قصور التعليم العمومي يُحوّل الدّروس الخصوصيّة إلى«الأصل» في التعليم..!
تُؤسّس المنظومة التعليمية العمومية اليوم لطبقيّة تعليميّة مقيتة لها آثار كارثيّة على تماسك المجتمع، لأنّها تعصف بمبدإ تكافؤ الفرص خاصة عندما تصبح الدروس الخصوصية القاعدة في التعليم وما يتلقاه التلميذ في المدرسة استثناء ولا تكتمل العملية إلا بدروس الدعم والتدارك وهي معادلة تعجز العديد من العائلات عن الانصياع لها بسبب شطط الأسعار ،ليدرك الجميع أنّ كلّ ما يمكن أن يتحقّق من امكاسبب مالية لشق موسع من المربين لا يعادل القهر الذي يشعر به كلّ تلميذ حرم من حقّه في التعليم على أحسن وجه في مؤسسته العمومية…
ولكن يبدو ان المرض المزمن لمنظومة التعليم العمومي ضرب العديد من المفاهيم ليتحول الأصل إلى استثناء والعكس بالعكس صحيح، ناهيك عن أن الحالة المرضية للتعليم العمومي المزمنة تجعلنا نتساءل إن كانت ناتجة عن قصور أدى إلى نفور من المنظومة برمتها؟ أم انه تقصير أدى إلى تدميرها؟
قاسم سليم رئيس الجمعية التونسية لجودة التعليم يؤكد في هذا السياق أنّ الملاحظة الموضوعيّة تقتضي منّا اليوم الاعتراف بأنّ الدّروس الخصوصيّة قد باتت تمثّل سوقا حقيقيّة بكلّ ما في الكلمة من معنى، حيث تشهد تقديم خدمات التّعليم والتّأطير لمن يطلبها من التّلاميذ ومن ورائهم الأولياء، مقابل معاليم تتحدّد وفقا لقاعدة العرض والطّلب.. وعليه فإنّ كلّ معالجة لهذه الظّاهرة خارج هذا الإطار وبغير آليّاته لن تكون ناجعة ولن تحقّق أيّا من النّتائج المرجوّة. مضيفا اولقد سبق أن أكّدنا في الجمعيّة التّونسيّة لجودة التّعليم على امتداد ما يزيد عن العقد من الزّمن على ضرورة أن يكون التّعامل مع الدّروس الخصوصيّة بعيدا عن المقاربة الزّجريّة البحتة، لأنّها مقاربة تقف عند حدود الأعراض دون أن تنفذ إلى الأسباب الحقيقيّة لهذه الظّاهرة بهدف معالجتهاب.
ويضيف محدثنا أنّ الدّروس الخصوصيّة ظاهرة تنتشر في معظم دول العالم، ومن المنتظر أن يناهز حجم سوقها 180 مليار دولار عام 2026، فالإشكال الحقيقيّ في منظومتنا التّربويّة لا يكمن إذن في وجود مثل هذه الدّروس، بل في الفوضى التي تحكمها وفي عدم خضوعها لأي إجراءات تعديليّة أو تنظيميّة من شأنها أن تحمي التّلميذ والوليّ من شطط الأسعار ومن تدنّي جودة الخدمات: فالتّلاميذ والأولياء هم الحلقة الأضعف، ولا حلّ أمامهم سوى القبول بالشروط التي يحدّدها مقدّمو الدّروس الخصوصيّة، سواء تعلّق الأمر بعدد الحصص أو مكانها أو توقيتها أو مدّتها أو ثمنها، وجميعها عناصر يتمّ تحديدها بناء على رغبات المدرّس ودون مراعاة طالب الخدمة. وبذلك تكون الخطوة الأولى المستوجب قطعها هي تنظيم سوق الدّروس الخصوصيّة حتّى تتحوّل إلى سوق نظاميّة، تؤدّي دورها التّربويّ، وتغادر منطقة الاقتصاد الموازي إلى الاقتصاد المقنّن، وتضمن حقوق مرتاديها وتخدم مصالحهم.
أمّا على المدى المتوسّط، فلا بدّ من العمل على تقليص حاجة التّلاميذ والأولياء إلى اللّجوء إلى هذه السّوق، وذلك عبر جملة من الإجراءات من أهمّها ضمان جودة حقيقيّة للخدمات التّعليميّة المقدّمة في جميع مؤسّسات التّعليم العموميّ، وضمان تكافؤ الفرص بين جميع التّلاميذ في أخذ العلم والمعرفة عن مدرّسين أكفاء، وتخليص البرامج التّعليميّة ممّا يثقلها من محاور ودروس غير ذات جدوى، ومراجعة منظومة التّقييم حتّى لا يكون العدد هو هاجس التّلاميذ والأولياء الأوّل، ومراجعة هيكليّة التّعليم قبل الجامعي ومنظومة التّوجيه المدرسي والجامعي بما يكفل لكلّ تلميذ حقّه في تعليم أو تكوين يلائم طموحاته وإمكاناته.
إنّ العمل على المدى القريب على تنظيم سوق الدّروس الخصوصيّة وتقنينها، وعلى المدى المتوسّط على تقليص الطّلب عليها بمعالجة الأسباب التي تدفع كلّ التّلاميذ والأولياء اليوم نحوها، كفيل بأن يعيد هذه الدّروس إلى دورها الأساسيّ، وهو مرافقة المتعلّمين ذوي الصّعوبات حتّى يحسّنوا من أدائهم الدّراسي ويتجنّبوا الرّسوب المفضي إلى التسرّب، ومرافقة المتعلّمين المجيدين حتّى يحقّقوا ما يطمحون إليه من تفوّق وتميّز، وبذلك يتحوّل الدّرس الخصوصيّ من مجال لاستغلال الأولياء وعلامة على تفاوت الفرص بين التّلاميذ إلى أداة لمقاومة الانقطاع المدرسي وضمان إمكانيّة النّجاح لكلّ متعلّم وفرص التّميّز لكلّ قادر عليه ومجتهد في سبيله.
الدكاترة الباحثون المعطلون عن العمل : المراهنة على البحث العلمي آلية للبناء على أسس صلبة
نظم أمس الأربعاء الدكاترة الباحثون المعطلون عن العمل مسيرة انطلقت من وزارة التعليم العالي…