زيارات ميدانية متواصلة يؤديها رئيس الجمهورية قيس سعيد من حين إلى آخر إلى منطقة من مناطق البلاد أو إحدى المنشآت أو المؤسسات آخرها زيارة أداها إلى مدينة باجة منذ يومين، حيث زار مستودعين بلديين لمعاينة وضع الأسطول والمحجوزات ثم تحول إلى معمل السكر حيث اطلع على سير عمل هذا المعمل واستمع إلى مشاغل العاملين فيه.
وفي الزيارة الأخيرة كما في الزيارات التي سبقتها بما في ذلك التي أداها إلى ـ على سبيل الذكر لا الحصر ـ إلى محطة القطارات بجبل الجلود والمستودع التابع لشركة نقل تونس بباب سعدون وملعب المنزه لم تكن الأمور في أحسن حال بل كانت في أسوئها. ففي المستودعين البلديين وقف الرئيس على الوضع المتردي للأسطول والمحجوزات المتواجدة فيهما، حيث تربض سيارات ودراجات نارية وآليات متنوعة لمدة تصل إلى عقدين من الزمن، حتى أن الفضاءين لم يعودا قادرين على استيعاب المزيد من المحجوزات.
والوضع الذي كان عليه المستودعان أثار استياء الرئيس، حيث اعتبر أن ما يتوفر فيهما من محجوزات مهملة يعد ثروة وطنية مهدورة وخسارة للمجموعة الوطنية. لينتقد تعقد التشريعات وبطء الفصل في القضايا وعدم تعاون الوزارات المتدخلة التي تعمل كل على حدة وكأنها ليست في دولة واحدة. وعبر عن استيائه من الوصول إلى مرحلة تدار فيها البلاد بمحاضر الجلسات عوضا عن القوانين والتشريعات. وكانت مناسبة للتأكيد على تحيين النص القانوني الخاص بالمحجوزات الديوانية حتى يتماشى مع سير العمل لهذا السلك ويمكّن المواطنين من الحصول على حقوقهم في أقرب الآجال.
أما معمل السكر فهو متوقف عن الإنتاج منذ الأسبوع الفارط ويواجه صعوبات ماليّة متراكمة منذ سنوات. وقد سبق لهذا المعمل أن توقف عديد المرات بسبب تداخل عديد العوامل منها المادية واللوجستية. وعلى اثر زيارته له استقبل الرئيس أمس الأول كلاّ من وزيرة التجارة وتنمية الصادرات والرئيس المدير العام للشركة التونسية للسكر. وبالمناسبة دعا سعيد إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لإنقاذ هذه الشركة وضبط برنامج في أقرب الآجال لوضع حد للتشتت الذي عرفته، سواء في مستوى الإشراف عليها أو في مستوى علاقاتها بعدد من الشركات الأخرى، على غرار المركب السكري التونسي وديوان البحرية التجارية والموانئ. حيث تم التأكيد على ضرورة الانسجام بين كل الأطراف المعنية، وذلك أولا لأن الدولة لها سياسة واحدة تنبني على تكامل كل الجهود في نفس الاتجاه وثانيا لإنقاذ هذه الشركة.
وكان الرئيس في كل مرة وفي مختلف المناسبات يذكّر بعدم استعداد الدولة للتفريط في المؤسسات والمنشآت العمومية وأنها ستعمل على إصلاحها والقضاء على كل الأسباب التي أدت إلى تردّي أوضاعها. ويأتي ذلك لما تمت معاينته في العديد إن لم نقل في كل المؤسسات العمومية والوطنية من سوء تصرف وسوء إدارة وفساد، اثبت أكثر من أي وقت مضى الحاجة الماسة إلى نفس جديد وضخ دماء جديدة من حيث الموارد البشرية الكفأة، لضمان حسن تسييرها وتصريف شؤونها إداريا وماليّا وبشريا ولوجستيا.
واللافت أن سعيد في كل مرة أيضا يذكّر بضرورة تحمل المسؤولين لمسؤولياتهم وان من لا يكون في مستوى مسؤوليته أو يبطئ في انجاز المشاريع المكلف بالإشراف عليها ليس جديرا بتحمل هذه المسؤولية. وهذا منطقيا ينطبق على كل المسؤولين وفي مستوى مسؤوليتهم سواء على رأس مؤسسة أو على رأس وزارة أو على رأس ولاية. غير أن الزيارات الرئاسية في كل مرة تكشف التسيير االعبثيب لمختلف المؤسسات والوزارات وحتى الولايات.
فواقع الحال يؤكد استسهال تولّي المسؤوليات، وهو ما يفسر قطعا ما تعيشه مختلف المؤسسات والمنشآت العمومية في كل المجالات دون استثناء من صعوبات بسبب العبث بمقدراتها والعجز عن إيجاد الحلول الكفيلة بالإصلاح والإنقاذ، وكأن العلاقة بين المسؤول ومسؤوليته في بلادنا لا تعدو أن تكون سوى علاقة مصلحية مبنية على ما توفره الأخيرة من صلاحيات وامتيازات وسلطة لا غير. وهذا ما عكسته كل زيارات الرئيس الميدانية الكثيرة التي على أهميتها إنما تدعو إلى التريّث في تعيين المسؤولين على رأس مؤسسات الدولة وتدعو أيضا إلى ترجمة أقوال الرئيس إلى أفعال إصلاحية حقيقية.
حراك ديبلوماسي متواصل ومتنوع : تنويع العلاقات مع الدول الشقيقة والصديقة وتطويرها
تمثل السياسة الخارجية التي تنتهجها بلادنا احدى النقاط المضيئة، اذ وفق ثوابت معينة تعمل على…