2023-12-11

في الذكرى 75 للإعلان العالمي لحقوق الإنسان: جرائم الاحتلال في غزة تحرج الذكرى وتبتذلها..!

يحيي‭ ‬العالم‭ ‬اليوم‭ ‬الذكرى‭ ‬75‭ ‬للإعلان‭ ‬العالمي‭ ‬لحقوق‭ ‬الانسان‭ ‬في‭ ‬حدث‭ ‬رفيع‭ ‬المستوى‭ ‬يمتد‭ ‬ليومين‭ ‬في‭ ‬جنيف‭. ‬وهي‭ ‬مناسبة‭ ‬يلتقي‭ ‬فيها‭ ‬رؤساء‭ ‬الدول‭ ‬والحكومات‭ ‬والجهات‭ ‬الفاعلة‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬والمدافعون‭ ‬عن‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬وقادة‭ ‬الأعمال‭ ‬والرياضيون‭ ‬والفنانون‭ ‬وخبراء‭ ‬الاقتصاد‭ ‬في‭ ‬المدينة‭ ‬لصياغة‭ ‬رؤية‭ ‬لمستقبل‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭. ‬

ويشكّل‭ ‬هذا‭ ‬الحدث‭ ‬تتويجًا‭ ‬لحملة‭ ‬استمرت‭ ‬عامًا‭ ‬كاملًا،‭ ‬تُعرَف‭ ‬بمبادرة‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬75‭. ‬وقد‭ ‬استضافتها‭ ‬مفوضيّة‭ ‬الأمم‭ ‬المتّحدة‭ ‬السامية‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬بهدف‭ ‬إعادة‭ ‬إحياء‭ ‬الروح‭ ‬التي‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬اعتماد‭ ‬الإعلان‭ ‬العالمي‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬بتوافق‭ ‬عالمي‭ ‬في‭ ‬الجمعية‭ ‬العامة‭.‬

ولئن‭ ‬انبثق‭ ‬الإعلان‭ ‬العالمي‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬لعام‭ ‬1948‭ ‬من‭ ‬الرغبة‭ ‬في‭ ‬ضمان‭ ‬عدم‭ ‬تكرار‭ ‬أهوال‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية،‭ ‬فانه‭ ‬ومع‭ ‬حلول‭ ‬الذكرى‭ ‬الخامسة‭ ‬والسبعين‭ ‬لهذا‭ ‬الإعلان‭ ‬هذا‭ ‬العام،‭ ‬يجب‭ ‬ان‭ ‬تنظر‭ ‬المجموعة‭ ‬الدولية‭ ‬ما‭ ‬اذا‭ ‬كان‭ ‬ما‭ ‬يزال‭ ‬مجديا‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬أم‭ ‬أنه‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬إعادة‭ ‬نظر؟

فالحرب‭ ‬الحالية‭ ‬التي‭ ‬يشنّها‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬المحتل‭ ‬على‭ ‬غزة‭ ‬تكشف‭ ‬عن‭ ‬حالة‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يتعلّق‭ ‬بالمساس‭ ‬بوضع‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬الإهدار‭ ‬الكامل‭ ‬لها‭. ‬كما‭ ‬تكشف‭ ‬حالة‭ ‬الانتهاك‭ ‬الجسيم‭ ‬لمبادئ‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬الإنساني‭ ‬أمام‭ ‬صمت‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬وعجز‭ ‬مؤسّساته‭ ‬عن‭ ‬ردع‭ ‬جرائم‭ ‬الاحتلال‭ ‬الصهيوني‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬أحبط‭ ‬المدافعين‭ ‬والمؤمنين‭ ‬بمقولات‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬وكشفت‭ ‬زيف‭ ‬الخطاب‭ ‬الغربي‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الحقوق،‭ ‬وعرّت‭ ‬منظومته‭ ‬القانونية‭ ‬التي‭ ‬تكيل‭ ‬بالمكيالين‭ ‬بين‭ ‬شعوب‭ ‬مظلومة‭ ‬وحكام‭ ‬ظالمين‭.‬

وينص‭ ‬الإعلان‭ ‬العالمي‭ ‬لحقوق‭ ‬الانسان‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬ايولد‭ ‬جميع‭ ‬الناس‭ ‬أحراراً‭ ‬ومتساوين‭ ‬في‭ ‬الكرامة‭ ‬والحقوقب‭. ‬غير‭ ‬انه‭ ‬إذا‭ ‬حاولنا‭ ‬تنزيل‭ ‬هذه‭ ‬المبادئ‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يحصل‭ ‬اليوم‭ ‬من‭ ‬إبادة‭ ‬جماعية‭ ‬للنساء‭ ‬والأطفال‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬ومن‭ ‬تقتيل‭ ‬وإبادة‭ ‬للمدنيين‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬الروسية‭ ‬الاوكرانية،‭ ‬فان‭ ‬ذلك‭ ‬يحوّل‭ ‬مسألة‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬إلى‭ ‬مسألة‭ ‬مبتذلة‭ ‬لان‭ ‬الحروب‭ ‬الحالية‭ ‬تقمع‭ ‬حق‭ ‬الفرد‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬له‭ ‬معنى‭ ‬وان‭ ‬يكون‭ ‬إنسانا‭ ‬وان‭ ‬تكون‭ ‬له‭ ‬حياة‭. ‬وكل‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬مرأى‭ ‬ومسمع‭ ‬من‭ ‬المنظمات‭ ‬الدولية‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها‭ ‬منظمة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬التي‭ ‬أصبحت‭ ‬غير‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬لجم‭ ‬الحروب‭ ‬وشراستها‭ ‬خاصة‭ ‬منها‭ ‬الحروب‭ ‬الظالمة‭.‬

اختلال‭ ‬الموازين

في‭ ‬هذا‭ ‬الاطار‭ ‬يبين‭ ‬الباحث‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية،‭ ‬يوسف‭ ‬الشريف‭ ‬ان‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬كما‭ ‬الديمقراطية‭ ‬لا‭ ‬تطبق‭ ‬بالقوة‭ ‬وإنما‭ ‬بالتوافق‭ ‬والتنازل‭ ‬من‭ ‬جميع‭ ‬الأطراف‭. ‬فهي‭ ‬مفاهيم‭ ‬تستند‭ ‬على‭ ‬ميزان‭ ‬هش‭ ‬ومتعدد‭ ‬التجاذبات‭. ‬فلما‭ ‬يستعمل‭ ‬طرف‭ ‬القوة‭ ‬لإيصال‭ ‬موقفه‭ ‬أو‭ ‬انتزاع‭ ‬موقف‭ ‬من‭ ‬الجهة‭ ‬المقابلة،‭ ‬فهذا‭ ‬يخل‭ ‬بالمعادلة‭ ‬ويسقط‭ ‬عدالة‭ ‬الميزان‭. ‬

وأفاد‭ ‬يوسف‭ ‬الشريف‭ ‬في‭ ‬تصريحه‭ ‬لـ‭ ‬االصحافة‭ ‬اليومب‭ ‬بأنه‭ ‬يمكن‭ ‬للعالم‭ ‬أن‭ ‬يحتفل‭ ‬باليوم‭ ‬العالمي‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬ويمكن‭ ‬للحكام‭ ‬والدبلوماسيين‭ ‬التسويق‭ ‬لهذه‭ ‬الذكرى‭ ‬والتركيز‭ ‬على‭ ‬جانبها‭ ‬الفلكلوري،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬نتابعه‭ ‬يوميا‭ ‬يذكّرنا‭ ‬بأن‭ ‬من‭ ‬يمتلك‭ ‬قوة‭ ‬السلاح‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬يحدد‭ ‬ما‭ ‬سيحترمه‭ ‬من‭ ‬حقوق‭ ‬وما‭ ‬سيدوسه‭ ‬ويغتاله‭.‬

وخلص‭ ‬الشريف‭ ‬الى‭ ‬القول‭ ‬ان‭ ‬االتاريخ‭ ‬سيذكر‭ ‬لاحقا‭ ‬الظلم‭ ‬والآلام،‭ ‬لكن‭ ‬سيقتل‭ ‬الآلاف‭ ‬في‭ ‬الأثناء،‭ ‬وسيشرّد‭ ‬ويسجن‭ ‬غيرهم،‭ ‬ولن‭ ‬يعوّضهم‭ ‬أحد‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬فقدوه‭.‬

وتعتقد‭ ‬المختصة‭ ‬في‭ ‬القانون‭ ‬الإنساني‭ ‬الدولي‭ ‬ايناس‭ ‬الجعايبي‭ ‬ان‭ ‬منظومة‭ ‬حقوق‭ ‬الانسان‭ ‬الدولية‭ ‬اليوم‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬مراجعات‭ ‬وبدائل‭ ‬مثلها‭ ‬مثل‭ ‬المنظمات‭ ‬الأممية‭. ‬اذ‭ ‬اثبتت‭ ‬الخروقات‭ ‬في‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬قصورا‭ ‬في‭ ‬نجاعة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬غزة‭ ‬والجرائم‭ ‬التي‭ ‬وقع‭ ‬ارتكابها‭ ‬على‭ ‬مرأى‭ ‬من‭ ‬العالم‭. ‬وبهذا‭ ‬يصبح‭ ‬إحلال‭ ‬السلام‭ ‬غير‭ ‬ممكن‭ ‬ما‭ ‬دامت‭ ‬قرارات‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬تتعطل‭ ‬لأسباب‭ ‬سياسية‭ ‬بحتة‭ ‬تتعلق‭ ‬بالعلاقات‭ ‬الدولية،‭ ‬كما‭ ‬أصبحت‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬مكبّلة‭ ‬بمصالح‭ ‬الدول‭.‬

وعن‭ ‬البدائل‭ ‬المطروحة‭ ‬تفيد‭ ‬الخبيرة‭ ‬القانونية‭ ‬ايناس‭ ‬الجعايبي‭ ‬لـ‭ ‬االصحافة‭ ‬اليومب‭ ‬بان‭ ‬هناك‭ ‬عدة‭ ‬مشاريع‭ ‬واقتراحات‭ ‬اصلاح‭ ‬لمنظمة‭ ‬الامم‭ ‬المتحدة‭ ‬مثل‭ ‬توسيع‭ ‬أعضاء‭ ‬مجلس‭ ‬الامن‭ ‬ولكن‭ ‬يبقى‭ ‬السؤال‭ ‬كيف‭ ‬سيتم‭ ‬الدفع‭ ‬نحو‭ ‬الحلول‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬نفس‭ ‬المنظومة‭.‬

الحقوق‭ ‬الوطنية

أما‭ ‬إذا‭ ‬نظرنا‭ ‬إلى‭ ‬وضع‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الدول‭ ‬وعلى‭ ‬مستوى‭ ‬وطني‭ ‬سنجد‭ ‬انه‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬للمنظمات‭ ‬الدولية‭ ‬صلبها‭ ‬أي‭ ‬معنى‭ ‬او‭ ‬دور‭ ‬اذ‭ ‬ان‭ ‬كل‭ ‬الأنظمة‭ ‬العربية‭ ‬تدوس‭ ‬يوميا‭ ‬على‭ ‬رقبة‭ ‬حقوق‭ ‬الانسان،‭ ‬ومن‭ ‬بينها‭ ‬تونس‭. ‬فالمرسوم‭ ‬عدد‭ ‬54‭ ‬الذي‭ ‬ساهم‭ ‬في‭ ‬سجن‭ ‬النشطاء‭ ‬الحقوقيين‭ ‬بالجملة‭ ‬والتفصيل‭ ‬على‭ ‬خلفية‭ ‬تدوينات‭ ‬تعبر‭ ‬عن‭ ‬آرائهم‭ ‬على‭ ‬مواقع‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬وعلى‭ ‬خلفية‭ ‬اعمال‭ ‬صحفية‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬سجن‭ ‬الصحفي‭ ‬خليفة‭ ‬القاسمي‭ ‬لمدة‭ ‬خمس‭ ‬سنوات،‭ ‬لا‭ ‬يمثل‭ ‬سوى‭ ‬انتهاك‭ ‬صارخ‭ ‬لحقوق‭ ‬الانسان‭ ‬المدنية‭ ‬والسياسية‭ ‬المنبثقة‭ ‬عن‭ ‬الإعلان‭ ‬العالمي‭ ‬لحقوق‭ ‬الانسان‭.‬

هذا‭ ‬علاوة‭ ‬على‭ ‬الطوابير‭ ‬اليومية‭ ‬التي‭ ‬اصبح‭ ‬يعيشها‭ ‬المواطن‭ ‬التونسي‭ ‬للبحث‭ ‬عن‭ ‬المواد‭ ‬الغذائية‭  ‬الأساسية‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬المواد‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعبر‭ ‬عن‭ ‬انتهاك‭ ‬للحقوق‭ ‬الأساسية‭ ‬وهي‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬الغذاء‭ ‬والحياة‭ ‬الكريمة،‭ ‬ولعل‭ ‬تراجع‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬الصحة‭ ‬والحق‭ ‬في‭ ‬التعليم‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬كحقوق‭ ‬اقتصادية‭ ‬واجتماعية،‭ ‬انما‭ ‬هو‭ ‬نتيجة‭ ‬لسياسات‭ ‬عمومية‭ ‬منافية‭ ‬لحقوق‭ ‬الانسان‭.‬

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

افتتاح المركز الاعلامي الخاص بالانتخابات الرئاسية : الفضاء المرجعي الوحيد  للتواصل مع وسائل الإعلام الوطنية والدولية

تمّ مساء أمس الخميس افتتاح المركز الاعلامي الخاص بالانتخابات الرئاسية 2024 بقصر المؤتمرات …