2023-12-09

قصور التعليم العمومي يُحوّل الدّروس الخصوصيّة إلى«الأصل» في التعليم..!

تُؤسّس‭ ‬المنظومة‭ ‬التعليمية‭ ‬العمومية‭ ‬اليوم‭ ‬لطبقيّة‭ ‬تعليميّة‭ ‬مقيتة‭ ‬لها‭ ‬آثار‭ ‬كارثيّة‭ ‬على‭ ‬تماسك‭ ‬المجتمع،‭ ‬لأنّها‭ ‬تعصف‭ ‬بمبدإ‭ ‬تكافؤ‭ ‬الفرص‭ ‬خاصة‭ ‬عندما‭ ‬تصبح‭ ‬الدروس‭ ‬الخصوصية‭  ‬القاعدة‭ ‬في‭ ‬التعليم‭ ‬وما‭ ‬يتلقاه‭ ‬التلميذ‭ ‬في‭ ‬المدرسة‭ ‬استثناء‭ ‬ولا‭ ‬تكتمل‭ ‬العملية‭ ‬إلا‭ ‬بدروس‭ ‬الدعم‭ ‬والتدارك‭ ‬وهي‭ ‬معادلة‭ ‬تعجز‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬العائلات‭ ‬عن‭ ‬الانصياع‭ ‬لها‭ ‬بسبب‭ ‬شطط‭ ‬الأسعار‭ ‬،ليدرك‭ ‬الجميع‭ ‬أنّ‭ ‬كلّ‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يتحقّق‭ ‬من‭ ‬امكاسبب‭ ‬مالية‭ ‬لشق‭ ‬موسع‭ ‬من‭ ‬المربين‭ ‬لا‭ ‬يعادل‭ ‬القهر‭ ‬الذي‭ ‬يشعر‭ ‬به‭ ‬كلّ‭ ‬تلميذ‭ ‬حرم‭ ‬من‭ ‬حقّه‭ ‬في‭ ‬التعليم‭ ‬على‭ ‬أحسن‭ ‬وجه‭ ‬في‭ ‬مؤسسته‭ ‬العمومية‭…‬

ولكن‭ ‬يبدو‭ ‬ان‭ ‬المرض‭ ‬المزمن‭ ‬لمنظومة‭ ‬التعليم‭ ‬العمومي‭ ‬ضرب‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المفاهيم‭ ‬ليتحول‭ ‬الأصل‭ ‬إلى‭ ‬استثناء‭ ‬والعكس‭ ‬بالعكس‭ ‬صحيح،‭  ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬أن‭ ‬الحالة‭ ‬المرضية‭ ‬للتعليم‭ ‬العمومي‭ ‬المزمنة‭ ‬تجعلنا‭ ‬نتساءل‭  ‬إن‭ ‬كانت‭ ‬ناتجة‭ ‬عن‭ ‬قصور‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬نفور‭ ‬من‭ ‬المنظومة‭ ‬برمتها؟‭ ‬أم‭ ‬انه‭ ‬تقصير‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬تدميرها؟

‭ ‬قاسم‭ ‬سليم‭ ‬رئيس‭ ‬الجمعية‭ ‬التونسية‭ ‬لجودة‭ ‬التعليم‭ ‬يؤكد‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬أنّ‭ ‬الملاحظة‭ ‬الموضوعيّة‭ ‬تقتضي‭ ‬منّا‭ ‬اليوم‭ ‬الاعتراف‭ ‬بأنّ‭ ‬الدّروس‭ ‬الخصوصيّة‭ ‬قد‭ ‬باتت‭ ‬تمثّل‭ ‬سوقا‭ ‬حقيقيّة‭ ‬بكلّ‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬الكلمة‭ ‬من‭ ‬معنى،‭ ‬حيث‭ ‬تشهد‭ ‬تقديم‭ ‬خدمات‭ ‬التّعليم‭ ‬والتّأطير‭ ‬لمن‭ ‬يطلبها‭ ‬من‭ ‬التّلاميذ‭ ‬ومن‭ ‬ورائهم‭ ‬الأولياء،‭ ‬مقابل‭ ‬معاليم‭ ‬تتحدّد‭ ‬وفقا‭ ‬لقاعدة‭ ‬العرض‭ ‬والطّلب‭.. ‬وعليه‭ ‬فإنّ‭ ‬كلّ‭ ‬معالجة‭ ‬لهذه‭ ‬الظّاهرة‭ ‬خارج‭ ‬هذا‭ ‬الإطار‭ ‬وبغير‭ ‬آليّاته‭ ‬لن‭ ‬تكون‭ ‬ناجعة‭ ‬ولن‭ ‬تحقّق‭ ‬أيّا‭ ‬من‭ ‬النّتائج‭ ‬المرجوّة‭. ‬مضيفا‭ ‬اولقد‭ ‬سبق‭ ‬أن‭ ‬أكّدنا‭ ‬في‭ ‬الجمعيّة‭ ‬التّونسيّة‭ ‬لجودة‭ ‬التّعليم‭ ‬على‭ ‬امتداد‭ ‬ما‭ ‬يزيد‭ ‬عن‭ ‬العقد‭ ‬من‭ ‬الزّمن‭ ‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬التّعامل‭ ‬مع‭ ‬الدّروس‭ ‬الخصوصيّة‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬المقاربة‭ ‬الزّجريّة‭ ‬البحتة،‭ ‬لأنّها‭ ‬مقاربة‭ ‬تقف‭ ‬عند‭ ‬حدود‭ ‬الأعراض‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تنفذ‭ ‬إلى‭ ‬الأسباب‭ ‬الحقيقيّة‭ ‬لهذه‭ ‬الظّاهرة‭ ‬بهدف‭ ‬معالجتهاب‭.‬

ويضيف‭  ‬محدثنا‭ ‬أنّ‭ ‬الدّروس‭ ‬الخصوصيّة‭  ‬ظاهرة‭ ‬تنتشر‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬دول‭ ‬العالم،‭ ‬ومن‭ ‬المنتظر‭ ‬أن‭ ‬يناهز‭ ‬حجم‭ ‬سوقها‭ ‬180‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬عام‭ ‬2026،‭ ‬فالإشكال‭ ‬الحقيقيّ‭ ‬في‭ ‬منظومتنا‭ ‬التّربويّة‭ ‬لا‭ ‬يكمن‭ ‬إذن‭ ‬في‭ ‬وجود‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الدّروس،‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬الفوضى‭ ‬التي‭ ‬تحكمها‭ ‬وفي‭ ‬عدم‭ ‬خضوعها‭ ‬لأي‭ ‬إجراءات‭ ‬تعديليّة‭ ‬أو‭ ‬تنظيميّة‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬أن‭ ‬تحمي‭ ‬التّلميذ‭ ‬والوليّ‭ ‬من‭ ‬شطط‭ ‬الأسعار‭ ‬ومن‭ ‬تدنّي‭ ‬جودة‭ ‬الخدمات‭: ‬فالتّلاميذ‭ ‬والأولياء‭ ‬هم‭ ‬الحلقة‭ ‬الأضعف،‭ ‬ولا‭ ‬حلّ‭ ‬أمامهم‭ ‬سوى‭ ‬القبول‭ ‬بالشروط‭ ‬التي‭ ‬يحدّدها‭ ‬مقدّمو‭ ‬الدّروس‭ ‬الخصوصيّة،‭ ‬سواء‭ ‬تعلّق‭ ‬الأمر‭ ‬بعدد‭ ‬الحصص‭ ‬أو‭ ‬مكانها‭ ‬أو‭ ‬توقيتها‭ ‬أو‭ ‬مدّتها‭ ‬أو‭ ‬ثمنها،‭ ‬وجميعها‭ ‬عناصر‭ ‬يتمّ‭ ‬تحديدها‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬رغبات‭ ‬المدرّس‭ ‬ودون‭ ‬مراعاة‭ ‬طالب‭ ‬الخدمة‭. ‬وبذلك‭ ‬تكون‭ ‬الخطوة‭ ‬الأولى‭ ‬المستوجب‭ ‬قطعها‭ ‬هي‭ ‬تنظيم‭ ‬سوق‭ ‬الدّروس‭ ‬الخصوصيّة‭ ‬حتّى‭ ‬تتحوّل‭ ‬إلى‭ ‬سوق‭ ‬نظاميّة،‭ ‬تؤدّي‭ ‬دورها‭ ‬التّربويّ،‭ ‬وتغادر‭ ‬منطقة‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الموازي‭ ‬إلى‭ ‬الاقتصاد‭ ‬المقنّن،‭ ‬وتضمن‭ ‬حقوق‭ ‬مرتاديها‭ ‬وتخدم‭ ‬مصالحهم‭.‬

أمّا‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬المتوسّط،‭ ‬فلا‭ ‬بدّ‭ ‬من‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬تقليص‭ ‬حاجة‭ ‬التّلاميذ‭ ‬والأولياء‭ ‬إلى‭ ‬اللّجوء‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬السّوق،‭ ‬وذلك‭ ‬عبر‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬الإجراءات‭ ‬من‭ ‬أهمّها‭ ‬ضمان‭ ‬جودة‭ ‬حقيقيّة‭ ‬للخدمات‭ ‬التّعليميّة‭ ‬المقدّمة‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬مؤسّسات‭ ‬التّعليم‭ ‬العموميّ،‭ ‬وضمان‭ ‬تكافؤ‭ ‬الفرص‭ ‬بين‭ ‬جميع‭ ‬التّلاميذ‭ ‬في‭ ‬أخذ‭ ‬العلم‭ ‬والمعرفة‭ ‬عن‭ ‬مدرّسين‭ ‬أكفاء،‭ ‬وتخليص‭ ‬البرامج‭ ‬التّعليميّة‭ ‬ممّا‭ ‬يثقلها‭ ‬من‭ ‬محاور‭ ‬ودروس‭ ‬غير‭ ‬ذات‭ ‬جدوى،‭ ‬ومراجعة‭ ‬منظومة‭ ‬التّقييم‭ ‬حتّى‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬العدد‭ ‬هو‭ ‬هاجس‭ ‬التّلاميذ‭ ‬والأولياء‭ ‬الأوّل،‭ ‬ومراجعة‭ ‬هيكليّة‭ ‬التّعليم‭ ‬قبل‭ ‬الجامعي‭ ‬ومنظومة‭ ‬التّوجيه‭ ‬المدرسي‭ ‬والجامعي‭ ‬بما‭ ‬يكفل‭ ‬لكلّ‭ ‬تلميذ‭ ‬حقّه‭ ‬في‭ ‬تعليم‭ ‬أو‭ ‬تكوين‭ ‬يلائم‭ ‬طموحاته‭ ‬وإمكاناته‭.‬

إنّ‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬القريب‭ ‬على‭ ‬تنظيم‭ ‬سوق‭ ‬الدّروس‭ ‬الخصوصيّة‭ ‬وتقنينها،‭ ‬وعلى‭ ‬المدى‭ ‬المتوسّط‭ ‬على‭ ‬تقليص‭ ‬الطّلب‭ ‬عليها‭ ‬بمعالجة‭ ‬الأسباب‭ ‬التي‭ ‬تدفع‭ ‬كلّ‭ ‬التّلاميذ‭ ‬والأولياء‭ ‬اليوم‭ ‬نحوها،‭ ‬كفيل‭ ‬بأن‭ ‬يعيد‭ ‬هذه‭ ‬الدّروس‭ ‬إلى‭ ‬دورها‭ ‬الأساسيّ،‭ ‬وهو‭ ‬مرافقة‭ ‬المتعلّمين‭ ‬ذوي‭ ‬الصّعوبات‭ ‬حتّى‭ ‬يحسّنوا‭ ‬من‭ ‬أدائهم‭ ‬الدّراسي‭ ‬ويتجنّبوا‭ ‬الرّسوب‭ ‬المفضي‭ ‬إلى‭ ‬التسرّب،‭ ‬ومرافقة‭ ‬المتعلّمين‭ ‬المجيدين‭ ‬حتّى‭ ‬يحقّقوا‭ ‬ما‭ ‬يطمحون‭ ‬إليه‭ ‬من‭ ‬تفوّق‭ ‬وتميّز،‭ ‬وبذلك‭ ‬يتحوّل‭ ‬الدّرس‭ ‬الخصوصيّ‭ ‬من‭ ‬مجال‭ ‬لاستغلال‭ ‬الأولياء‭ ‬وعلامة‭ ‬على‭ ‬تفاوت‭ ‬الفرص‭ ‬بين‭ ‬التّلاميذ‭ ‬إلى‭ ‬أداة‭ ‬لمقاومة‭ ‬الانقطاع‭ ‬المدرسي‭ ‬وضمان‭ ‬إمكانيّة‭ ‬النّجاح‭ ‬لكلّ‭ ‬متعلّم‭ ‬وفرص‭ ‬التّميّز‭ ‬لكلّ‭ ‬قادر‭ ‬عليه‭ ‬ومجتهد‭ ‬في‭ ‬سبيله‭.‬

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

نجاحات الإطار الطبي بمستشفى الرابطة تتواصل : إجراء حوالي 70 تدخلا جراحيا على القلب لفائدة 70 طفلا

نجاحات جديدة تضاف لرصيد النجاحات في المجال الطبي في تونس حيث حقق الفريق الطبي بالمستشفى ال…