2023-12-09

معذرة وزيرة المالية… نجاح في سداد الدّيْن الخارجي.. رسوب في سداد «الدّيْن الداخلي»..!

بشّرتنا‭ ‬وزيرة‭ ‬المالية‭ ‬سهام‭ ‬نمصية‭ ‬مساء‭ ‬الأربعاء‭ ‬6‭ ‬ديسمبر‭ ‬2023‭ ‬خلال‭ ‬جلسة‭ ‬عامة‭ ‬بمجلس‭ ‬نواب‭ ‬الشعب‭ ‬بأن‭ ‬تونس‭ ‬تمكنت‭ ‬إلى‭ ‬موفى‭ ‬شهر‭ ‬نوفمبر‭ ‬المنقضي‭ ‬من‭ ‬سداد‭ ‬ما‭ ‬يقارب‭ ‬٪93‭ ‬من‭ ‬خدمة‭ ‬دينها‭ ‬الخارجي‭.‬

ليس‭ ‬ذلك‭ ‬فحسب‭ ‬اعتبرت‭ ‬الوزيرة‭ ‬في‭ ‬حكومة‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬ان‭ ‬ما‭ ‬حققته‭ ‬تونس‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬الآن‭ ‬ليس‭ ‬بالأمر‭ ‬الهيّن‭ ‬رغم‭ ‬الوضعية‭ ‬الصعبة‭ ‬للمالية‭ ‬العمومية‭ ‬والعوامل‭ ‬الخارجية‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬لتونس‭ ‬فيها‭ ‬اي‭ ‬ذنب‭ ‬وأثرت‭ ‬حسب‭ ‬قولها‭ ‬على‭ ‬التوازنات‭ ‬المالية‭ ‬للدولة‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬لم‭ ‬تبق‭ ‬الدولة‭ ‬وفق‭ ‬تقديرها‭ ‬مكتوفة‭ ‬الأيدي‭ ‬بل‭ ‬قامت‭ ‬بمجهود‭ ‬جبار‭ ‬بعدم‭ ‬تسجيل‭ ‬أي‭ ‬عجز‭ ‬في‭ ‬سداد‭ ‬ديونها‭. ‬

ولا‭ ‬نخال‭ ‬انه‭ ‬ثمّة‭ ‬كلام‭ ‬أجمل‭ ‬وأبلغ‭ ‬مما‭ ‬قالته‭ ‬الوزيرة‭ ‬فقليلة‭ ‬هي‭ ‬الدول‭ ‬وحتى‭ ‬الأفراد‭ ‬الذين‭ ‬يقدرون‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الأوضاع‭ ‬الراهنة‭ ‬على‭ ‬سداد‭ ‬ديونهم‭ ‬خصوصا‭ ‬عندما‭ ‬تكون‭ ‬ثقيلة‭ ‬وعندما‭ ‬تكون‭ ‬الموارد‭ ‬شبه‭ ‬معدومة‭.‬

المسألة‭ ‬الثانية‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬بالإمكان‭ ‬ان‭ ‬تجعلنا‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬أكثر‭ ‬أريحية‭ ‬وأكثر‭ ‬تفرغا‭ ‬لخدمة‭ ‬المواطن‭ ‬التونسي‭ ‬وخلق‭ ‬الثروة‭ ‬بعد‭ ‬االانفجار‭ ‬الثوريب‭ ‬وهي‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الدائنين‭ ‬وفق‭ ‬المنطق‭ ‬الثوري‭ ‬ووفق‭ ‬المصلحة‭ ‬الدولية‭ ‬المشتركة‭ ‬ووفق‭ ‬الأعراف‭ ‬والمواثيق‭ ‬الدولية‭ ‬فهناك‭ ‬حديث‭ ‬طويل‭ ‬عريض‭ ‬قيل‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الخبراء‭ ‬والمختصين‭ ‬والسياسيين‭ ‬بعضهم‭ ‬في‭ ‬باب‭ ‬المزايدة‭ ‬وبعضهم‭ ‬في‭ ‬باب‭ ‬الواقعية‭ ‬والوطنية‭ ‬ومفاده‭ ‬ان‭ ‬تونس‭ ‬الثورة،‭ ‬وبمنطق‭ ‬الثورة‭ ‬وبمنطق‭ ‬اتصحيح‭ ‬الثورةب،‭ ‬كان‭ ‬بمقدورها‭ ‬ان‭ ‬تحرج‭ ‬شركاءها‭ ‬الدائنين‭ ‬وان‭ ‬تفرض‭ ‬عليهم‭ ‬خارطة‭ ‬طريق‭ ‬سواء‭ ‬بإسقاط‭ ‬ما‭ ‬يقال‭ ‬انها‭ ‬ديون‭ ‬الديكتاتورية‭ ‬او‭ ‬إعادة‭ ‬جدولتها‭ ‬وترحيلها‭ ‬لفترة‭ ‬معينة‭ ‬او‭ ‬تحويلها‭ ‬الى‭ ‬استثمارات،‭ ‬وهذا‭ ‬للأسف‭ ‬لم‭ ‬تجرؤ‭ ‬عليه‭ ‬منظومات‭ ‬الحكم‭ ‬المتعاقبة‭ ‬فوجدنا‭ ‬أنفسنا‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف‭ ‬مكرهين‭ ‬لا‭ ‬أبطال‭ ‬لسداد‭ ‬ما‭ ‬علينا‭ ‬من‭ ‬ديون‭.‬

والخطير‭ ‬إزاء‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬استمرار‭ ‬التداين‭ ‬ويكفي‭ ‬ان‭ ‬نعود‭ ‬الى‭ ‬عمل‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬الجديد،‭ ‬فباستثناء‭ ‬انكبابه‭ ‬هذه‭ ‬الايام‭ ‬على‭ ‬مناقشة‭ ‬ميزانية‭ ‬وقانون‭ ‬مالية‭ ‬2024،‭ ‬لا‭ ‬حصاد‭ ‬في‭ ‬عمل‭ ‬سكان‭ ‬باردو‭ ‬سوى‭ ‬المصادقة‭ ‬على‭ ‬القروض‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬بالتاكيد‭ ‬ضرورية‭ ‬لكن‭ ‬منطق‭ ‬تصحيح‭ ‬الثورة‭ ‬كان‭ ‬يستوجب‭ ‬تغيير‭ ‬المقاربات‭ ‬وتجديدها‭.‬

المهم‭ ‬في‭ ‬تقديرنا‭ ‬الآن‭ ‬او‭ ‬بالأحرى‭ ‬الأهم‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬ننوّه‭ ‬بالتزام‭ ‬الدولة‭ ‬وجديتها‭ ‬وحرصها‭ ‬وسيادتها‭ ‬ووفائها‭ ‬بتعهداتها‭ ‬لدى‭ ‬الدائنين،‭ ‬وفي‭ ‬المقابل‭ ‬نسجل‭ ‬بكل‭ ‬أسف‭ ‬وخوف‭ ‬ضعف‭ ‬تفاعلها‭ ‬إن‭ ‬جاز‭ ‬القول‭ ‬مع‭ ‬مواطنيها‭.‬

ولسنا‭ ‬نغالي‭ ‬هنا‭ ‬حين‭ ‬نقول‭ ‬أن‭ ‬االدين‭ ‬الداخليب‭ ‬ما‭ ‬يزال‭ ‬ثقيلا‭ ‬على‭ ‬الدولة‭ ‬تجاه‭ ‬المواطن‭ ‬التونسي‭ ‬وخاصة‭ ‬المرغم‭ ‬كل‭ ‬شهر‭ ‬على‭ ‬دفع‭ ‬الضرائب‭ ‬والالتزام‭ ‬بتعهداته‭ ‬لدى‭ ‬الدولة‭ ‬التونسية‭ ‬وهو‭ ‬ينتظر‭ ‬في‭ ‬المقابل‭ ‬ودون‭ ‬أدنى‭ ‬شك‭ ‬خدمة‭ ‬عامة‭ ‬وخدمة‭ ‬اجتماعية‭ ‬مرموقة‭ ‬وينتظر‭ ‬ايضا‭ ‬تغيير‭ ‬حاله‭ ‬الى‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬أفضل‭.‬

وكما‭ ‬يقول‭ ‬الخبراء‭ ‬والمختصون‭ ‬دائما‭ ‬والساسة‭ ‬كذلك‭ ‬سواء‭ ‬منهم‭ ‬من‭ ‬هم‭ ‬في‭ ‬الحكم‭ ‬او‭ ‬خارجه،‭ ‬فان‭ ‬إنصاف‭ ‬المواطن‭ ‬وتمكينه‭ ‬من‭ ‬حقوقه‭ / ‬ديونه‭ ‬لا‭ ‬يتم‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تغيير‭ ‬المنوال‭ ‬التنموي‭ ‬او‭ ‬اعتماد‭ ‬مقاربة‭ ‬تنموية‭ ‬جديدة‭ ‬خلاقة‭ ‬ومبدعة‭..‬

ان‭ ‬طوابير‭ ‬المواطنين‭ ‬اليوم‭ ‬أمام‭ ‬الدكاكين‭ ‬والمخابز‭ ‬والفضاءات‭ ‬التجارية‭ ‬الكبرى‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬علبة‭ ‬حليب‭ ‬او‭ ‬شيء‭ ‬من‭ ‬السكر‭ ‬او‭ ‬قارورة‭ ‬زيت‭ ‬او‭ ‬غيره‭ ‬من‭ ‬المواد‭ ‬الأساسية‭ ‬وبأثمان‭ ‬باهظة‭ ‬هو‭ ‬للأسف‭ ‬دين‭ ‬ثقيل‭ ‬على‭ ‬الدولة،‭ ‬كذلك‭ ‬الأمر‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬رشح‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬الآن‭ ‬عن‭ ‬ميزانية‭ ‬2024‭ ‬وقانونها‭ ‬المالي‭ ‬فالنواب‭ ‬أنفسهم‭ ‬ورغم‭ ‬التصويت‭ ‬الميكانيكي‭ ‬على‭ ‬ميزانية‭ ‬االمهمّاتب‭ ‬والمهمات‭ ‬الخاصة‭ ‬في‭ ‬المشروع‭ ‬أكدوا‭ ‬في‭ ‬تدخلاتهم‭ ‬ان‭ ‬صياغة‭ ‬مشروع‭ ‬قانون‭ ‬المالية‭ ‬لسنه‭ ‬2024‭ ‬لا‭ ‬يستجيب‭ ‬لتطلعات‭ ‬المواطن‭ ‬التونسي‭ ‬وقالوا‭ ‬أن‭ ‬إعداد‭ ‬الميزانية‭ ‬التي‭ ‬تعد‭ ‬ميزانية‭ ‬تسيير‭ ‬وأبعد‭ ‬ما‭ ‬يكون‭ ‬على‭ ‬التعويل‭ ‬على‭ ‬الذات،‭ ‬لم‭ ‬يخضع‭ ‬لمقاربة‭ ‬تشاركية‭ ‬وان‭ ‬المشروع‭ ‬الحالي‭ ‬محاسباتي‭ ‬بامتياز‭ ‬وسوف‭ ‬تشهد‭ ‬السنة‭ ‬القادمة‭ ‬وفق‭ ‬تقديراتهم‭ ‬عديد‭ ‬الضغوطات‭ ‬وستكون‭ ‬سنة‭ ‬صعبه‭ ‬للغاية‭.‬

أكثر‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬جاهر‭ ‬بعض‭ ‬النواب‭ ‬بأن‭ ‬سنة‭ ‬2024‭ ‬ستشهد‭ ‬تعطل‭ ‬عجلة‭ ‬التنمية‭ ‬وضغطا‭ ‬جبائيا‭ ‬كبيرا‭ ‬على‭ ‬المواطن‭ ‬وعدم‭ ‬تشغيل‭ ‬آلاف‭ ‬من‭ ‬حاملي‭ ‬الشهائد‭ ‬العليا‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬العجز‭ ‬عن‭  ‬الانتصاب‭ ‬الخاص‭ ‬والاستثمار‭.. ‬

والحقيقة‭ ‬ان‭ ‬الوزيرة‭ ‬لم‭ ‬تعارض‭ ‬ولم‭ ‬تعترض‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬تجرّأ‭ ‬عليه‭ ‬نواب‭ ‬الشعب‭ ‬وهو‭ ‬أسلوب‭ ‬ذكي‭ ‬في‭ ‬تقديرنا‭ ‬في‭ ‬اتصال‭ ‬الأزمة‭ ‬فهي‭ ‬تفهّمت‭ ‬ملاحظاتهم‭ ‬وتفاعلت‭ ‬مع‭ ‬تساؤلاتهم‭ ‬وخلصت‭ ‬الى‭ ‬انه‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الموارد‭ ‬تم‭ ‬اتخاذ‭ ‬سياسة‭ ‬جبائية‭ ‬تحافظ‭ ‬قدر‭ ‬الإمكان‭ ‬على‭ ‬المقدرة‭ ‬الشرائية‭ ‬للمواطن‭ ‬ولا‭ ‬تثقل‭ ‬كاهل‭ ‬المؤسسة،‭ ‬وبشّرتنا‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬بأن‭ ‬شعار‭ ‬التعويل‭ ‬على‭ ‬الذات‭ ‬سيظهر‭ ‬أساسا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬توسيع‭ ‬قاعدة‭ ‬الأداء‭ ‬ومقاومة‭ ‬التهرب‭ ‬الجبائي‭ ‬وإدماج‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الموازي‭ ‬وتحصيل‭ ‬المداخيل‭ ‬دون‭ ‬اثقال‭ ‬كاهل‭ ‬المواطن‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬ودون‭ ‬إثقال‭ ‬كاهل‭ ‬المؤسسة‭ ‬مع‭ ‬تكرار‭ ‬شعارات‭ ‬مواصلة‭ ‬محاربة‭ ‬الفساد‭ ‬وتنفيذ‭ ‬الإصلاحات‭ ‬الكبرى‭.. ‬

إزاء‭ ‬هذا‭ ‬الكلام‭ ‬وإزاء‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬الواقع‭ ‬حقيقة‭ ‬ليس‭ ‬للمواطن‭ ‬التونسي‭ ‬سوى‭ ‬الانتظار‭ ‬كل‭ ‬على‭ ‬طريقته‭ ‬بطبيعة‭ ‬الحال‭ ‬وكل‭ ‬عام‭ ‬وكل‭ ‬ميزانية‭ ‬والمواطن‭ ‬التونسي‭.. ‬بخير‭.‬

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

في الذكرى 72 لاغتيال الزعيم الشهيد فرحات حشاد.. ما أحوجنا لاستحضار قيم تأسيس الاتحاد..!

في الخامس من شهر ديسمبر 1952 طالت يد الغدر الزعيم فرحات حشاد أحد أبرز قادة الحركة الوطنية …