نسق الاحتجاجات القطاعية يرتفع تدريجيا: ضغط مطلبي أم اختبار قوة لمعركة قادمة؟
رغم الهدوء المشوب بالحذر الذي يطبع العلاقة بين الاتحاد العام التونسي للشغل والحكومة، ورغم خطاب التهدئة الصادر عن الجانبين في ذكرى اغتيال حشاد، إلا أن الاحتجاجات القطاعية بدأت تطلّ برأسها من جديد، بل تسارعت وتيرتها نوعا ما خلال الأسابيع الأخيرة.
وفي هذا الإطار كان المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية قد رصد خلال شهر أكتوبر الفارط حصول مائة وثمانين احتجاج، وارتفع عددها في شهر نوفمبر المنقضي إلى مائتين وستة عشر احتجاج. واعتبر المنتدى هذا الارتفاع إنما هو امؤشر على زيادة الاحتقان الاجتماعي وتفاقم وتيرة الاحتجاج نتيجة عدم تلبية الجهات المسؤولة لمطالب الفاعلين العالقة منذ الأشهر الماضيةب.
ورغم أن المنتدى قد رصد كل الإضرابات التي قال إنها بلغت اثنين وأربعين إضرابا، إلا أن بعض القطاعات االوازنة وثقيلة الحجم والحضورب بدأت تلوّح بالإضراب أيضا. حيث أصدرت الجامعة العامة للتعليم الثانوي بيانا شديد اللهجة طالبت فيه بصرف المستحقات المالية للأساتذة وإيقاف الاقتطاع وحل مشكلة الأساتذة النواب وفق الاتفاقات السابقة، مهددة بالتصعيد و متهمة سلطة الإشراف بالتسويف والمماطلة.
على صعيد آخر أصدرت الجامعة العامة للمناجم بيانين متزامنين لنقابتي شركة فسفاط قفصة وشركة نقل المواد المنجمية، هددتا فيه بالإضراب العام يوم الرابع عشر من ديسمبر الجاري، بعد ما قالت انه بسبب التسويف من الشركة وسلطة الإشراف ممثلة في وزارة الصناعة والطاقة والمعادن، لتطالب بعدد من المستحقات المالية والزيادات والتسويات الوظيفية لعمال الشركتين.
والجديد في بياني النقابتين هو أن المطالب تبدو سابقة لأوانها، خاصة وأنها ترتكز على زيادات منطقيا ليست في أوانها، مثل زيادة منحة عيد الأضحى الذي ما زالت تفصلنا عنه أشهر عدة أو تمكين الأعوان من منحة رأس السنة ومن الشهرين الثالث عشر والرابع عشر، رغم أن السنة الإدارية لم تنته رسميا.
وجاءت برقية الإضراب بعد اجتماعات ومفاوضات أشرف عليها السيد صلاح السالمي الأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل، وصدرت على إثرها برقية الإضراب، مما يؤشّر إلى أن هناك دفعا رسميا من قيادة الاتحاد لخوض هذا الإضراب.
تبعا لذلك اعتبر عديد المتابعين أن دخول قطاعات كبرى كالمناجم والتعليم إلى منطقة الإضرابات يعد بادرة تصعيد، لا يعرف احد إلى الآن إن كانت فعلا ناتجة عن ضغط القاعدة الأستاذية والعمالية، أم أنها تأتي في سياق اختبار قوة من الأطراف المختلفة. وكل ذلك في انتظار معركة اجتماعية يبدو أنه لا مفر منها، خاصة في ظل تمسك الحكومة بالمنشور عدد 21، وفي ظل تمسك الحكومة أيضا بعدم تفعيل الاتفاقات السابقة، وعدم العودة إلى طاولة الحوار مع الاتحاد، إضافة إلى الارتفاع المتواصل للأسعار والنقص الحاد في عديد المواد.
اختبار القوة هذا يأتي في سياقات غامضة تلف العلاقة بين الاتحاد والسلطة الحاكمة، وتحديدا رئيس الجمهورية، الذي لا يبدو أن لقاءه الخاطف مع قيادة الاتحاد على هامش تدشين متحف حشاد، وكلماته التي لا تحمل معاني القطيعة ولا تبشّر بمدلولات عودة الودّ، قد اقنع المتابعين بأن هناك انفراجا في العلاقة مع بطحاء محمد علي، بل تبدو مواقف الجميع ثابتة في مواقعها، ولا جديد يذكر على ساحة قنوات التواصل أو مسارب الحوار.
ويعلم الجميع أن التصعيد لن يخدم أي طرف في الوقت الحالي، كما يعلمون أيضا أن اختبار القوة مهما كان محدودا ومبرمجا سلفا، قد يخرج عن السيطرة وقد تؤدي بعض الانفلاتات هنا وهناك إلى ما لا تحمد عقباه. فالطرف الآخر يبدو الآن أكثر تصلبا في موقفه من الاتحاد، خصوصا بعد أن بلغ إلى مسامعه أن الاتحاد قد رفع شكاية إلى منظمة العمل الدولية ضد ما اعتبره انتهاكا لحرية العمل النقابي. وبالتالي تبدو الأمور في غير مسارها الطبيعي الذي كان سائدا قبل سنتين من الآن، وتبدو جميع الأطراف في موقف غير مريح وغير واضح أيضا ما يجعل من الإضرابات القطاعية وسيلة تمرين واستشراف للقادم، وكذلك أداة قياس لردّ فعل كل طرف على التصعيد المرتقب، خصوصا إذا ما تواصلت الأوضاع العامة في البلاد على ما هي عليه الآن.
عن تناسل الملفات وتداعي بعض القطاعات : المشاكل صعبة والحلول لا تبدو يسيرة
خطوات هامة وقع قطعها في فتح ملفات قطاعات استراتيجية ذات أهمية بالغة للبلاد وللاقتصاد، مثال…