السياسة التقشفية وعناوينها الكبرى: تحقيق التوازنات المالية للحدّ من عجز الميزانية العمومية وتجاهل للكلفة الاجتماعية!
عاشت تونس خلال العامين الأخيرين بسبب عدم حصولها على القرض المزمع من صندوق النقد الدولي والتضييقات المالية التي مارستها ضدها مختلف الأطراف الدولية المانحة سواء مؤسسات أو دولا ضائقة مالية دفعتها الى الاقتراض الداخلي بالعملة الصعبة، ومع ذلك قامت الى غاية أكتوبر الفارط بسداد 81 بالمائة من إجمالي خدمة الدين الخارجي.
ونجاح بلادنا في الإيفاء بتعهداتها تجاه الدائنين في الخارج كان له ثمنه على الداخل، ذلك أن اعتمادها على الذات المتزامن مع تراجع نسق النمو وتجميد كل محركاته مع بطء المحرك الاقتصادي، دفع الى اعتماد سياسة تقشفية صارت واضحة المعالم في المعيش اليومي للتونسيين. وقد تزداد هذه السياسة وضوحا مع بداية تطبيق قانون المالية الجديد الذي أبدت فيه الحكومة حرصها على تحقيق توازنات مالية تمكّن من الحد من عجز الميزانية العمومية، في المقابل تجاهلت كلفة ذلك الاجتماعية.
وفي هذا الإطار افادنا الخبير الاقتصادي لطفي بن عيسى أن السياسة التقشفية مرتبطة بمقاربة في علاقة بالميزانية وخيار الحكومة سواء في إطار الاتفاق مع صندوق النقد الدولي أو عدم الاتفاق. ليضيف أن ما تمّت معاينته من ميزانية الى أخرى على الأقل في الميزانيات للسنوات الثلاث الأخيرة بما فيها الميزانية التي بصدد النقاش تحت قبة البرلمان، هو عدم القطع مع السياسة التقشفية. حيث أن الهاجس الأساسي للحكومة السابقة والحالية هو التحكم في عجز الميزانية من خلال التحكم في كتلة الأجور وفي حجم الدعم والتحكم في نزيف المالية العمومية في ما يتعلق بالمؤسسات العمومية التي تعاني من صعوبات، أي بصفة عامة التحكم في النفقات.
وبالنسبة لميزانية 2023 و2024 هناك هدف لتقليص نسبة العجز في الناتج الداخلي الخام بنقطة للمرور بها من 7.6 بالمائة الى 6.6 بالمائة. وهذا ما يتطلب التقليص بنقطة في كتلة الأجور والتخفيض من كلفة المواد الأساسية مقابل توسيع قاعدة تطبيق الأداءات والترفيع في قيمتها. وهذا ما يؤكده قانون المالية للسنة القادمة. وبالتالي هناك سياسة تقشفية في مستوى الإجراءات المالية وفي مستوى الإجراءات الجبائية.
والأثر المباشر لما ذكره المتحدث هو ضرب القدرة الشرائية للمواطنين والأسر التونسية وكذلك الإدارة. باعتبار أن الرافع الأساسي للنمو ومحركاته الأساسية من زاوية المحاسبة الوطنية هي الاستهلاك والتصدير والاستثمار، غير أن مناب هذه المحركات في علاقة بالناتج المحلي ومن الخيرات التي يتم توفيرها وخلقها ومن الواردات لا يتجاوز نسبة الثلثين، وما تبقى يتوزع بين التصدير والاستثمار، ليؤكد على أن تحقيق النمو يتطلب تعزيز القدرة الشرائية والاستهلاك التي تدفع عجلة الإنتاج والاستثمار والتشغيل، غير أن الدولة تقود اقتصادها بمنطق محاسباتي يقوم على تقليص نسب عجز الميزانية من خلال تقليص كتلة الأجور وغيرها من النفقات، وذلك في تجاهل لمسألة خلق الثروة ورفع نسبة النمو وتحريك الاقتصاد وتعزيز محركاته الأساسية، لاسيما الاستهلاك كإحدى رافعاته الأساسية.
وأوضح الأستاذ لطفي بن عيسى انه تبعا لاعتمادها على السياسة التقشفية فإن الميزانية قائمة على موارد الدولة الذاتية التي تبلغ أقل من 70 بالمائة ومصدرها الأساسي الموارد الجبائية المتأتية من مدخول الأجير سواء عن طريق الضرائب المباشرة التي تبلغ 40 بالمائة وغير المباشرة بنسبة 60 بالمائة. وهذا في حد ذاته حسب محدثنا يمثل فرزا غير عادل في حق الأجراء.
وفي ما يخص الضريبة على الدخل أو الضريبة على الشركة والضرائب المباشرة بصفة عامة نجد حسب المتحدث أن الشركات الكبرى والمتوسطة والصغرى تساهم في ميزانية الدولة بنسبة الثلث والأشخاص الطبيعيون بنسبة الثلثين وبالنسبة للضريبة على الدخل التي تمثل سبعة أصناف، نجد ان الأجير يتحمل نسبة الثلثين وبقية الأصناف تتحمل نسبة الثلث. وهو ما يعني ان الأعباء الجبائية من أكثر ما يثقل كاهل الأجير سواء كان في القطاع العام أو القطاع الخاص ما يضعف مقدرته الشرائية ويؤدي بالتالي الى الركود الاقتصادي عوض إنعاشه عبر تعزيز هذه المقدرة.
وبالتالي من الآثار المباشرة للسياسة التقشفية المتبعة حسب الخبير الاقتصادي لطفي بن عيسى هي تفقير الأجير بسبب اضعاف قدرتة الشرائية، بالإضافة الى مضاعفة هشاشة أوضاع بقية الطبقات الهشة بطبعها، بما في ذلك صغار الفلاحين والحرفيين والعاملين في قطاعات هشة أو بصيغ هشة. وما يزيد في تعميق هذا الإشكال ارتفاع نسبة التضخم التي فاقت في الكثير من المواد نسبة 10 بالمائة وإصرار البنك المركزي كمؤتمن على التحكم في الأسعار على الزيادة في نسبة الفائدة المديرية للضغط على الاستهلاك التي لم تنجح فعليا في التقليص من نسبة التضخم.
وهذه المؤشرات وغيرها من المؤشرات الأخرى حسب محدثنا تؤكد عدم نجاح السياسة التقشفية المعتمدة التي تعتبر البنوك والمؤسسات المالية من أكبر المنتفعين منها، باعتبارها أصبحت مموّلا رئيسيا للاقتصاد في ظل الحاجة للاقتراض الداخلي الذي بلغ خلال السنوات الأخيرة مستويات قياسية، حيث أصبحت الدولة أولى المقترضين من أجل إيجاد تمويل لنفقاتها عوض أن يتم توفير السيولة لتمويل الاقتصاد والاستهلاك.
بعد أن كشفت زيارات الرئيس الميدانية تقصير المسؤولين الجهويين : العمل الميداني أصبح من ركائز عمل الولاّة
كشفت الزيارات الميدانية ذات الطابع الفجئي التي أداها رئيس الجمهورية قيس سعيّد الى مختلف ال…