رغم تهرّؤ المنظومة الصحية تونس تستعدّ لاستقبال عدد من المصابين من قطاع غزة لتلقّي العلاج
بعد المكالمة الهاتفية التي أجراها مع نظيره المصري مساء الثلاثاء الفارط وأبلغه فيها عن استعداد تونس، بالتنسيق مع السلطات المصرية والهلال الأحمر الفلسطيني لاستقبال عدد من مصابي العدوان الإسرائيلي على غزة لتلقي العلاج بتونس، اجتمع رئيس الجمهورية قيس سعيد أمس الأول مع كل من وزير الصحة والوزير المستشار لدى رئيس الجمهورية ورئيس الهلال الأحمر التونسي.
وتناول اللقاء الإجراءات المتعلقة باستقبال تونس، في أقرب الأوقات، لعدد من الجرحى والمصابين ضحايا العدوان الصهيوني الغاشم على الشعب الفلسطيني في قطاع غزّة، وذلك بالتنسيق بين مختلف القطاعات المعنية من وزارة الدفاع الوطني والشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج والصحة والنقل والهلال الأحمر التونسي.
وفي بلاغ لرئاسة الجمهورية حول هذا اللقاء، فانه سيتم استقبال الأشقاء الفلسطينيين في المؤسسات الاستشفائية العمومية وفي المصحات الخاصة التي عبّرت حسب هذا البلاغ عن استعدادها للمشاركة في القيام بهذا الواجب المقدّس شأنها شأن الصيادلة والأطباء. حيث أوضح الرئيس أن استقبال المصابين الفلسطينيين في بلادنا يعكس تضامن التونسيين الفعلي مع الشعب الفلسطيني، ليوصي بالمناسبة بمواصلة الجسر الجوي من المساعدات التي قدّمها الشعب التونسي لأشقائه في فلسطين عن طريق الهلال الأحمر التونسي.
ومن المنتظر أن يتولى كل من وزيري الخارجية التونسي والمصري التنسيق في أقرب الآجال لتسهيل نقل عدد من المصابين من قطاع غزة لتلقي العلاج بتونس. وفعليا تم قبل موفى أكتوبر الفارط تركيز مستشفى ميدانيا بالياسمينات من ولاية بن عروس بطاقة استيعاب 120 سرير. وتمت معاينة مدى جاهزية المستشفى وجميع الخدمات الّتي سيوفرها من قبل وزير الصحة وذلك استعدادا لإمكانية استقبال الجرحى من الشعب الفلسطيني والتعهد بهم في أفضل الظروف. كما تم الإعلان من قبل الهيئات الطبية التونسية والهلال الأحمر التونسي عن استعدادهم لتقديم المساعدة الطبية في المستشفيات الميدانية سواء في بلادنا أو بالتنقل إلى المستشفيات الميدانية المحدثة على الحدود الفلسطينية المصرية. ومن جهتها عبّرت الغرفة النقابية الوطنية للمصحات الخاصة عن استعداد عدة مصحات بشكل تلقائي لاستقبال الجرحى الفلسطينيين وتمكينهم من كل أشكال المساعدة الطبية والتعهد النفسي.
وتأتي مختلف المبادرات التي تم الإعلان عنها سواء من قبل رئيس الجمهورية أو من قبل المجتمع المدني أو الهياكل الطبية والصحية لتؤكد الوازع التضامني الذي تتمتع به بلادنا تجاه الشعب الفلسطيني في محنته وتسعى إلى تطبيقه على ارض الواقع. ومن المؤكد انه لا يختلف اثنان حول أهمية مساندة الشعب التونسي لأشقائه الفلسطينيين في محنتهم، بل إن ذلك يعتبر واجبا، حتى أن تونس لطالما كانت في مقدمة البلدان المتضامنة مع الشعب الفلسطيني في مختلف محطاته النضالية وفي محنه.
وعلى الرغم من أهمية الحركة النبيلة التي أعلنها الرئيس قيس سعيد لاستقبال عدد من مصابي العدوان الإسرائيلي على غزة لتلقي العلاج بتونس إلا أن السؤال الضروري طرحه هو اما مدى استعداد بلادنا بشريا ولوجستيا في ظل المشاكل الهيكلية التي يعاني منها قطاع الصحة في بلادنا؟ب.
فواقعيا لا يمكن إنكار الواقع الأليم الذي يعاني منه هذا القطاع وما يواجهه من تحديات على كافة الأصعدة. وقد كشفت آخر دراسة أنجزتها منظمة البوصلة حول المشاكل الكبرى لنفاذ الشباب والنساء الحوامل إلى منظومات الصحة العمومية في تونس مدى تراجع هذا المجال. كما أظهرت أن المستشفيات لم تعد قادرة على توفير الخدمات للمواطنين في الظروف المتأكدة وبالجودة اللازمة بسبب تراجع عدد اطباء الاختصاص وتراجع عدد الإطارات شبه الطبية الذين تسببت سياسة التقشف في هجرتهم، ليمثّل ذلك احد العوامل الأساسية في تفاقم الأضرار داخل قطاع الصحّة العمومية ومزيد تعميق معاناة التونسيين وحرمانهم من التمتع بأحد أهم حقوقهم الأساسية.
فميزانية وزارة الصحة التي تتطلب إمكانيات مالية هامة أصبحت لا تسمح سوى بالحد الأدنى للاستثمار في قطاع الصحة العمومية مما جعل الإطارات الطبية وشبه الطبية بمؤسسات الصحة العمومية غير قادرين على توفير العلاج اللازم في الوقت المناسب بسبب نقص في المعدات والأدوية وتدهور البنية التحتية. في المقابل يبقى الوصول إلى القطاع الصحي الخاص رهين توفر الإمكانيات المالية، ليصبح القطاع الصحي احد تمظهرات الفوارق الاجتماعية في بلادنا.
وإصرار الرئيس قيس سعيد على استقبال الأشقاء الفلسطينيين المصابين جراء العدوان الصهيوني على غزة من اجل معالجتهم في بلادنا دفع شريحة هامة من التونسيين للتساؤل إن كانت الدولة قادرة على تقديم الخدمات الطبية اللازمة في ظل ما يعانيه القطاع الصحي من نقص في الإطار الطبي وشبه الطبي وفي المعدات والأدوية. كما عبر العديدون عن أملهم لو تخفّض المصحات الخاصة التي عبرت عن استعدادها لتقديم الخدمات بشكل تلقائي للجرحى الفلسطينيين في تعريفاتها للمرضى التونسيين الذين هم بحاجة للعلاج ولكن إمكانياتهم المادية تحول دونهم ودون هذه المصحات. وبالتالي فإنّ البعد التضامني مع الإخوة الفلسطينيين ولئن كان أمرا محمودا إلا أن التونسيين بدورهم في حاجة إلى لفتة تضامنية من دولتهم من اجل تسهيل تمتيعهم بأحد أهم حقوقهم الأساسية وهو الحق في الصحة.
حراك ديبلوماسي متواصل ومتنوع : تنويع العلاقات مع الدول الشقيقة والصديقة وتطويرها
تمثل السياسة الخارجية التي تنتهجها بلادنا احدى النقاط المضيئة، اذ وفق ثوابت معينة تعمل على…