2023-12-09

نسق الاحتجاجات القطاعية يرتفع تدريجيا: ضغط مطلبي أم اختبار قوة لمعركة قادمة؟

رغم‭ ‬الهدوء‭ ‬المشوب‭ ‬بالحذر‭ ‬الذي‭ ‬يطبع‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الاتحاد‭ ‬العام‭ ‬التونسي‭ ‬للشغل‭ ‬والحكومة،‭ ‬ورغم‭ ‬خطاب‭ ‬التهدئة‭ ‬الصادر‭ ‬عن‭ ‬الجانبين‭ ‬في‭ ‬ذكرى‭ ‬اغتيال‭ ‬حشاد،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬القطاعية‭ ‬بدأت‭ ‬تطلّ‭ ‬برأسها‭ ‬من‭ ‬جديد،‭ ‬بل‭ ‬تسارعت‭ ‬وتيرتها‭ ‬نوعا‭ ‬ما‭ ‬خلال‭ ‬الأسابيع‭ ‬الأخيرة‭.‬

وفي‭ ‬هذا‭ ‬الإطار‭ ‬كان‭ ‬المنتدى‭ ‬التونسي‭ ‬للحقوق‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬قد‭ ‬رصد‭ ‬خلال‭ ‬شهر‭ ‬أكتوبر‭ ‬الفارط‭ ‬حصول‭ ‬مائة‭ ‬وثمانين‭ ‬احتجاج،‭ ‬وارتفع‭ ‬عددها‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬نوفمبر‭ ‬المنقضي‭ ‬إلى‭ ‬مائتين‭ ‬وستة‭ ‬عشر‭ ‬احتجاج‭. ‬واعتبر‭ ‬المنتدى‭ ‬هذا‭ ‬الارتفاع‭ ‬إنما‭ ‬هو‭ ‬امؤشر‭ ‬على‭ ‬زيادة‭ ‬الاحتقان‭ ‬الاجتماعي‭ ‬وتفاقم‭ ‬وتيرة‭ ‬الاحتجاج‭ ‬نتيجة‭ ‬عدم‭ ‬تلبية‭ ‬الجهات‭ ‬المسؤولة‭ ‬لمطالب‭ ‬الفاعلين‭ ‬العالقة‭ ‬منذ‭ ‬الأشهر‭ ‬الماضيةب‭.‬

ورغم‭ ‬أن‭ ‬المنتدى‭ ‬قد‭ ‬رصد‭ ‬كل‭ ‬الإضرابات‭ ‬التي‭ ‬قال‭ ‬إنها‭ ‬بلغت‭ ‬اثنين‭ ‬وأربعين‭ ‬إضرابا،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬القطاعات‭ ‬االوازنة‭ ‬وثقيلة‭ ‬الحجم‭ ‬والحضورب‭ ‬بدأت‭ ‬تلوّح‭ ‬بالإضراب‭ ‬أيضا‭. ‬حيث‭ ‬أصدرت‭ ‬الجامعة‭ ‬العامة‭ ‬للتعليم‭ ‬الثانوي‭ ‬بيانا‭ ‬شديد‭ ‬اللهجة‭ ‬طالبت‭ ‬فيه‭ ‬بصرف‭ ‬المستحقات‭ ‬المالية‭ ‬للأساتذة‭ ‬وإيقاف‭ ‬الاقتطاع‭ ‬وحل‭ ‬مشكلة‭ ‬الأساتذة‭ ‬النواب‭ ‬وفق‭ ‬الاتفاقات‭ ‬السابقة،‭ ‬مهددة‭ ‬بالتصعيد‭ ‬و‭ ‬متهمة‭ ‬سلطة‭ ‬الإشراف‭ ‬بالتسويف‭ ‬والمماطلة‭.‬

على‭ ‬صعيد‭ ‬آخر‭ ‬أصدرت‭ ‬الجامعة‭ ‬العامة‭ ‬للمناجم‭ ‬بيانين‭ ‬متزامنين‭ ‬لنقابتي‭ ‬شركة‭ ‬فسفاط‭ ‬قفصة‭ ‬وشركة‭ ‬نقل‭ ‬المواد‭ ‬المنجمية،‭ ‬هددتا‭ ‬فيه‭ ‬بالإضراب‭ ‬العام‭ ‬يوم‭ ‬الرابع‭ ‬عشر‭ ‬من‭ ‬ديسمبر‭ ‬الجاري،‭ ‬بعد‭ ‬ما‭ ‬قالت‭ ‬انه‭ ‬بسبب‭ ‬التسويف‭ ‬من‭ ‬الشركة‭ ‬وسلطة‭ ‬الإشراف‭ ‬ممثلة‭ ‬في‭ ‬وزارة‭ ‬الصناعة‭ ‬والطاقة‭ ‬والمعادن،‭ ‬لتطالب‭ ‬بعدد‭ ‬من‭ ‬المستحقات‭ ‬المالية‭ ‬والزيادات‭ ‬والتسويات‭ ‬الوظيفية‭ ‬لعمال‭ ‬الشركتين‭.‬

والجديد‭ ‬في‭ ‬بياني‭ ‬النقابتين‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬المطالب‭ ‬تبدو‭ ‬سابقة‭ ‬لأوانها،‭ ‬خاصة‭ ‬وأنها‭ ‬ترتكز‭ ‬على‭ ‬زيادات‭ ‬منطقيا‭ ‬ليست‭ ‬في‭ ‬أوانها،‭ ‬مثل‭ ‬زيادة‭ ‬منحة‭ ‬عيد‭ ‬الأضحى‭ ‬الذي‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬تفصلنا‭ ‬عنه‭ ‬أشهر‭ ‬عدة‭  ‬أو‭ ‬تمكين‭ ‬الأعوان‭ ‬من‭ ‬منحة‭ ‬رأس‭ ‬السنة‭ ‬ومن‭ ‬الشهرين‭ ‬الثالث‭ ‬عشر‭ ‬والرابع‭ ‬عشر،‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬السنة‭ ‬الإدارية‭ ‬لم‭ ‬تنته‭ ‬رسميا‭.‬

وجاءت‭ ‬برقية‭ ‬الإضراب‭ ‬بعد‭ ‬اجتماعات‭ ‬ومفاوضات‭ ‬أشرف‭ ‬عليها‭ ‬السيد‭ ‬صلاح‭ ‬السالمي‭ ‬الأمين‭ ‬العام‭ ‬المساعد‭ ‬للاتحاد‭ ‬العام‭ ‬التونسي‭ ‬للشغل،‭ ‬وصدرت‭ ‬على‭ ‬إثرها‭ ‬برقية‭ ‬الإضراب،‭ ‬مما‭ ‬يؤشّر‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬دفعا‭ ‬رسميا‭ ‬من‭ ‬قيادة‭ ‬الاتحاد‭ ‬لخوض‭ ‬هذا‭ ‬الإضراب‭.‬

تبعا‭ ‬لذلك‭ ‬اعتبر‭ ‬عديد‭ ‬المتابعين‭ ‬أن‭ ‬دخول‭ ‬قطاعات‭ ‬كبرى‭ ‬كالمناجم‭ ‬والتعليم‭ ‬إلى‭ ‬منطقة‭ ‬الإضرابات‭ ‬يعد‭ ‬بادرة‭ ‬تصعيد،‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬احد‭ ‬إلى‭ ‬الآن‭ ‬إن‭ ‬كانت‭ ‬فعلا‭ ‬ناتجة‭ ‬عن‭ ‬ضغط‭ ‬القاعدة‭ ‬الأستاذية‭ ‬والعمالية،‭ ‬أم‭ ‬أنها‭ ‬تأتي‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬اختبار‭ ‬قوة‭ ‬من‭ ‬الأطراف‭ ‬المختلفة‭. ‬وكل‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬انتظار‭ ‬معركة‭ ‬اجتماعية‭ ‬يبدو‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬مفر‭ ‬منها،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬تمسك‭ ‬الحكومة‭ ‬بالمنشور‭ ‬عدد‭ ‬21،‭ ‬وفي‭ ‬ظل‭ ‬تمسك‭ ‬الحكومة‭ ‬أيضا‭ ‬بعدم‭ ‬تفعيل‭ ‬الاتفاقات‭ ‬السابقة،‭ ‬وعدم‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬طاولة‭ ‬الحوار‭ ‬مع‭ ‬الاتحاد،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬الارتفاع‭ ‬المتواصل‭ ‬للأسعار‭ ‬والنقص‭ ‬الحاد‭ ‬في‭ ‬عديد‭ ‬المواد‭.‬

اختبار‭ ‬القوة‭ ‬هذا‭ ‬يأتي‭ ‬في‭ ‬سياقات‭ ‬غامضة‭ ‬تلف‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الاتحاد‭ ‬والسلطة‭ ‬الحاكمة،‭ ‬وتحديدا‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية،‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬لقاءه‭ ‬الخاطف‭ ‬مع‭ ‬قيادة‭ ‬الاتحاد‭ ‬على‭ ‬هامش‭ ‬تدشين‭ ‬متحف‭ ‬حشاد،‭ ‬وكلماته‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تحمل‭ ‬معاني‭ ‬القطيعة‭ ‬ولا‭ ‬تبشّر‭ ‬بمدلولات‭ ‬عودة‭ ‬الودّ،‭ ‬قد‭ ‬اقنع‭ ‬المتابعين‭ ‬بأن‭ ‬هناك‭ ‬انفراجا‭ ‬في‭ ‬العلاقة‭ ‬مع‭ ‬بطحاء‭ ‬محمد‭ ‬علي،‭ ‬بل‭ ‬تبدو‭ ‬مواقف‭ ‬الجميع‭ ‬ثابتة‭ ‬في‭ ‬مواقعها،‭ ‬ولا‭ ‬جديد‭ ‬يذكر‭ ‬على‭ ‬ساحة‭ ‬قنوات‭ ‬التواصل‭ ‬أو‭ ‬مسارب‭ ‬الحوار‭.‬

ويعلم‭ ‬الجميع‭ ‬أن‭ ‬التصعيد‭ ‬لن‭ ‬يخدم‭ ‬أي‭ ‬طرف‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الحالي،‭ ‬كما‭ ‬يعلمون‭ ‬أيضا‭ ‬أن‭ ‬اختبار‭ ‬القوة‭ ‬مهما‭ ‬كان‭ ‬محدودا‭ ‬ومبرمجا‭ ‬سلفا،‭ ‬قد‭ ‬يخرج‭ ‬عن‭ ‬السيطرة‭ ‬وقد‭ ‬تؤدي‭ ‬بعض‭ ‬الانفلاتات‭ ‬هنا‭ ‬وهناك‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬تحمد‭ ‬عقباه‭. ‬فالطرف‭ ‬الآخر‭ ‬يبدو‭ ‬الآن‭ ‬أكثر‭ ‬تصلبا‭ ‬في‭ ‬موقفه‭ ‬من‭ ‬الاتحاد،‭ ‬خصوصا‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬بلغ‭ ‬إلى‭ ‬مسامعه‭ ‬أن‭ ‬الاتحاد‭ ‬قد‭ ‬رفع‭ ‬شكاية‭ ‬إلى‭ ‬منظمة‭ ‬العمل‭ ‬الدولية‭ ‬ضد‭ ‬ما‭ ‬اعتبره‭ ‬انتهاكا‭ ‬لحرية‭ ‬العمل‭ ‬النقابي‭. ‬وبالتالي‭ ‬تبدو‭ ‬الأمور‭ ‬في‭ ‬غير‭ ‬مسارها‭ ‬الطبيعي‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬سائدا‭ ‬قبل‭ ‬سنتين‭ ‬من‭ ‬الآن،‭ ‬وتبدو‭ ‬جميع‭ ‬الأطراف‭ ‬في‭ ‬موقف‭ ‬غير‭ ‬مريح‭ ‬وغير‭ ‬واضح‭ ‬أيضا‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬من‭ ‬الإضرابات‭ ‬القطاعية‭ ‬وسيلة‭ ‬تمرين‭ ‬واستشراف‭ ‬للقادم،‭ ‬وكذلك‭ ‬أداة‭ ‬قياس‭ ‬لردّ‭ ‬فعل‭ ‬كل‭ ‬طرف‭ ‬على‭ ‬التصعيد‭ ‬المرتقب،‭ ‬خصوصا‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬تواصلت‭ ‬الأوضاع‭ ‬العامة‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬عليه‭ ‬الآن‭.‬

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

لا بد من الرهان على الحزم الاداري والردع القانوني: الوعي المواطني وحده لا يكفي لحماية البيئة والمحيط

عادة ما يتداول التونسيون في موسم الاصطياف خصوصا، صورا ومشاهد وفيديوهات لمجموعات شبابية او …