتها للاستعانة بهم في الإشراف على الشركة وفي التصرف في إمكانياتها والإشراف على عمليات التفويت التي كانت تقوم بها.
البعض من القضاة في زمن السنوات الأولى للثورة كانوا يعتبرون أنه محظوظ جدا من عيّن للعمل في الكرامة القابضة او تم تعيينه متصرفا قضائيا على رأس إحدى الشركات المصادرة. ويعتبرون ذلك مكسبا لا مثيل له، بل فيهم من حاول بوسائل شتى من أجل تحصيل منصب من هذا القبيل. وتحولت بذلك القيمة السامية لتصفية تركة النظام السابق والتفريط في الأملاك التي استولى عليها بعض الأقارب والحاشية، وإرجاعها إلى ملكية الشعب التونسي، إلى غنيمة لا تقل فسادا عما قامت به الحاشية، والى ريع تقاسمته فئة معينة من القضاة ومن الحاذقين جدا في اللعب على أوتار القانون.
بداية الخيط كانت بإيقاف أحد رجال الأعمال في مطار تونس قرطاج، وإحالته على النيابة العمومية حيث تبين انه قد اشترى في سنة 2012 من الأملاك المصادرة سبع سيارات رئاسية فخمة بقيمة جملية لا تصلح حتى لشراء عربة مجرورة. ويبدو أن التحقيق معه قد أوصل الى خيوط غاية في التعقيد وتصرفات لا تقل غرابة عن أفلام المافيات، في كيفية انتهاك تلك الممتلكات والتصرف فيها بالتحوير والتخريب حتى تفقد قيمتها، أو ركنها في المستودعات إلى حين خفض سعرها إلى أبخس الأثمان. ومن ثمة بيعها إلى الأقارب والمحاسبين والذين ايكرمونب جيدا القائمين على عمليات التفويت، التي تتم في إطار من االشفافيةب التامة وتقع المزايدة عليها أمام الجميع، في حين أن ما يجري وراء الكواليس أمر تشيب لهوله الولدان كما يقول العرب.
لم يقف الفساد داخل الكرامة القابضة في سوء التصرف في الأملاك المصادرة وتركها عرضة للإهمال والتخريب وتحت تصرف لوبيات السرقة والإثراء غير المشروع. بل تجاوزه إلى رسوم الأجور والجرايات التي منحوها لأنفسهم بموجب قوانين مبهمة، لا يعرف أحد من وضعها ولا كيف وضعت، وأغدقوا على أنفسهم رواتب وامتيازات أقرب إلى الخيال منها إلى الواقع الذي يمكن تخيله، وتحولوا في ليلة وضحاها إلى طبقة من الأثرياء. وتشهد على ذلك منازلهم بل قصورهم الفخمة، التي يعرف الجميع في ولايتي منوبة وبنزرت بالخصوص، قيمتها وكيف ومتى وقع تشييدها.
رئيس الدولة يبدو انه قد تناول الملف وفتحه على مكتبه كأولوية، ولا أدل على ذلك من مسارعة النيابة العمومية لفتح تحقيق في الغرض، ومن خطابه القوي أيضا أمام السيدة وزيرة العدل. وهذا الملف إن فتح سيكشف للرأي العام عن مآس وفاجعات لحقت بالملك المصادر، وسيكشف بالخصوص عن الأقنعة التي كانت تتستر بها اوجوه حقوقيةب ظنّ الكثيرون طويلا أنها وجوه عدالة ووجوه حقيقة وحقّ.
وهذا الملف ليس سهلا بل معقّد. والأطراف القائمة عليه ليست هيّنة ولن تفرّط في ما تمكنت من الاستيلاء عليه بسهولة، وحصّنت نفسها جيدا وتعرف كيف ستدافع على نفوذها ومصالحها. وبالتالي فان معركة الكرامة القابضة ستكون أمّ المعارك في مسار استرجاع المال المنهوب وفي مجال مكافحة الفساد. والتراجع عنها أو التلاعب بها أو محاولة التأثير عليها بأي وجه من الوجوه سيكون انتكاسة للمسار ككل، وسيدفن آخر أمل في مكافحة الفساد وفي إنهاء زمن العبث واللعب بالمال العام.
مهرجان السينما المتوسطية بشنني «الأرض أنا، الفيلم أنا.. إنا باقون على العهد»: تطور كبير وحضور مؤثّر وفاعل للمخرج السوري سموءل سخية
استطاع المدير الفني لمهرجان السينما المتوسطية بشنني في الدورة 19 المخرج السوري سموءل سخية …